كيف تكتشف الشخصية العدوانية السلبية؟

الشخصية العدوانية السلبية
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

أصبح وصف الشخصية العدوانية السلبية شائعاً، ونجده في كل مكان، دون أن نعرف حقاً ما الذي يعنيه. هل ينتمي العدوانيون السلبيون، لفئة المنحرفين؟ هل يمكننا العيش مع هذه الشخصيات المؤذية واليائسة؟

  • عصيان مقنع
  • عدم رضا مزمن [سخط مزمن]
  • صفات الشذوذ
  • كيف يمكنك حماية نفسك من الشخصية السلبية العدوانية

كثيراً ما نسمع اليوم في غرفة تبديل الملابس في النوادي الرياضية التي ترتادها مثل هذا الحوار: “في الحقيقة؛ كما ترى، لقد صادفتُ شخصاً عدوانياً سلبياً…”. وراء المنحرفين النرجسيين؛ لكن ليس بمسافة شاسعة، تم التعرف على فئة أخرى من قاهري الروابط الاجتماعية. غالباً ما تُستخدم هذه التسمية دون أن يملك الشخص الذي يتحدث بها، فكرةً دقيقةً عما تعنيه. لقد صاغ هذا المصطلح، طبيب نفسي بالجيش الأميركي خلال الحرب العالمية الثانية. وكان الكولونيل مينينجر قد لاحظ أن بعض الجنود يُظهرون رفضهم لتطبيق الأوامر دون التمرد علانيةً؛ من خلال التعبير عن ذلك النوع من الرفض “بملامح العبوس، والمماطلة، والنكد، والقيام بأعمالهم دون فعالية، وممارسة العرقلة السلبية”. بعد إدراج هذه التصرفات ضمن الاضطرابات الشخصية السلبية في مصنف DSM الشهير (الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات العقلية التي وضعتها الجمعية الأميركية للطب النفسي)، تم حذف السلبية العدوانية في عام 1994، عند نشر الإصدار الرابع، وسبب ذلك هو أن وصفها السريري بدا غير دقيق إلى حد بعيد من وجهة نظر المحررين.

حتى بعد حذفه من المسببات للأمراض النفسية، لم يختفِ المصطلح، وجرى تكييفه تدريجياً واستخدامه في مفردات الحياة اليومية. وعلى الرغم من عدم تصنيفه رسمياً؛ ما زال عددٌ كبيرٌ من علماء النفس والأطباء النفسيين يواصلون استخدامه، لأن العديد منهم يعتقدون أن هذه الشخصيات موجودة بالفعل، وقد تميل إلى تطوير نفسها. “في زمن فرويد، ساعدت الرغبات الجنسية المكبوتة على ظهور الهستيريا أو حالة الوسواس المزمن”، توّضح المحللة النفسية ماري جوسيه لاكروا؛ مؤلفة كتاب العيش والعمل مع الشخصيات الصعبة (Vivre et travailler avec les personnalités difficiles). “أما في عصرنا المتميز بالنرجسية المفرطة والهشاشة في الوقت نفسه، أصبحنا نسجل ارتفاعاً في حالات الانحراف والإدمان والاكتئاب؛ ولكن أيضاً ظهور الشخصيات الحدية (البين بين) والعدوانية السلبية”.

