العلاج بالقراءة: روايات تساعد على علاج الاكتئاب

العلاج بالقراءة
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

لا يمكن الادعاء بأن العلاج بالقراءة سيكون كافياً في حالات الاكتئاب الحاد، لكن يمكن الاستفادة من قراءة الروايات كمكمِّل للرعاية الطبية. وسواء كنت بحاجة إلى رواية تساعدك على الخروج من حالة الاكتئاب أو قراءة كتاب على سبيل التسلية، فبمقدور الأعمال الأدبية أن تحرِّك وجدانك بطريقة يعجز الكثير من العلاجات عن محاكاتها. وإليك 3 روايات تساعدك على التعافي من الاكتئاب، إضافة إلى 10 روايات أخرى تساعدك على الشعور بالبهجة، وكذلك مقتطفات من كتاب “العلاجات الأدبية: التداوي بالكتب” (Literary Remedies: Healing Through Books).

قد يتخذ الاكتئاب أشكالاً عديدة، تتراوح ما بين البسيط إلى الحاد. ويمكن تعريف أدنى درجات الاكتئاب الذي يصاب به معظمنا من حين لآخر بأنه ذلك الشعور الذي يعترينا في تلك الأيام أو الفترات التي يبدو فيها كل شيء يسير على غير ما يرام، عندما تشعر بغياب الأصدقاء من حولك، وترى كل شيء باللون الأسود. نحتاج في هذه اللحظات إلى قراءة رواية تغيّر نظرتنا إلى العالم، وتذكّرنا بأن الشمس يمكن أن تشرق من جديد، وبأن البسمة قد تعود لترتسم على مُحيّانا وتنير وجوهنا مرة أخرى.

لكن الاكتئاب في أعنف صوره يدفع المرضى إلى الشعور بأنهم محاطون بسحابة سوداء ثقيلة نزلت عليهم دون سابق إنذار، ودون سبب معين، ولا يعرفون كيفية الإفلات بأنفسهم من براثنها. هذا هو الاكتئاب “السريري”، وهو شكل حاد من المرض العقلي يصعب علاجه وغالباً ما تتكرر الإصابة به. وإذا كنتَ من تعساء الحظ الذين يتعرّضون للإصابة بهذا النوع من الاكتئاب، فلا تتوقّع أن تغيّر قراءة الكتب الخفيفة والباعثة على التفاؤل حالتك المزاجية أو أن ترفع معنوياتك. والأنكى من ذلك أن مثل هذه الروايات قد تزيد وضعك سوءاً، لأنها ستجعلك تشعر بالذنب لعدم قدرتك على الاستهانة بأي شيء وستغضب من أي شيء يبدو باعثاً على التفاؤل، ومن ثم ستكره نفسك أكثر.

ربما يبدو الأمر متناقضاً في البداية، ولكن في أوقات مثل هذه قد تستفيد من قراءة الروايات التي تُسمي الأشياء بمسمياتها، أي تلك التي يشعر أبطالها بالاكتئاب مثلك أو ينظرون إلى العالم بنظرة متشائمة تماماً، فمثل هذه الروايات قادرة على إصابة الهدف بدقة وتشجيعك على أن تكون أكثر مرحاً مع نفسك، وهي تلك الرواية التي يمكن أن تتخذها رفيقاً لك في رحلتك وأنت تخطو على الدرب المظلم إلى أرض التعاسة، وتسمح بالتعرف إلى أوجه الشر التي تعانيها وفهمها بوضوح وإدراك أنك على الرغم من كل شيء لست مختلفاً تماماً عن الآخرين، أو على الأقل لست مختلفاً بهذا الشكل الفظيع ولست بمفردك في هذا العالم.

