ملخص: الصحة النفسية حالة معقدة تختلف باختلاف الأشخاص وتتفاوت عبر درجات مختلفة من المرض والضيق إلى العافية والسعادة. وقد يصح القول إن الناس تخلط كثيراً ما بين الرفاهية النفسية والمرض النفسي، وقد يظنون أن وجود المرض النفسي يعني صحة نفسية سيئة أو أن المعاناة من تحديات نفسية يعني وجود مرض نفسي. في الواقع، قد يكون هذا الكلام مربك إلى حد ما؛ لذلك دعونا في هذا المقال نشرح ما نقصده تماماً.
محتويات المقال
جميعنا متعبون نفسياً! نقول هذا لأنفسنا كلما تذكرنا شخصاً حزيناً أو شخصاً يعاني مرضاً نفسياً، أو حتى كلما أردنا أن نبرر تصرفاً غير محمود أو رد فعل فعلناه! وفعلاً، قد يواجه الناس جميعهم خلال مرحلة ما من حيواتهم تحدياً يمس صحتهم النفسية، مثلما قد يواجهون تحدياً يمس الصحة الجسدية من وقت إلى آخر؛ لكن هل يعني هذا أنهم يواجهون مرضاً نفسياً؟ حسناً، حتى لا يختلط الأمر ما بين الرفاهية النفسية والمرض النفسي، دعونا نفرِّق ما بين الحالتين، ونسلط الضوء على معنى الصحة النفسية السويّة وكيفية الحفاظ عليها.
اقرأ أيضاً: ما الفرق بين الأمراض العقلية والنفسية؟
هل المتعب نفسياً هو شخص مريض نفسياً؟
بالطبع لا؛ فمثلما من الممكن أن يعاني الشخص توعكاً أو صداعاً بين حين وآخر دون أن يكون مصاباً بمرض خطير، فقد يعاني الشخص ضعفاً في الصحة النفسية، أو مشكلة تؤثر في حالته العاطفية أو النفسية أو الاجتماعية دون استيفاء معايير المرض النفسي.
في المقابل، يؤثِّر المرض النفسي، وهو حالة قابلة للتشخيص وفق معايير محددة، في طريقة تفكير الشخص أو شعوره أو مزاجه أو سلوكه؛ مثل الاكتئاب أو القلق أو الاضطراب ثنائي القطب أو الفصام؛ لكنك قد تختبر حالة مزاجية منخفضة دون التعايش مع الاكتئاب، أو قد تشعر بالقلق دون الإصابة بأحد اضطرابات القلق. وقد يحدث سوء الصحة النفسية بسبب ظروف مختلفة؛ مثل الإحتراق أو الإرهاق النفسي، أو التعب الجسدي، أو الظروف الصحية الجسدية، أو الحداد، أو التوتر.
باختصار، قد تواجه بين الحين والآخر تحديات نفسية تتعلق بمزاجك أو نومك أو شهيتك أو طاقتك أو قدرتك على أداء الأنشطة اليومية دون استيفاء معايير المرض النفسي. وفي حين أن الأمراض النفسية تتطلب علاجات محددة مثل العلاج النفسي والأدوية والتدخلات الأخرى لإدارة الحالة، فإن تحديات الصحة النفسية غالباً ما يمكن تحسينها من خلال تغيير نمط الحياة وإدارة التوتر والحصول على الدعم الاجتماعي وممارسة السلوكيات الصحية.
اقرأ أيضاً: كيف تفرّق بين القلق الطبيعي والقلق المرضي؟ مختصة نفسية تجيبك
6 مكونات رئيسية للسلامة النفسية
في الواقع، غياب المرض النفسي لا يعني بالضرورة التمتع بصحة نفسية جيدة، فالصحة النفسية الجيدة تعني كلاً من غياب المرض النفسي وتوافر الرفاهية النفسية (أو السلامة النفسية). تشمل السلامة النفسية جوانب مختلفة من الحالة النفسية للفرد؛ مثل السلامة العاطفية والمعرفية والاجتماعية. بكلمات أخرى، تتميز الرفاهية النفسية بالمشاعر الإيجابية والأفكار والسلوكيات الصحية، بالإضافة إلى المرونة، والقدرة على التأقلم، وتنظيم العواطف، والشعور بالإنجاز وقبول الذات، والقدرة على حل المشكلات على نحو صحي. يمكن القول إن للرفاهية النفسية 6 مكونات رئيسية؛ هي:
- تقبل الذات: معرفة الشخص لنفسه وقبولها، بما في ذلك الوعي بالقيود الشخصية. يقول المعالج النفسي أسامة الجامع إن من علامات الصحة النفسية الجيدة أن تتقبل أن أدائك ليس بالضرورة أن يكون أداءً ممتازاً، وأن مزاجك ليس بالضرورة أن يكون جيداً دائماً، فتقبلك لنقصك يقودك إلى جودة الأداء.