عصيان مقنع

في الكتاب المرجعي بعنوان “كيفية إدارة الشخصيات الصعبة” (Comment gérer les personnalités difficiles)، يميز الطبيبان النفسيان كريستوف أندريه وفرانسوا لورد، بين الشخصيات السلبية العدوانية والسلوكيات السلبية العدوانية. يوّضح الطبيبان في مقالهما أنه يسكننا جميعاً، قدر معين من القابلية لتبني هذا النوع من السلوك في سياقات معينة، أو في مراحل معينة من حياتنا، كما هو الحال في مرحلة المراهقة؛ لكنها لا تدوم. بالمقابل؛ لا تتخلى الشخصيات التي تعاني من هذا النوع من الاضطراب أبداً عن ميولها إلى العصيان المقنع. ويعملون باستمرار وبصورة عصبية على تطبيقها في جميع المجالات: المهنية، والرومانسية، الودية، والاجتماعية؛ ما يجعل مخالطتهم مثيرةً للإزعاج والنكد: “ونمط سلبيتهم عند اتخاذ القرار أو مواجهة صعوبات الحياة، يعقد العلاقات إلى حد كبير” مثلما تؤكد ماري جوزيه لاكروا. فهم ليسوا في وضع اكتئابي فحسب، أو في حالة من الانهيار الكئيب، على غرار بارتلبي؛ بطل هيرمان ملفيل الذي اعتاد الرد تلقائياً على مسؤوله في العمل “أفضل ألا أفعل”؛ ما أجبر صاحب العمل على الانتقال إلى مقر آخر للتخلص منه (في بارتلبي النساخ، إصدارات غاليمارد). يضاف إلى حالة الجمود لدى هذه الشخصية، عدوانية مبطنة مكبوتة يشعر بها محيطهم بشكل فطري؛ عدوانية تتحوّل في نهاية المطاف إلى وضع لا يُطاق.

تروي سلوى قصةً حول زميلة لها انضمت إلى فريق العمل، وتصف مدى سعادة زملاء العمل بقدومها، خاصةً وأنها كانت تبدو لطيفةً، دافئةً، متواضعةً، حسنة النية. كانت قد وُظفت لتولي الخدمات اللوجستية: جدولة الاجتماعات، وتوزيع البريد، وتحديد المواعيد… في البداية؛ سارت الأمور على ما يرام، لكن بعد ذلك؛ بدأت الأمور تسوء بسرعة. وجهاً لوجه، كان جوابها دائماً “نعم” للتعليمات التي توّجه لها؛ لكن بمجرد أن يدير محاورها ظهره، تبدي حالةً من التذمر والاستياء (ترفع أعينها تجاه السماء). بدأ البريد يتأخر في الوصول إلى أصحابه عدة أيام. كانت تتظاهر بتحديد المواعيد، وتُماطل كلما طُلب منها شيء ما، وتشتكي من كل شيء، وتنتقد رؤساء العمل بخبث وراء ظهورهم. جرت محاولات عديدة لمحاورتها وتهدئتها لكن بدون جدوى، وتم فصلها من العمل في النهاية، فوظفت محامياً، وحاولت تصوير نفسها كضحية مظلومة، وطلبت من الكثير من زملائها في العمل الإدلاء بشهادات زور؛ وهو ما رفضه الجميع. انتهت فترة عملها بشكل مروع؛ إذ بكت بكاءً مراً، واتهمت الجميع بالجبن، وقد أسرّت إلى زميلتها سمر بأن اللعنة تلاحقها، وأن حياتها كلها كانت “بائسةً” بفعل “الأوغاد”، وأن أحداً لم يدافع عنها قط ضد الظلم الذي عانت منه طول حياتها. شعرت سمر؛ والتي تعمل محاسبةً في شركة تنتج الأعمال الفنية الاستعراضية، بالذنب، وكانت في حيرة من أمرها؛ لكنها عبرت في ختام شهادتها أنها شعرت بارتياح شديد لرؤية زميلتها تغادر الشركة -رغم أنه من المريع قول ذلك- بعد أن شعرت بعبثية المحاولة، واقتنعت بأنها مهما قالت أو فعلت، فلن يغير ذلك من الأمر شيئاً.

عدم رضا مزمن [سخط مزمن]

