3 أنواع من اضطرابات الشخصية تعرف إليها

الشخصية المرضية
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

على الرغم من أنهم ليسوا مجانين فهم يبدون كذلك في بعض الأحيان بسبب بعض السمات المرضية التي تميز شخصياتهم وتزعج المحيطين بهم، فمن هؤلاء الذين نتحدث عنهم؟ في الحقيقة قد تظهر سمات الشخصية المرضية لدى أي من المحيطين بك، كالزوج، أو زميل الدراسة، وقد تظهر لديك أيضاً! نتعرف معاً في السطور التالية إلى 3 من أبرز اضطرابات الشخصية.

بالنسبة للمعالجين النفسين فإنه ليس هناك ما يسمى “الشخصية الطبيعية”، ويوضح الطبيب النفسي في مستشفى سانت آن في باريس بفرنسا كريستيان سبادون ذلك قائلاً: “تتكون الشخصية الطبيعية من سمات متعددة موجودة في الوقت ذاته في الشخصية المرضية”، ويتابع: “لنأخذ مثلاً عدم الثقة بالآخرين وهو إحدى سمات الشخصية المنتشرة على نطاق واسع، فنحن جميعاً نخشى بدرجات متفاوتة أن نتعرض إلى الخداع؛ إذ نعلم أنه قد لا تكون نية الجميع تجاهنا سليمةً بالضرورة ولكن عندما يقتنع المرء بأن كل من حوله هم أعداء يتربصون به فإن ذلك يعني تحوّل عدم ثقته بالآخرين إلى اضطراب في شخصيته وهو ما يسمى في هذه الحالة باضطراب الشخصية الارتيابية”.

إن الشعور بهذه المشاعر السلبية بصورة مستمرة ومنهجية هو ما يميز أصحاب الشخصيات المرضية التي تتعدد أنماطها، وتُعتبر الشخصية الوسواسية والهستيرية والارتيابية هي الأكثر شيوعاً بينها، فلا بد من وجود شخص ما في محيطك مصاب بأحد هذه الاضطرابات، وقد تكون أنت بحد ذاتك هذا الشخص! والسؤال هنا هو ما الأسباب الكامنة وراء سلوكيات الشخصية المرضية وكيف يمكن التعامل معها؟

اضطراب الشخصية الارتيابية

تقول سوزان عن زوجها :”لا يمكنني التفاهم معه وكنت أعتقد في البداية أن مصدر غيرته الشديدة هو حبه لي ثم سرعان ما اكتشفت أنه شخص كثير الشك بطبيعته حتى أن طبعه المرتاب قد أدى في أحد الأيام إلى طرده من العمل”.

كيف يفسر علم النفس اضطراب الشخصية الارتيابية؟

أهم ميزات الشخصية الارتيابية: الشك وهوس الاضطهاد، الغيرة المرضية، الميل إلى الانتقام من الآخرين، الشعور بالإهانة من لا شيء، التصلب الفكري وجنون العظمة. ورغم محاولتنا المستمرة في ما سبق للعثور على منشأ وراثي لهذه السمات، فإننا نستنتد في تفسيرها اليوم إلى علم النفس، وعليه فإن اضطراب الشخصية الارتيابية قد يرجع إلى العلاقة السيئة مع الأم خلال المراحل المبكرة من الطفولة ومع عدم قدرة الطفل على إنشاء رابطة صحية معها فإنه يجد نفسه منزعجاً من سلطتها وغير قادر على الوثوق بها، وفي المراحل التالية من حياته يمتد شعوره بعدم الثقة ليشمل جميع الناس ويصبح العالم بالنسبة له مكاناً للصوص والكاذبين والكائنات التي لا تستحق العيش، وتستحوذ عليه الرغبة في القضاء على هذا “الظلم” مقتنعاً بأن دوره يتمثل في إحلال العدل. ونشير هنا إلى أن العديد من العسكريين ذوي الرتب الرفيعة عبر التاريخ كانوا مصابين بجنون العظمة مثل ستالين وهتلر.

