ماذا تفعل إذا باغتتك الرغبة في البكاء وأنت على مكتبك؟

4 دقيقة
الرغبة في البكاء
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: عبد الله بليد)

هل شعرت يوماً أنك على وشك البكاء في منتصف يوم العمل؟ تلك اللحظة الصعبة التي تأتي بعد اجتماع عصيب مع مديرك في العمل، أو بعد تلقي بريد إلكتروني يحمل الكثير من الانتقادات والملاحظات السلبية حول أدائك في العمل، أو ربما مجرد يوم تشعر فيه بضغط هائل جراء اقتراب المواعيد النهائية، الحقيقة أن هذه اللحظة وإن كانت تبدو محرجة فإنها سبق وواجهت العديد من الأشخاص، فجميعنا نواجه مواقف تظهر خلالها هشاشتنا البشرية وتكشف عن نفسها، لكن ماذا تفعل حين تداهمك الرغبة في البكاء وأنت في العمل؟ إليك الإجابة من خلال هذا المقال.

ماذا تفعل عندما تداهمك الرغبة في البكاء وأنت في العمل؟

الرغبة في البكاء أمر طبيعي للغاية، لكن في مكان العمل، قد يبدو البكاء مفاجئاً وغير مألوف، ما يجعلك تحس بعدم الارتياح، ولهذا حين تداهمك هذه الرغبة، جرب اتباع النصائح والإرشادات التالية:

1. انتبه لإشارات جسدك 

البكاء عادة ما يكون رد فعل عاطفياً للتوتر، فحين يدخل جسمك إلى وضعية القتال أو الهروب أو التجمد، ويفرز هرمونات التوتر مثل الكورتيزول والأدرينالين، وقتها يعد البكاء هو طريقة جسمك في محاولة استعادة توازنه الداخلي، ولهذا حين يبدأ لديك الشعور بالتوتر الشديد، حاول التحكم في تنفسك حتى تستعيد حالة الهدوء، يمكنك على سبيل المثال، تجربة تقنية "تنفس الصندوق"، تتضمن هذه الطريقة الشهيق 4 عدات، ثم حبس النفس 4 عدات، ثم الزفير 4 عدات. كرر هذه الطريقة ثلاث مرات.

2. افصل نفسك عن الموقف 

ابتعد عن أجواء العمل واخرج من المكتب مدة 5 دقائق من أجل أن تجمع شتات أفكارك، إذا كنت في مكالمة فيديو، فاخرج، وانهض من كرسيك، وانتقل إلى مكان آخر، تغيير المشهد ينشئ مسافة بينك وبين ردود فعلك، وعلى الرغم من أن هذه الطريقة قديمة فإنها فعالة.

3. غير نطاق تركيزك 

في اللحظة التي تسبق تدفق الدموع مباشرة، غالباً ما يكون تركيزك داخلياً بالكامل؛ حيث تكون عالقاً داخل أفكارك ومشاعرك الداخلية، والحقيقة أن الاشتباك مع الأفكار والمشاعر لا يعد طريقة مثالية للتعامل مع البكاء، لهذا شتت انتباهك عن الداخل، وغير نطاق تركيزك؛ على سبيل المثال، فكر في أسعد لحظة بحياتك، أو تخيل الشخص الذي أمامك يرتدي قبعة غريبة.

اقرأ أيضاً: لماذا يبكي البعض عند التعرض إلى ضغوط بسيطة؟ وكيف يتخلص من هذه المشكلة؟

4. أطلق العنان لمشاعرك

ماذا سيحدث لو لم تنتبه لعلامات جسدك، ولم تفلح تمارين التنفس أو الابتعاد عن أجواء العمل في تهدئة روعك، وقتها أطلق العنان لمشاعرك، وابحث عن مكان هادئ للبكاء؛ فأحياناً يكون التعبير عن هذه المشاعر ضرورياً، وأنت لست روبوتاً، سوف تحس بخيبة الأمل والحزن والإحباط، لهذا اذهب إلى الحمام أو اخرج بعيداً عن الآخرين، واسمح لمشاعرك بالخروج، لا تحكم على نفسك، ولا تحس بالخجل، ولا تبالغ في الاعتذار لزملائك. بعد أن تهدأ قليلاً، افعل شيئاً يعيدك إلى طبيعتك؛ على سبيل المثال، اغسل وجهك بالماء البارد، أو تناول كوباً من الماء البارد.

5. أعد صياغة الموقف بالكامل 

بعد أن تتمكن من الهدوء، تعامل مع مشاعرك بصفتها بيانات وحاول قراءتها، اسأل نفسك الأسئلة التالية:

  • هل أنا منهك من ضغط العمل والإرهاق؟
  • هل تجاوز أحدهم الحدود معي ولم أتمكن من الدفاع عن نفسي؟
  • هل أواجه يوماً عصيباً؟

حين تجد إجابات عن هذه الأسئلة، ستتعرف إلى مشاعرك، ومن ثم يمكنك التعامل معها، ووقتها ستدرك أن البكاء كان رسالة تود أن تخبرك شيئاً مهماً؛ مشاعر تحدث داخلك وعليك أن تنتبه إليها، وتحاول التعامل معها، ولهذا غير منظورك إلى البكاء وحاول أن تعرف ما وراءه.