وقد تستفيد في هذا السياق من العذابات العقلية والكوابيس التي ابتُليت بها تيريزا في رواية “كائن لا تُحتمَل خفته” (The Unbearable Lightness of Being) للكاتب ميلان كونديرا. كان سبب تعاسة تيريزا يرجع في الأساس إلى تعرّضها للخيانات المتكررة على يد عشيقها توماس. فبعد فشل حياته الزوجية وانفصاله عن ابنه، قرّر توماس أن يعيش حياة الحب الحر دون الالتزام بعلاقة محدَّدة مع امرأة واحدة. لكن منذ البداية، تصف الرواية تيريزا بأنها امرأة أوهنتها الحياة وأورثتها الكآبة بسبب حزنها على طيش توماس مع عشيقته سابينا. ويرى كونديرا أن الناس ينقسمون إلى معسكرين: أولئك الذين يفهمون أن الحياة لا معنى لها، وبالتالي يكتفون بالتعامل مع المظاهر السطحية لمشاكلها ويعيشون كل لحظة بلحظتها دون التفكير في المستقبل، وأولئك الذين لا يستطيعون تحمّل فكرة أن الوجود يخلو من المعنى ويصرون على إعطاء الأهمية لكل شيء.

وعندما تلتقي تيريزا بتوماس، تدرك أنها ليس لديها خيار سوى أن تحبه إلى الأبد، وعندما عاودت الظهور في براغ لرؤيته مجدداً وحقيبتها في يدها، أحضرت معها أيضاً نسخة من شخصية آنا كارنينا، وهي الرواية التي تلخص، ربما أفضل من أي رواية أخرى، المعاناة التي يشعر بها المرء حين يبدو كل شيء خالياً من أي منطق. وعلى الرغم من حبه لها، يعرف توماس أن حضورها في حياته سيكون ثقيل الوطأة على نفسه. ونجد تيريزا حين وصلت إلى حافة الجنون بسبب رفض توماس التوقف عن مغامراته مع نساء أخريات، تلوم نفسها لأنها أضعف من أن تدين توماس بسبب خياناته ولرغبتها في تغيير سلوكه بدلاً من الابتعاد عنه. وفي أسوأ حالاتها، تحاول الانتحار بتناول جرعة زائدة من المخدّر. كلما وصلتَ إلى مثل هذه الأعماق، وشعرتَ بأن أحداً لا يمكن أن يمد إليك يد العون، اقرأ هذه الرواية مرة أخرى واقبل رفقة تيريزا في “أرض التعاسة”، فهي مثلك تريد أن تعيش الحياة وتتغلب على أحزانها، وتجد طريقة لتحقيق هذه الغاية في نهاية المطاف.

يعاني عدد لا يُستهان به من الكُتَّاب درجة أو أخرى من الاكتئاب. ويعتقد البعض أن المبدعين أكثر عرضة للإصابة به، بينما يعتقد البعض الآخر أن كتابة المرء عن مرضه لها تأثير علاجي. وقد أمضى الروائي الأميركي ريتشارد ييتس ساعات وهو يحدق بهدوء إلى جدار في حالة من “اكتئاب الجمود” (Catatonic Depression). كما عانى إرنست همنغواي من نوبات اكتئاب متكررة، وكان مدمناً على الشراب. وقد خسر معركته مع الاكتئاب في النهاية، مثل فرجينيا وولف وسيلفيا بلاث، ولكن بعد أن ترك وراءه، مثلهما، إرثاً لا يُقدَّر بثمن حكى فيه عن عصارة خبرته. ويتمثل هذا الإرث في رواياته التي تتناول ماهية المرض العقلي، وهي موجودة في متناول أيدينا ويمكننا أن ننهل من معينها لنجد الراحة التي فشل هذا الكاتب وأمثاله في العثور عليها.

فقد عانت سيلفيا بلاث الاضطراب ثنائي القطب، وفي روايتها الرائعة التي تتناول أحداث سيرة ذاتية تحت عنوان “جرس الأحزان” (The Bell of Stress)، وصفت الكاتبة من خلال بطلتها الشابة إستر غرينوود التقلبات المذهلة في أحوالها المزاجية التي جعلتها تنتقل بسرعة البرق من حالة من السعادة الغامرة (“اتسعت رئتاها “عندما أدركت فرحتها بأن عروقها لا تزال تنبض بالحياة) إلى حالة من الانهيار الجسدي تحرمها كل المشاعر (“صامتة ومتجمدة مثل طفل هامد”). وتعمل شخصية إستر على منح مَنْ يعانون الاكتئاب شعوراً كبيراً بالراحة، ويسهم أسلوب سيلفيا بلاث السردي الرشيق في سهولة قراءة هذه الرواية، حتى إن القارئ ليجد أكثر المقاطع المزعجة في الرواية تشع بمعاني الإنسانية وحماس إستر الشبابي. تذكّر هذه الحقيقة عندما تظن أنك لن تعود إنساناً “طبيعياً” أبداً مرة أخرى، فضلاً عن الشعور بالسعادة في حياتك مجدداً، حيث يعرف الآخرون كيف يميّزون قدرتك على خفة الروح، خاصة عندما تعتقد أنك غير قادر على ذلك.