اضطراب الشخصية الهستيرية

تتحدث منى عن زميلتها في العمل قائلةً: “إن فدوى امرأة فظيعة بحق فهي تتبرج بصورة مبالغ فيها وترتدي ثياباً غير مناسبة للعمل وتتجول بغنج مبتذل بين المكاتب ثم تتظاهر بالدهشة عندما يحدق إليها الرجال أو يلمّحون تلميحات خبيثة. إنها تتصرف بطريقة مصطنعة حتى خلال مناقشة العمل مع رئيس القسم وكأنها تؤدي دوراً في فيلم أو عرض تلفزيوني، فتتسم سلوكياتها وردود أفعالها وتعبيرها عن الكره أو الحب بالمبالغة عموماً بما في ذلك ضحكتها المجلجلة. وأذكر في أحد الأيام أن خلافاً نشب بينها وبين أحد زملائنا في العمل وبدلاً عن مواجهة الأمر ومحاولة التعامل معه كانت تتأوه كالأطفال وتقول له: “أنت لا تحبني صحيح؟” “هل أنت غاضب مني؟”. إنها تحاول باستمرار الاستحواذ على اهتمام من حولها عبر سرد مشكلاتها الرومانسية، وعلى ما يبدو فإنها متعلقة بشخص ما يجعل منها محط سخريته وهو أمر غريب جداً بالنسبة لفتاة تعلن مراراً وتكراراً أن كل الرجال يتمنون الفوز بحبها، ومما يثير دهشتي أيضاً شكواها المستمرة من الصداع وآلام المعدة. لكن على الرغم من كل ذلك فلا يمكنني أن أنكر صفاتها الإيجابية وخاصةً ذكاءها وسرعة استيعابها وتعاطفها بإخلاص مع أي شخص يمر بأزمة ما”.

كيف يفسر علم النفس اضطراب الشخصية الارتيابية؟

إن أهم ما يميز الشخصية الهستيرية هو الحاجة إلى جذب الآخرين والتباهي بالمفاتن وإغواء الجنس الآخر وإضفاء الطابع المسرحي على العواطف، والقدرة الكبيرة على التواصل والتعاطف، والميل إلى التعبير جسدياً عن الحالة النفسية. يتميز الشخص المصاب بهذا الاضطراب برغبة داخلية قوية في الحصول على حب الآخرين واهتمامهم بصورة مستمرة، ويمكن تشبيهه بالطفل الذي يخشى حرمانه من الحليب المغذي والتخلي عنه. نحمل جميعاً في داخلنا قدراً من الهستيريا وهي التي تدفعنا لإنشاء علاقات مع الآخرين وتجعلنا نتبادل الحب معهم لكن هذه الهستيريا تصبح مرضيةً عندما يفشل المرء في تجاوز “تعلقه الأوديبي بالأب” ذلك أن اضطراب الشخصية الهستيرية يرتبط بالنساء أو الجزء الأنثوي من الرجل بصورة خاصة؛ إذ ثمة مرحلة من التطور الطبيعي للطفل الصغير يحاول فيها إغواء والده، تماماً كما تفعل الطفلة.

ويحاول المصاب باضطراب الشخصية الهستيرية تجاوز هذه المرحلة من خلال السعي بشتى الطرق ودون وعي منه إلى تحقيق طموحه الخيالي الأساسي وهو إخضاع والده؛ الأمر الذي سيكون محكوماً بالفشل ما يقوده إلى الشعور بالسخط والشكوى بصورة مستمرة إضافةً إلى تعرضه لنوبات اكتئابية. وليتأكد من أن صوته مسموع يعبر الشخص الهستيري عن عواطفه بصخب على الرغم من أنه يكبت تلك العواطف التي تزعجه في اللاوعي ما يؤدي إلى شعوره بالصداع أو آلام المعدة. ومن جهة أخرى؛ غالباً ما يتميز المصاب بهذا الاضطراب بالنشاط والذكاء والحس الفكاهي.

اضطراب الشخصية الوسواسية

تتحدث لبنى عن زوجها السابق قائلةً: “كان أحمد لا يغادر المنزل دون التأكد لـ 3 مرات على الأقل من إقفال الباب، ويرفض الخروج مساءً ويرى أنني مسرفة جداً. كان روتينه المسائي يتضمن مشاهدة الأخبار التلفزيونية عند الساعة 8 مساءً ثم تناول عشائه عند الساعة 8:30 وعند الساعة 11:30 ليلاً إطفاء أنوار المنزل والذهاب إلى الفراش وإذا حدث أن خرجنا -بمعجزة- لتناول العشاء فقد كان يتعامل مع عاملي المطعم بعجرفة ويستغرق ساعةً من الوقت لاختيار طبقه، كما كان أحمد لا يخفي عجرفته هذه حتى عند التعامل مع أصدقائي ويعبر عن ازدرائه “لجهلهم”. إضافةً إلى كل ذلك فقد كان يلومني باستمرار على تعاطفي الزائد وينظر إلى الآخرين نظرةً فوقيةً لا تنطوي على أي محبة، فكيف يمكنني أن أحب وحشاً كهذا؟

