احذر هذه الشخصيات في العلاقات طويلة الأمد!

5 دقائق
الشخصيات المحيرة

على مدار حياتنا، نبني علاقات مع الآخرين كي ننعم فيها بالدفء والود والمحبة، ونحاول أن ننمو من خلالها ونشعر بارتباط ذواتنا مع الآخرين. كما نبحث من خلال هذه العلاقات على مَن نشاركه أفراحنا وأحزاننا وتفاصيل حياتنا.

لكن ليس كل ما يتمناه المرء يدركه، وقد نصطدم أحياناً بشخصيات تفتقر إلى أساسيات العلاقة الصحية والشعور بالتعاطف مع الطرف الآخر، بل وقد تحطّم ذاتنا شيئاً فشيئاً بصورة غير مباشرة، ويزداد الأمر سوءاً كلما امتدت تلك العلاقة لفترة أطول.

وبدلاً عن الشعور بالمودة، تغلبنا مشاعر سلبية نتيجة تصرفات الطرف الآخر، فتارة نشعر بالخذلان وتارة بالارتباك والحيرة وكذلك الحزن. فما هي أكثر أنواع الشخصيات المحيرة التي قد نقابلها في حياتنا؟

الشخصيات المحيرة في العلاقات

في مقاله حول أنماط الشخصيات المحيرة في العلاقات، يشير الطبيب النفساني والمؤلف وخبير العلاقات سيث مايرز (Seth Meyers) إلى ثلاثة أنماط من الشخصيات يربطها عاملان مشتركان يجعلا هذه الشخصيات صعبة الانخراط؛ وهما مقاومة تحمل المسؤولية الشخصية وافتقار التعاطف مع الطرف الآخر. لذلك يجب على الطرف الآخر أن يكون صادقاً بشأن المشكلات الواضحة في العلاقة وعدم التغاضي عنها.

كذلك، على الرغم من الوعي بوجود علاقات يمكن أن تكون صعبة، فإن أنواع الشخصيات المحيِّرة في العلاقات تمثل تحدياً كبيراً عند محاولة إصلاح العلاقة وخلق الانسجام.

وفي هذا السياق، يوضح مايرز -استناداً إلى 20 عاماً من الخبرة في تقديم المشورة للمرضى- ثلاث شخصيات تسبب توتر كبير في العلاقات، سواء كانت علاقات عاطفية أو اجتماعية أو في بيئة العمل. وأن سلوكيات هؤلاء الأفراد من كلمات أو إجراءات تجعل من حولهم يشعرون بالارتباك في المقام الأول مصحوباً بالإهمال والإحباط.

اقرأ أيضاً: 3 أنواع من اضطرابات الشخصية تعرف إليها

1. الشخصية الاجتنابية (Avoidant Personality)

يحاول هؤلاء الأفراد تجنُّب المشاعر القوية والألفة العاطفية بصرامة، لأن القرب من الآخرين والشعور بالود يُشعرهم بالتهديد. في حين يعاني بعض الأفراد من الاضطراب بكافة أعراضه، يعاني آخرون من درجة معينة منه، دون استيفاء جميع الأعراض.

ووفقاً لكليفلاند كلينيك (Cleveland Clinic)، يعد اضطراب الشخصية الاجتنابية أحد اضطرابات الشخصية التي تسبب المعاناة للفرد أو من حوله. ويعاني الأشخاص المصابون بهذا الاضطراب من شعور مزمن بعدم الملاءمة، ويكونوا حساسين للغاية تجاه أحكام الآخرين السلبية والنقد.

وعلى الرغم من رغبتهم في التفاعل مع الآخرين في بعض الأحيان، فإنهم يميلون إلى تجنب التفاعل الاجتماعي بسبب الخوف الشديد من أن يرفضهم الآخرون.

وبالإضافة إلى خوفهم من الإذلال والرفض، تشمل السمات المشتركة الأخرى للأشخاص المصابين باضطراب الشخصية الاجتنابية ما يلي:

  • لديهم عدد قليل من الأصدقاء المقربين، ويترددون في الانخراط مع الآخرين ما لم يكونوا متأكدين من أنهم محبوبون.
  • يعانون من القلق الشديد والخوف خلال تواجدهم في المواقف الاجتماعية؛ ما يؤدي بهم إلى تجنب الأنشطة أو الوظائف التي تتطلّب التواجد مع الآخرين.
  • يشعرون بالخجل الشديد في المواقف الاجتماعية بسبب الخوف من فعل شيء خاطئ أو الإحراج.
  • يميلون إلى المبالغة في المشاكل المحتملة.
  • يخافون من تجربة شيء جديد أو المجازفة.
  • لديهم صورة ذاتية سلبية ويرون أنهم أقل شأناً من الآخرين.

