كيف تؤثر طريقة تعاملك مع الرفض في صحتك النفسية؟

3 دقائق
الرفض الاجتماعي

هل تعرّضت للرفض من قبل؟ في الغالب ستكون الإجابة "نعم"، فلا تخلو الحياة من مواقف نتعرّض فيها للرفض الاجتماعي؛ حيث تلزمنا طبيعة حياتنا بالتعامل مع الآخرين، حتى ولو في نطاق ضيق؛ ما يضعنا في مواقف قد نتعرّض خلالها للرفض.
قد يتخذ الرفض الاجتماعي أشكالاً عدة، سواء عن طريق كلمات رفض مباشرة أو تعبيرات تحمل الرفض ضمنياً أو سلوكيات تستقصي الشخص من مجموعة ما.

وليس الرفض هو العامل الوحيد الذي يؤثر في الصحة النفسية؛ بل تؤدي شدة ذلك الرفض دوراً مهماً أيضاً، كما أشارت نتائج دراسة من جامعة "لوكسمبورغ" (University of Luxembourg) بحثت في تأثير شدة الرفض في الصحة النفسية وسلوك الأفراد في التفاعلات الاجتماعية.

أوضحت الدراسة وجود علاقة بين شدة الرفض ودرجة تأقلم الأفراد معه، فبينما حاول المشاركون في حالة الرفض متوسطة الشدة تعديل سلوكياتهم والسعي لزيادة وتحسين التواصل مع الآخرين، لم يتأقلم المشاركون الذين تعرضوا للرفض الشديد ويعدلوا سلوكهم، ولم يسعوا لتحسين التواصل.

فهم الخوف من الرفض

تقول الباحثة في علم النفس بجامعة "نيو ساوث ويلز" (University of New South Wales)، الدكتورة كيلسي زيمرمان (Kelsey Zimmermann)، إنه بينما يؤثر الرفض فينا جميعاً بشكل مختلف، تحدد كيفية استجابتنا للانتكاسات الناتجة عنه مدى تأثيره فينا. كما أن الطريقة التي نعالج بها ما حدث لنا يمكن أن تكون حاسمة في مساعدتنا على المضي قدماً بشكل إيجابي.

وتضيف زيمرمان أن الخوف من الرفض هو أمر فطري نحاول تجنّبه دائماً منذ الصغر، فنحن كائنات اجتماعية للغاية؛ ما يستلزم منا إظهار السلوكيات المؤيدة للمجتمع حتى ننتمي إلى مجموعة، وهذا أمر بالغ الأهمية لبقائنا عبر التاريخ.

كما يتسبّب ذلك الرفض الاجتماعي في تنشيط نفس مناطق الدماغ المرتبطة بمعالجة الألم الجسدي؛ ما يشير إلى شدة تأثيره.

ونحن نحاول تجنُّب الرفض الاجتماعي كما نتجنّب الاقتراب من الكائنات السامة -كالثعابين- ونبتعد عن أي شيء يبدو كريهاً للحفاظ على سلامتنا. ذلك ما يؤجج خوف البعض من التحدث علناً أكثر من الموت، فإمكانية تعثّرنا في كلماتنا أمر مخيف، يفوقه في الأهمية احتمال تعرّضنا للرفض وتجنّب أصدقائنا لنا.

كيف تشكّل تجاربنا السابقة الخوف من الرفض؟

توضح زيمرمان أن حالات الرفض السابقة التي نتعرّض لها منذ الطفولة تحدد كيفية تعاملنا مع الانتكاسات في المستقبل. على سبيل المثال؛ إذا واجه شخص ما رفضاً غير متوقَّعاً في علاقة عاطفية في وقت مبكر من حياته، فقد يتسبب ذلك في تطوير مشكلات الثقة لديه إذا لم يفهم سبب حدوث ذلك، ويمكن أن يؤثر في علاقاته المستقبلية.

ويمكن أن تكون بعض تجارب الرفض أكثر أهمية من غيرها، حيث تعد المراحل العمرية المبكرة أمراً حيوياً لتطوير عقولنا الاجتماعية. كما أن علاقاتنا مع والدينا لها تأثير كبير؛ ما يعني أن تجربة الرفض من أحد الوالدين تؤثّر بشكل عميق في كل علاقة شخصية في المستقبل، فهذه العلاقة هي الأكثر أهمية في حياتنا وتعلمنا كيفية تكوين جميع الروابط الصحية والاستقلال.