- الهدف في الحياة: يعني ذلك وجود أهداف ذات معنى في الحياة، والشعور أن للحياة مغزى وغرضاً.
- الاستقلالية: تظهر في قدرة الشخص على أن يعيش وفقاً لقناعاته الشخصية والتحرر من الضغوط الاجتماعية.
- النمو الشخصي: ويقصد به القدرة على التعلم وخوض التجارب الجديدة ومواجهة التحديات التي تؤدي إلى النمو، مع استفادة الشخص من مواهبه وإمكاناته الشخصية.
- إدارة البيئة المحيطة بإتقان: وتتحقق بنجاح الشخص في إدارة المواقف الحياتية التي تواجهه.
- العلاقات الاجتماعية الإيجابية: عن طريق إيجاد علاقات عميقة تتميز بالمودة المتبادلة والتعاطف والحميمية والثقة مع الأشخاص المقربين.
بالتالي ووفقاً لهذا المنظور، فإن الرفاهية النفسية تعني أكثر من مجرد الشعور بالرضا وإيجاد المتعة والسعادة في الحياة، على الرغم من أنها أمور مهمة، لكنها تشمل أيضاً أمور أخرى لا تقل أهمية عن ذلك؛ مثل الشعور بالهدف والمعنى وتحقيق الذات والنمو الشخصي والقدرة على النظر إلى المشكلات والمخاوف على نحو واقعي دون تجاهلها.
اقرأ أيضاً: ما الآثار السلبية لزيادة الوعي بالصحة النفسية؟
10 نصائح لتحافظ على صحتك النفسية
على الرغم من عدم وجود طريقة مؤكدة لمنع الإصابة بالمرض النفسي؛ إذ إن الأمراض النفسية تتطور نتيجة مجموعة من العوامل؛ مثل الوراثة، وكيمياء الدماغ، والعوامل البيئية، وتجارب الطفولة المبكرة وسمات الشخصية، والظروف الصحية الأخرى وغيرها، فإن تعلُّم مهارات معينة قد يقلل احتمالية الإصابة ببعض الأمراض؛ مثل تعلم مهارات التأقلم الفعالة في مرحلة الطفولة المبكرة.
في المقابل ولحسن الحظ، فإن الرفاهية النفسية جانب يمكن تعزيزه، وهو أمر مهم جداً؛ لأن التمتع برفاهية نفسية أفضل يعني أن تكون أكثر عرضة لعيش حياة أطول وأكثر صحة وأفضل نوعية، بالإضافة إلى ميل أكبر للانخراط في السلوكيات الصحية، وقدرة أعلى على التعامل مع التوتر، وقدرة أكبر على التأقلم مع النكسات أو تغيرات الحياة المفاجئة. عموماً، للحفاظ على السلامة النفسية وتعزيزها إليك ما يمكنك فعله:
- جد هدفاً ذا مغزى في الحياة: ليس بالضرورة أن يكون الهدف تغيير العالم نحو الأفضل أو إيجاد علاج للأمراض المزمنة أو غيرها؛ بل قد يكون الهدف فعالاً حتى لو كان أبسط من ذلك بكثير؛ مثل أن تكون لطيفاً كل يوم، أو أن تناصر الأطفال المشردين أو الذين يتعرضون للتنمر أو ضحايا سوء المعاملة، أو أن تنشر الوعي بخصوص قضية ما، أو تقوم بأعمال خيرية أو تطوعية، أو غير ذلك.
- تعلم استراتيجيات إدارة التوتر: مثل ممارسة اليقظة الذهنية والتأمل وتمارين التنفس العميق.
- عبًِر عن الامتنان: اعترف بالجوانب الجيدة في حياتك وقدرها باستمرار.
- حدِّد نقاط قوتك: فكّر في إنجازاتك السابقة ونقاط القوة في شخصيتك من أجل تعزيز الثقة والكفاءة، وركز على تحسين الذات مع تقدير صفاتك الحالية.