كيف يفسر علم النفس اضطراب الشخصية الارتيابية؟

أبرز سمات الشخصية الوسواسية هي: التصلب الفكري، الهوس بالتفاصيل، البخل، فتور المشاعر، التمسك بعادات معينة والخوف من الاختيار واتخاذ القرارات. يتطور اضطراب الشخصية الوسواسية في مرحلة مبكرة من الطفولة عند البدء بتعلم استخدام المرحاض؛ إذ يرفض الطفل المهيأ لهذا الاضطراب استخدامه عندما تضعه أمه عليه وهو تعبير عن رغبته بالتحكم في الموقف؛ أي التبول حيثما يريد ووقتما يريد. وتشير سمات كالبخل العاطفي والمادي والاهتمام بالتفاصيل وضيقه عندما يضطر إلى الاختيار إلى خوف المصاب باضطراب الشخصية الوسواسية من منح المال أو الحب أو القليل من أي شيء، كما أن رغبته في السعي نحو الكمال تخفي خلفها خوفه الكبير من الوقوع في الخطأ. ويرتبط هذا النمط من اضطراب الشخصية بالرجل بصورة خاصة؛ إذ يُعتبر دلالةً على عدم قدرته على الانفصال عن أمه في مرحلة الطفولة.

أخيراً يقول كريستيان سبادون: “لا نعي الحالة العقلية المرتبطة بهذه الاضطرابات الثلاثة، إنما كل ما نعرفه هو عبارة عن فرضيات حول ظروف العلاقة المضطربة مع الأم أو الأب أو كليهما في مرحلة الطفولة. على سبيل المثال كانت الأم مكتئبة أو غير مبالية ولم تقدم الحب الكافي للطفل، ولم يكن الأب حاضراً في حياته بما فيه الكفاية أو كان يسيء معاملته ويبقى الأمر من منظور الصحة العقلية مبهماً للغاية حيث لم تُكتشف بعد “علاجات” قادرة على رأب الجراح النفسية أو الوقاية منها.

اضطرابات الشخصية وإمكانية التغيير

هل يمكن للمصابين بهذه الاضطرابات أن يتغيروا إلى الأفضل؟

يعتمد هذا الأمر عليهم وعلى المحيطين بهم، ذلك أنه من الضروري فهم الهشاشة الداخلية التي تؤدي إلى سلوكياتهم هذه وعدم محاولة فرض التغيير عليهم لأن ذلك سيحفز دفاعاتهم النفسية ويفاقم هذه السلوكيات.

لذا يجب مساعدة المصابين باضطراب الشخصية على فهم سوء تصرفهم دون أن نلقي محاضرات على مسامعهم أو نحاول أن نبدو كمعالجين نفسيين لهم؛ بل يمكننا أن نحاول وضع حدود لسلوكياتهم عبر تذكيرهم بأنها تُمثل تعدياً على مساحتنا الشخصية والتعبير عن حاجاتنا دون عدوانية ما قد يؤدي إلى نمو رغبتهم في تغيير أنفسهم، لكن من المهم أن نتحلى بالصبر ونعي أنه حتى لو تمكنا من ذلك فإن الأمر لن يكون مثالياً تماماً لأنه لا يمكن تغيير أساس الشخصية بصورة جذرية.

اضطراب الشخصية الفصامية

اضطراب الشخصية الفصامية

يُعتبر اضطراب الشخصية الفصامية (ٍSchizoid Personality) أقل شيوعاً من الاضطرابات الثلاثة السابقة وتعني كلمة (Schizo) باليونانية الانفصال أو الانشقاق. ومن الضروري عدم الخلط بين اضطراب الشخصية الفصامية الذي يتميز بانفصال المصاب به عن مشاعره، ومرض انفصام الشخصية الذي ينطوي على انفصال المريض عن الواقع. يؤدي اضطراب الشخصية الفصامية إلى صعوبة في التواصل مع الآخرين وعدم الثقة بهم والميل إلى العزلة الشديدة، فكلما قلص الشخص المصاب به اتصاله الجسدي مع العالم من حوله شعر براحة أكبر، وتمثل شبكة الإنترنت لهذا السبب ملاذاً له في عزلته هذه حيث يتمكن من خلالها من التعبير عن أفكاره، ومن الجدير بالاهتمام قدرة المصاب باضطراب الشخصية الفصامية على التواصل مع أصدقائه المحدودين جداً بأسلوب بليغ ونبرة إعلامية ومحايدة عاطفياً. خلال مرحلة الطفولة يجد الفرد ذو الشخصية الفصامية صعوبةً في الارتباط بأمه؛ إذ لا يثق بها ويعتبرها مصدر قلق بالنسبة إليه، وفي مرحلة لاحقة من حياته يصدر حكمه هذا على جميع الناس ويعتزلهم متخذاً من خياله ملاذاً له.

المحتوى محمي !!