قد يبدو لك من المُستغرَب أن تتعلَّم رؤية اكتئابك باعتباره أمراً يقع خارج حدودك الجسمانية، كما لو كان كلباً أسود ضخم الجثة كريه الرائحة، ولكنها قد تكون أيضاً طريقة مفيدة للتعرّف على حقيقة مرضك. وستساعدك رواية ريبيكا هنت الجريئة بعنوان “السيد تشارتويل” (MR Chartwell) خلال هذه العملية. إذ تقدم هنت من خلال روايتها “السيد تشارتويل” انعكاساً “للكلب الأسود” الذي وصفه رئيس الوزراء البريطاني الأسبق وينستون تشرشل، الاكتئاب الذي ظل يلازم الزعيم السياسي الموقر معظم حياته وانتقلت عدواه إلى المرأة التي كانت سكرتيرته ذات يوم، إستر هامرهانس.

لم يكن أحد يستطيع رؤية بلاك بات سوى ضحاياه فقط، علماً بأن اسمه كان يُطلق على الكلب أيضاً، وقد وصل إلى منزل إستر في الذكرى الثانية لانتحار زوجها، وكان من المفترض أنه يستجيب لإعلانها الذي أشارت فيه إلى أنها تبحث عن مستأجر لغرفة شاغرة لديها. وسرعان ما يستقر في المنزل، يقضم العظام خارج باب غرفة نومه، دون أن يحاول الانضمام إليها في الفراش. ربما بدا بعض سلوكيات بلاك بات مقززاً؛ ولكن وكما يدرك المصابون بالاكتئاب فقط، فإن لديه سحراً خاصاً يصعب مقاومته. وهكذا، تستقبله إستر بمزيج من اليأس والإعجاب.

وهي ليست أولى ضحاياه. فقد سبق له أن زار تشرشل من قبل، والأهم من كل ذلك أن إستر تشك في أنه قرر العيش في منزلها فعلياً، دون أن تلاحظ وجوده. وعندما تبدأ في فهم حقيقة مرض زوجها، ستنتهي تدريجياً علاقتها مع كلب الدرواس الضخم. هل تريد أن تعرف ما إذا كانت قد تمكنت من التغلب على اكتئابها؟ فلتقرأ الرواية!

وعندما أدركت إستر وسيدها القديم أنهما يستطيعان رؤية الكلب، لكنهما يخشيان التحدث عنه، وذلك لأن التابوهات المحيطة بهذا المرض العقلي قوية جداً، وكانت الرقة التي يحتال بها رجل الدولة المرموق للتخلُّص من وجود الكلب الأسود الكريه والتشجيع العاطفي الذي يغدقه على إستر التي يُزيّن لها “الاستمرار”، أمرين مؤثرين ومطمئِنَين للشابة كما للقارئ.

أفضل عشر روايات لرفع معنوياتك

  • “ذا برابانز” (The Brabans)، باتريك بيسون
  • “الولد العجوز” (Old boy)، برنارد شابوي
  • “حول العالم مع العمة مامي” (Around the World with Aunt Mame)، باتريك دنيس
  • “فطائر الطماطم الخضراء” (Green Tomato Fritters)، فاني فلاغ
  • “النساء العجائز” (The Old Women)، باسكال غوتييه
  • “عالية الدقة” (High Fidelity)، نيكولاس هورنبي
  • “جنية البندقية” (The Rifle Fairy)، دانيال بناك
  • “عودة المؤلف” (The Return of the Author)، فينسنت رافاليك
  • “الغزو الأخير للميجور بيتيغرو” (The Last Conquest by Major Pettigrew)، هيلين سيمنسون
  • “قلعة كاساندرا” (Cassandra’s Castle)، دودي سميث

المحتوى محمي !!