اقرأ أيضاً: كيف تتصرف بشكل ناضج وغير مؤذٍ تجاه الرفض العاطفي؟

4 خطوات أساسية للتعامل مع الخوف من الرفض

في حين أن الخوف من الرفض هو أمر طبيعي ومحتَمَل ما دمنا نتعامل مع الآخرين، يصبح اتّباع بعض الخطوات لتقليل أثر ذلك الرفض في صحتنا النفسية أكثر أهمية من محاولة تجنّبه التي لا تنجح في بعض الأحيان.

يبدأ التعامل الجيد مع الخوف من الرفض في إعادة تأطير الموقف، كما يمكن أن يكون الرفض في بعض الحالات فرصة للتعلُّم وتحسين الذات.

في هذا السياق؛ يقدّم اختصاصي علم النفس العصبي والمؤلف ثيو تسوسيدس (Theo Tsaousides)، بعض النصائح للتعامل مع الخوف من الرفض؛ وهي:

  1.  حدد حافز الخوف بدقة: كن على دراية بالمواقف أو الظروف التي تتجنبها لشعورك بالقلق تجاه الرفض. كذلك، يجب تحديد الأفكار والطلبات التي نتراجع عن مشاركتها مع الآخرين خوفاً من رفضهم لها، والخطوات التي تتجنبها نحو هدفك خشية أن تظهر في موقف ضعيف.
  2. حوّل التجنب إلى فعل: إذا كان الهدف لا يزال مهماً بالنسبة إليك؛ اتخذ خطوات نحو تحقيقه، حتى لو كان ذلك يزيد من خطر الرفض.
  3.  تذكّر أن الألم الناتج عن الرفض هو شعور طبيعي سيمر: مثل أي إحساس أو شعور مؤلم آخر؛ يمكن أن تتجاوز ألم الرفض. وفي حين لا يمكنك التحكم بشكل كامل في إمكانية قبول أو رفض أفكارك أو مقترحاتك أو طلباتك أو عروضك من قِبَل الآخرين، لأن الأمر بأيديهم، يمكننا التحكّم في شدة عواطفنا وتدريب أنفسنا لنصبح أقوى عاطفياً، فتنظيم العاطفة هو أحد الأركان الأساسية للذكاء العاطفي.
  4.  أعِد صياغة الرفض كفرصة لتحسين طرق التعامل مع الآخرين: من السهل إضفاء الطابع الشخصي على الرفض والتفكير فيه على أنه انعكاس لشخصك وما أنت قادر عليه؛ لكن الحقيقة أن هناك العديد من الأسباب لعدم قبول فكرتك أو عملك هذه المرة. قد يكون السبب هو التوقيت غير المناسب، أو أنك لم تقدّم أفضل ما لديك في هذه التجربة، إلخ، فهناك العديد من العوامل التي تتحكم في عملية القبول والرفض والأمر ليس شخصياً بحتاً.

اقرأ أيضاً: لماذا يجب أن تتعلّم كيف تقول "لا" للآخرين؟

بطبيعة الحال، لا يولّد الرفض بداخلنا شعوراً بالرضا؛ لكن اجترار الألم الناتج عنه وربطه بذواتنا دون تفكير موضوعي يجعل الأمر أكثر سوءاً، كما أنه لن يفيد؛ بل سيزيد مخاطر الخوف من الرفض وتجنُّب المشاركة.

إن الرفض الاجتماعي هو جزء لا يتجزأ من حياتنا؛ يمكننا أن نأخذ بعض الوقت للتفكير في التجربة التي مررنا بها، ونواصل حياتنا بعد إجراء بعض التغييرات التي تساعدنا في المواقف المستقبلية. إن التفكير في خيبة الأمل وحدها يزيد من صعوبة تجاوز التجربة؛ لكن التفكير فيها بشكل موضوعي وإعادة تأطيرها يجعل الأمر أكثر سهولة.

المحتوى محمي