6. ضع سياقاً لمشاعرك أمام الآخرين 

بعد أن تسمح لنفسك بالبكاء وتتعرف إلى سبب مشاعرك، حاول تجاوز الموقف وتقبله، وقد يكون من المفيد أن تطلع الآخرين على ما تشعر به خاصة إذا كنت قد بكيت أمامهم، لذا ضع سياقاً لمشاعرك؛ على سبيل المثال، أخبرهم بأنك عندما تكون منغمساً في العمل، قد تأخذ الإخفاقات والتحديات والملاحظات على محمل شخصي ومن ثم تسيطر عليك مشاعرك.

7. اطلب المساعدة 

إذا كنت تواجه وقتاً عصيباً في العمل أو تحس بالضغط النفسي والإرهاق، عليك أن تطلب المساعدة، على سبيل المثال، يمكنك أن تطلبها من مديرك أو زملائك في العمل، أو حتى من أصدقائك وأفراد عائلتك، وإذا كنت تحس بالقلق أو التوتر الشديد اطلب المساعدة المهنية من المختص النفسي.

ما هي الأسباب التي قد تدفعك إلى البكاء في العمل؟

كشف استطلاع للرأي أجراه تطبيق هيد سبيس للصحة النفسية خلال عام 2025 على أكثر من 2000 موظف أن 48% من الموظفين المشاركين في الاستطلاع بكوا بسبب العمل، أما بين العاملين عن بعد، فقد بلغت النسبة 70%، والحقيقة أن هناك الكثير من الأسباب التي يمكن أن تدفعك إلى البكاء في العمل، منها على سبيل المثال:

  1. التعرض للتنمر في العمل.
  2. عدم القدرة على تحقيق التوازن بين العمل والحياة الشخصية.
  3. العمل في وظيفة تتطلب الكثير من المجهود النفسي والعاطفي.
  4. ردود الفعل السلبية من المدراء.
  5. الخلافات المستمرة مع زملاء العمل.
  6. الشعور بالظلم.
  7. الإحساس بالإرهاق الشديد.
  8. تفاقم مشاعر التوتر والإحباط والاستياء.
  9. التغييرات الكبرى في مكان العمل.

اقرأ أيضاً: ماذا تفعل إذا كنت لا تستطيع البكاء على الرغم من رغبتك بذلك؟

هل البكاء في العمل علامة على الضعف وعدم المهنية؟

تؤثر الثقافة المجتمعية تأثيراً محورياً في سلوكيات الأفراد؛ على سبيل المثال، الثقافة العربية لا تسمح للرجال بالبكاء، على الجانب الآخر، يمكن أن يكون مسموحاً للنساء التعبير عن مشاعرهن بالبكاء ولكنهن يعانين من عواقب الصور النمطية السلبية، بما في ذلك اعتبارهن عاطفيات أو ضعيفات أو غير مهنيات.

وفي هذا السياق، يؤكد استشاري الطب النفسي، محمد اليوسف، أن الشخص الذي يبكي غالباً ما يوصم ويتعرض للسخرية، ولهذا عادة ما نلجأ إلى التظاهر بالصلابة والتماسك، لكن كثرة التظاهر تضغط على الأعصاب وتؤدي إلى إجهاد نفسي وعصبي.

وعلى الرغم من أن الثقافة المجتمعية لا تفضل فكرة البكاء في العمل أو حتى خارج العمل خاصة بالنسبة للرجال، فإن التعبير عن المشاعر بالبكاء لا يعد بأي حال من الأحوال علامة على الضعف أو عدم المهنية، بل إنه مفيد لصحتك النفسية، وذلك لأنه يعد صمام أمان مهماً للغاية؛ وذلك لأن كبت المشاعر الصعبة داخلك أو ما يعرف باسم التكيف القمعي يسبب ضعف جهاز المناعة، وأمراض القلب والأوعية الدموية، وارتفاع ضغط الدم، بالإضافة إلى الإصابة باضطرابات الصحة النفسية، بما في ذلك التوتر والقلق والاكتئاب.

إلى جانب أن البكاء يساعد على خفض مستويات هرمونات التوتر، عن طريق التخلص الفعال من هرمون الكورتيزول، كما أنه يحفز إنتاج هرمونات تحسين المزاج مثل الأوكسيتوسين والاندورفين، علاوة على ذلك، فإن البكاء يحفز إنتاج المواد الأفيونية في الجسم والمعروفة بقدرتها على تهدئة الألم الجسدي والعاطفي.

اقرأ أيضاً: هل يخفف البكاء الضغط النفسي؟

ويمكن أن يؤدي البكاء إلى الحصول على دعم الآخرين؛ فحين ترى شخصاً يبكي غالباً ما ستتعامل مع الأمر بصفته نداء استغاثة غير لفظية لكنها واضحة، في هذه الحالة سوف تقدم الدعم والطمأنينة للشخص الآخر وتحاول التخفيف عنه، وهو الأمر الذي يعزز روابطك الاجتماعية العميقة مع الآخرين.

وعلى الرغم من أن البكاء مفيد لصحتك النفسية، فإن البكاء في العمل لا يبدو فكرة جيدة، ولهذا حاول أن تكون حذراً بشأن مكان البكاء وزمانه. على سبيل المثال، بكاؤك أمام زميلك في العمل قد يجعلك تحس بالإحراج، فيما يحس هو بعدم الارتياح خاصة إذا كان لا يعرف كيف يتعامل مع الموقف.

لهذا، فالبكاء في العمل، ليس علامة ضعف أو نقص في مهنيتك ما لم يتحول إلى نمط متكرر وثابت، إنه رد فعل إنساني تجاه بعض المشاعر التي تداهمك، وفي هذه الحالة، عليك تعلم تنظيم مشاعرك وإدارتها بفعالية.

المحتوى محمي