إن وجود علاقة عن قرب مع شخص ذي شخصية اجتنابية هو أمر محير لأن الشخص المتجنب يقاوم التواصل الواضح والمفتوح. فحين يشعر هذا الشخص بغضب أو حزن شديد، لا يعبّر عن ذلك أو حتى يعترف به عند سؤاله، وهذه وسائل لتجنب الصراع أو الشعور بالضعف الشديد – وفقاً لمايرز.

يؤثر ذلك سلباً على الطرف الآخر في العلاقة نتيجة شعوره بالتجاهل وعدم الاهتمام، وعادةً ما يستغرق الأمر سنوات عديدة في العلاقة لفهم أن الشخصية تعاني من اضطراب ما.

قد يلجأ الطرف الآخر في هذه العلاقة للأصدقاء للحديث حول عدم وجود اتصال جيد مع الشريك، أو استشارة معالج للتحقق من الواقع والمساعدة.

2. الشخصية النرجسية (Narcissistic Personality)

تمثّل النرجسية تحدياً كبيراً في العلاقات، ولا يزال هناك الكثير من البحث بشأن هذه الشخصية لتعدد جوانبها، وهي أيضاً تمثّل تحدياً للطرف الآخر في العلاقة لصعوبة فهم الشخص النرجسي وتوقع ردود أفعاله.

يشعر النرجسيون بتضخم الذات وشعور بالفوقية والتفوق على الآخرين، كما يظهرون انخفاضاً كبيراً في التعاطف مع الآخرين مثل الشخصية الاجتنابية – وفقاً لمايرز.

يسبب اضطراب الشخصية النرجسية مشاكل في العديد من مجالات الحياة، مثل العلاقات أو العمل أو المدرسة. وقد يشعر الأشخاص المصابون باضطراب الشخصية النرجسية بخيبة الأمل عموماً عندما لا يتم منحهم الامتيازات الخاصة، أو الإعجاب الذي يعتقدون أنهم يستحقونه، أو بقاءهم في علاقة غير مُرضية بالنسبة لهم – وفقاً لمايو كلينيك (Mayo Clinic).

بالإضافة إلى الشعور بالتفوّق على الآخرين، تُظهر الشخصية النرجسية ما يلي:

  • شعور بالاستحقاق ورغبة دائمة في تلقي إعجاباً مستمراً ومفرطاً.
  • مبالغة في الإنجازات والمواهب.
  • الانشغال بتخيلات النجاح أو القوة أو التألق أو الجمال أو الرفيق المثالي.
  • رغبة شديدة في جذب الانتباه واحتكار المحادثات والتقليل من شأن الأشخاص الذين يعتبرونهم أقل شأناً أو احتقارهم.
  • توقع معاملة خاصة ووجوب الامتثال التام لتوقعاتهم.
  • استخدام الآخرين لتلبية رغباتهم.
  • عدم القدرة أو عدم الرغبة في التعرف على احتياجات ومشاعر الآخرين.
  • الإصرار على الحصول على أفضل ما في كل شيء، مثل أفضل سيارة أو مكتب.

يشير مايرز في مقاله إلى أن إحدى أكثر الخصائص النرجسية إرباكاً هي أن المظهر الخارجي للنرجسيين وموقفهم مثل التبجح على الآخرين والرغبة في التحكم في كل شيء، يتعارض مع معتقداتهم الحقيقية ومشاعرهم التي تكمن تحتها، وهو شعور بالدونية.

على الرغم من أن آليات دفاعهم تمنعهم من الاعتراف بذلك للآخرين أو حتى أنفسهم، فإنهم غالباً ما يكون لديهم قلق عميق بشأن صورتهم الذاتية. إنهم يتنافسون مع الآخرين -خاصة أولئك الذين لديهم أي نوع من العلاقات معهم- على الاهتمام والشعور بالقبول والموافقة، ويشعرون بالضعف والخجل من فكرة وجود عيوب في شخصيتهم.

تلك الشخصية النرجسية تجعل العلاقة مع الطرف الآخر أمراً محيّراً بشدة، لأن ما يقوله الشخص النرجسي لا يعبِّر عما يشعر به داخلياً. في حين يتمتع الفرد السوي نفسياً بالوعي الذاتي ويكون قادراً على التعبير بشكل مباشر وواضح عما يفكر ويشعر به، يقول النرجسي ما يريد أن يسمعه الشخص الآخر، أو ما يخدم احتياجاته أو رغباته، أو ما يتوافق مع الصورة التي يريد تقديمها.