شيء منطقي! الشخصيات السلبية العدوانية تشعر بحالة مزمنة من عدم الرضا (السخط)؛ لا يرضيهم أي شيء، لأنهم لا يستطيعون تحديد رغباتهم. “إنهم في حالة لوم مستمر للآخر، ويبذلون جهدهم لإفشال المسارات البناءة بشكل منهجي، لأنهم لا يعرفون ما الذي يريدونه”، تحلل الطبيبة النفسية والمعالجة النفسية ستيفاني هاهوسو. ينقصهم النضج، وهم في حالة انتظار دائم، عاجزون عن إسعاد أنفسهم. عند مواجهتهم، لا يجب أبداً شخصنة الموقف، ولا يجب كذلك الشعور بالذنب تجاههم أبداً، ومن الضروري -مهما كان الثمن- تجنب الوقوع في الفخ الذي نصبوه؛ فخ عملية التثليث: الضحية- الجلاد- المنقذ. هذا التثليث الموصوف بالدرامي؛ الذي تصوّره عالم النفس الأميركي ستيفن كاربمان، هو عبارة عن شكل يُستخدم في تحليل المعاملات: ينطلق من مبدأ مفاده أنه إذا تبنى الفرد، في علاقة ما، أحد هذه الأدوار الثلاثة، فإن الشخص الذي يواجهه، سوف يجسد أحد الدورين الاثنين المتبقيين. الشيء المهم هو أن تدرك ذلك “حتى لا تقع في فخه”، كما توصي بذلك ستيفاني هاهوسو.

يَضع السلبيون العدوانيون أنفسهم عادةً في موضع الضحية؛ لكن يتقمصون أيضاً في بعض الأحيان، شخصية الجلاد؛ مثل تلك “المرأة الصغيرة” التي وصفها فرانس كافكا في قصته القصيرة التي تحمل الاسم نفسه (في قصة فنان الجوع [الصائم] وقصص قصيرة أخرى (Un jeûneur et autres nouvelles))، المرأة التي تتهجم باستمرار على الراوي: “هذه المرأة الصغيرة جد غاضبة مني، لديها دائماً ما تلومني عنه، وتعتقد أنها تعاني دائماً من بعض الأضرار أنا المسؤول عنها. […] لو كان بإمكان المرء تقسيم الحياة إلى جزيئات صغيرة والحكم على كل منها على حدة، فمن المؤكد أن كل جزء من حياتي سيشكل فضيحةً بالنسبة لها. […] ومن دون أن تنبس ببنت شفة، وفقط من خلال الإشارات الخارجية المعبرة عن معاناتها السرية، تنوي رفع القضية أمام محكمة الرأي العام” يُفَصل الكاتب ببراعة.

صفات الشذوذ

يُحب السلبيون العدوانيون الظهور في مظهر ضحايا الظلم، في صورة الشهيد، يرون أنفسهم على هذا النحو؛ لكنهم يتحوّلون في نفس الوقت إلى مضطهِدين لغيرهم من خلال اتهام الآخرين، والشكوى منهم، ومضايقتهم باللوم المبطن. “لا يستطيعون تحمّل المسؤولية عما يحدث لهم وعن إخفاقاتهم. غالباً ما يكدسون سيناريوهات قوية جداً، تنم عن فشل مازوشي (مازوخي)” وفق تحليل ماري جوزيه لاكروا. الشذوذ ليس بعيداً عنهم، لأنهم يستطيعون التلذذ بالمعاناة التي يلحقونها بأنفسهم، وانطلاقاً من تمركزهم التام حول أنفسهم؛ يطلقون أحياناً العنان لعدوانيتهم ​​المكبوتة في لحظات تبدو غير مناسبة؛ لكنها تشكل بالنسبة إليهم مصدر توّتر لا يمكنهم امتصاصه، لذا يتبنون مواقفَ صبيانيةً، ويمكنهم في هذه الحالة الشروع فجأةً في الصراخ، دون شيء يبرر ذلك، والظهور بمظهر غير مكترث على الإطلاق بالضرر الذي يسببونه من حولهم.