اقرأ أيضاً: متلازمة مونشهاوزن: هل يمكن لادعاء المرض أن يتحول إلى مرض خطير؟
- اُغفر: حرّر نفسك من آلام الماضي والشعور بالاستياء والسلبية من خلال الغفران والصفح، وتذكّر أن المسامحة لا تعني التغاضي عن السلوك المضر؛ وإنما تحرير نفسك من عبء الغضب.
- عزِّز علاقاتك: ابنِ علاقات عميقة من الآخرين، فجودة العلاقات أهم من تعددها، واحرص على أن تقضي وقتاً كافياً مع العائلة والأصدقاء.
- عزز صحتك الجسدية: اتبع نظاماً غذائياً صحياً ومتوازناً، واحرص على ممارسة الرياضة بانتظام، ونل قسطاً كافياً من النوم؛ لأن هذه الأمور ستساعدك على الشعور بالتحسن جسدياً ونفسياً، وخصوصاً في الأيام التي قد تشعر فيها بالإحباط.
- خُذ فترات من الراحة: تجنب الإرهاق عن طريق أخذ فترات راحة من العمل وإيجاد لحظات صغيرة للاسترخاء والتخلص من التوتر. وأيضاً، احرص على أن تقضي بعض الوقت في الطبيعة أو في ممارسة الأنشطة التي تجدها مفيدة وممتعة؛ مثل العمل التطوعي أو البستنة.
- فكِّر على نحو إيجابي: راقب نوعية الأفكار التي تراودك يومياً، ومن ثم ابذل جهداً واعياً لإعادة صياغة طريقة تفكيرك على نحو أكثر إيجابية، قد تساعدك اليقظة الذهنية في التعرف إلى أنماط تفكيرك.
لكن ينبغي التنويه هنا إلى أن التفكير الإيجابي لا يعني وضع توقعات عالية جداً أو الإصرار على الحفاظ على عقلية إيجابية بغض النظر عن مدى ازعاج الموقف أو خطورته أو ضرره. لأن هذا النوع من الإيجابية المفرطة، ما يُعرف بـ "الإيجابية السامة"، قد يسبب خيبة الأمل، ويعوق التواصل الحقيقي، ويجعل الناس يشعرون بمشاعر العار والذنب كما لو كانوا يكافحون من أجل الحفاظ على هذه النظرة الإيجابية المفرطة.
لذلك، قد يكون البديل الأفضل عن كلاً من النظرة التفاؤلية المفرطة الإيجابية والنظرة السلبية المتشائمة هو وجود نظرة إيجابية عامة تركز على توقعات واقعية موضوعية.
- اُطلب الاستشارة النفسية: قد يظن بعض الناس أن الاستشارة النفسية مخصصة فقط للأشخاص الذين يعانون مرضاً أو اضطراب نفسياً؛ لكنها في الواقع يمكن أن تفيد أي شخص تقريباً في تحسين صحته النفسية ورفاهيته. لذلك اطلب الاستشارة النفسية المتخصصة أنما شعرت أنك تواجه تحدياً نفسياً يفوق قدرتك على التعامل معه، أو أنه استمر وقتاً طويلاً، وتذكر أن ما يمكن اعتباره ضائقة نفسية طبيعية قد يتحول إلى مرض نفسي في بعض الأحيان إذا ترك دون علاج.
اقرأ أيضاً: تعرّف إلى أهم المعوقات التي قد تمنعك من الذهاب إلى الطبيب النفسي
وبالطبع، ليس من الضروري أن تطبق هذه الاستراتيجيات كلها دفعة واحدة، بل يمكنك أن تبدأ بخطوات بسيطة وذلك بأن تحاول انارس واحدة أو اثنتين منها، ومن ثم تزيدها مع مرور الوقت.
ختاماً، تنبغي الإشارة إلى أن التشخيص بمرض نفسي لا يعني أن الشخص يعاني نفسياً في الأوقات جميعها؛ إذ من الممكن أن يتمتع بصحة نفسية جيدة حتى مع التشخيص بمرض نفسي؛ وذلك لأن الأمراض النفسية مثل أي مشكلات صحية أخرى قد تكون عرَضية تحدث على شكل نوبات من اعتلال الصحة وأوقات أفضل، كما تكون في الأوقات معظمها قابلة للشفاء أو الإدارة عند الحصول على الدعم الصحيح والعلاج المناسب، ما يسمح للفرد بعيش حياة مُرضية.