بعبارة أخرى، غالباً ما يتحدث النرجسي ويقول كلمات ليست انعكاساً حقيقياً لما يشعر أو يؤمن به ولكن ما يريد أن يشعر أو يؤمن به.

اقرأ أيضاً: كيف أتعامل مع مديري النرجسي؟

3. الشخصية السلبية العدوانية (Passive-aggressive Personality)

من الشخصيات الأخرى المسببة للارتباك والإحباط في العلاقات؛ هي الشخصية السلبية العدوانية. في حين يلجأ البعض للسيطرة المباشرة على زمام الأمور، يحاول الشخص العدواني السلبي السيطرة بطرق غير مباشرة أو لا يمكن التعرُّف عليها بسهولة.

تُعرِّف الجمعية الأميركية لعلم النفس (APA) العدوانية السلبية بأنها سلوك يبدو غير ضار أو عرضياً أو محايداً، ولكنه يظهر بشكل غير مباشر دافعاً عدوانياً غير ظاهر.

إذا كنت متلقياً للسلوك العدواني السلبي، فهذا مربك في البداية لأن تصرفات الفرد، من سلوكيات وتعبيرات الوجه، لا تتطابق بوضوح مع محتوى الكلمات المنطوقة. على سبيل المثال، عندما يكون هذا الشخص غاضباً بشدة ويُسأل عما يشعر به، يرد بصوت هادئ، "أنا بخير حقاً".

من الطرق التي يلجأ لها ذلك الشخص في التعاملات ما يلي:

  • منحك مجاملة تحمل نقداً، مثل "رأيتك تؤدي مهامك، لقد فوجئت".
  • رفض طلبك بشكل غير مباشر، فلا يقول لك "لا" صراحة، بل لا يفعل ما تطلبه منه، سواء بالمماطلة أو غيرها من الطرق.
  • اختلاق الأعذار بدلاً عن قول ما يدور في أذهانهم.
  • الاستجابة لطلباتك بسخرية.

ما يجعل العلاقة مع شخصية عدوانية سلبية مربكاً هو عدم معرفة سبب انزعاج الشخص السلبي العدواني الحقيقي في أي لحظة؛ ما يثير القلق والإحباط والغضب لدى الطرف الآخر. وفي كثير من الأحيان، يعرف المتلقي غريزياً أن العقوبة قادمة؛ ما يتسبب في إحساس عميق بعدم اليقين والخوف والقلق بشأن الشكل الذي قد تتخذه العقوبة؛ ما يُشعر الطرف الآخر في العلاقة وكأنه يسير على جسر قابل للانهيار في أي لحظة - وفقاً لمايرز.

إذا كانت العلاقة طويلة الأمد، يتراكم لدى المرتبطين بعلاقة وثيقة مع الشخصية العدوانية السلبية شعور بالاستياء تجاه هذا الشخص ويدركون مدى الظلم الذي تعرضوا له خلال هذه العلاقة. كذلك، غالباً ما يتوصلوا إلى أن الشخص العدواني السلبي يستمد الإشباع من محاولته إزعاجهم، وأنه يحب ذلك بالفعل؛ ما ينتج عنه عدم الثقة، وفي النهاية يبحثوا عن طرق للانفصال العاطفي عن هذا الشخص.

اقرأ أيضاً: كيف تكتشف الشخصية العدوانية السلبية؟

الشفاء من العلاقات المربكة

نظراً لأن هذه العلاقات تكون محيرة في كثير من الأوقات، ما يتطلب وقتاً طويلاً لإدراك حقيقة الأمر، قد ينشأ عنها مزيج من المشاعر السلبية. لذلك، يجب على الطرف الآخر أن يكون صادقاً مع نفسه ومدركاً للواقع بشأن وجود أشياء يصعب تغييرها في العلاقة وهي تعمل على استنزاف مشاعره في الوقت ذاته.

يتطلب ذلك الحديث مع أشخاص موثوق فيهم من الأصدقاء أو أفراد العائلة، واستشارة اختصاصي نفسي لفهم واقع الأمر ومعرفة الطرق الأمثل للتعامل مع الشريك. كذلك، تساعد القراءة حول أنواع واضطرابات الشخصية في زيادة الفهم العاطفي، وتكوين صورة أكثر نضجاً عن الشريك.

المحتوى محمي