في الواقع؛ سلبيتهم وجمودهم الظاهريان يخفيان عدوانيةً مكبوتةَ تنفجر أحياناً بشكل لا يمكن السيطرة عليها. “غالباً ما ينبثق هذا الموقف من التاريخ الشخصي الذي عزز لديهم -في مرحلة الطفولة- حالةً من التبعية والاعتماد على شخصية ذات سلطة، لا تعرف المرونة (جامدة). وبذلك ترسخ فيهم، شكل من أشكال المازوخية في فترة من حياتهم، لم يكن فيها الطفل قادراً على التعبير عن احتياجاته، والحصول على استقلاليته عن غيره، وعاجزاً عن اكتشاف من يكون، لأنه وجد نفسه في مواجهة والد ميال للمثالية، وقاهر…” مثلما تفكك ماري جوسيه لاكروا شفرة هذه الشخصية. الشخصيات السلبية العدوانية تفتقد -حسب رأيها- إلى “الحاوية النفسية”. تتشكل هذه الحاوية منذ الطفولة المبكرة جداً من خلال كلمات الأم الدافئة، عندما يبكي الطفل على سبيل المثال. تقوم الأم بكلماتها بتهدئة الطفل الذي يعتقد أنه سيموت جوعاً، وهي بذلك تساعده على احتواء دوافعه المدمرة، وخوفه من الموت، وتهدئه، وتتيح له الفرصة ليبني نفسه، ويسيطر على المشاعر التي تغمره.

“إنها بذلك تمده بنوع من الغلاف الذي يحميه من بيئة خارجية، قد تكون عدائيةً ومثيرةً للقلق. هذه الحاوية التي تسمح للأطفال بتنظيم أنفسهم، يُحرم منها البعض؛ إذ يكون غلافهم أشبه بالغلاف المثقوب” تواصل المحللة النفسية. وهذا هو حال الشخصية السلبية العدوانية بالضبط؛ والتي في أعماقها، لا تتوّقف عن الصراخ بصمت، رغبةً في أن يُسمع صوتها، ويُعترف بحقها في الوجود دون أن يتم خنقها. إنها مطالب لم تلبَّ قط، لأن هذه الشخصية المضطربة لا تعرف ما الذي تريده.

كيف يمكنك حماية نفسك من الشخصية السلبية العدوانية

في العمل

ما عليك فعله: “في العلاقات المهنية، من المستحيل تحمّل رئيس سلبي عدواني إلا إذا كُنتَ في غنىً عن أي دعم إيجابي؛ لكن كلنا نحتاج إلى حد أدنى من التقدير. إذا كانت الأهداف غير واضحة، وإذا كان مسؤولك -مهما فعلت- لا يرضى عنك أبداً، فإن أفضل حل هو المغادرة، مثلما توصي الطبيبة والمعالج النفسية ستيفاني هاهوسو. أما إذا تعلق الأمر بزميل عمل فحسب، فعليك أن تواصل التركيز على نفسك، ولا تترك عدم رضا الآخر عنك، يُلوّث محيطك الحيوي”.

ما لا يجب فعله: “لا تنجر إلى عملية التثليث. لا تحاول إنقاذه، ولا تهاجمه عندما يبدو متذمراً، ولا تتصرف كأنك ضحية لأنه في كل الأحوال، لن يرضى أبداً، ولن يقدم أبداً تقييماً إيجابياً، كل ذلك لن يجدي نفعاً؛ بل ستُعرِض نفسك لخطر الدخول في دوامة جهنمية”.

في الحياة الخاصة

ما عليك فعله: أن تُطمئِنه. الشخص السلبي العدواني يعاني من نقص الثقة بالنفس. اطلبْ رأيه حتى لا يشعر أنه ضحية تسلطك. شجِعْه على التعبير عن نفسه بحرية لتجنب اجتراره الأفكار سراً، بعيداً عن الأنظار.

ما لا يجب فعله: “لا تدع نفسك تقع في وضع الضحية من قِبل هذا الشخص الذي يعتقد أنه مخوّل لصب جام غضبه وإحباطه في وجه الآخرين. اشترط الاحترام: يمكنك بالتالي احتواء الآثار المدمرة المحتملة لعدوانيته” تنصحُ المحللة النفسية ماري جوسيه لاكروا. لا تتظاهر أنك لا ترى شيئاً، فمن شأن هذا التجاهل الظاهري أن يزيد من غضبه أضعافاً مضاعفةً. لا تنهره كما يفعل أحد الوالدين إزاء أبنائهم، فمثل هذا التصرف هو الذي يطلق العنان لسلوكه.

المحتوى محمي !!