لماذا يجب أن تتعلّم كيف تقول “لا” للآخرين؟

قول "لا"
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

على الرغم من أنه قد يصعب علينا قول كلمة “لا” للآخرين فيجب أن نعلم أن قبول كل ما يريدونه يعني إتاحة المجال أمامهم للتعدي على حدودنا الشخصية إلى درجة أننا قد ننسى رغباتنا في سبيل تلبية مطالبهم، وهنا تبرز أهمية أن تقول “لا”؛ ولكن كيف يمكنك تعلّم ذلك؟ نجيبك عن هذا السؤال من خلال السطور التالية.
قد تجد أن الكثير من الأشخاص الذين يطاردونك بطلباتهم، على سبيل المثال رئيسك في العمل أو صديقك أو حتى شريك حياتك، لم يسبق لهم تلبية أي مما طلبته منهم وفي بعض الأحيان يعبّرون لك عن رفضهم صراحةً بقول “لا”؛ تلك الكلمة التي تشير إلى رفض قاطع وحازم وغالباً ما نتجاهل أهميتها. وفي الحقيقة، وبخلاف التهذيب، فإن عجز المرء عن رفض رغبات الآخرين ينم عن نقص في قدرته على تأكيد ذاته.

لمَ يجب أن تتعلم كيف تقول “لا”؟

إن عدم قبول كل ما يُطلب منك يتيح لك العثور على مكانك بين الآخرين ويضمن احترامهم له، فعلى الرغم من أننا نعي الأمور التي تُعتبر مقبولةً أو مرفوضةً بالنسبة إلينا فإن الأمر متروك لنا لتوضيح حدودنا الشخصية، وإلا فإننا سنسمح لرغبات الآخرين بالتعدي على هذه الحدود ومن ثم سننسى أهدافنا الشخصية إلى درجة أننا قد لا نعود قادرين على معرفة من نحن وماذا نريد.

هل يصعب عليك قول “نعم”؟

هل يمكن أن يكون من الصعب أيضاً أن نقول “نعم”؟ وكيف ذلك؟ سواء كنا نتحدث عن الرفض أو القبول فإن الأمر يرتبط في كلتا الحالتين بقدرة المرء على تأكيد ذاته وذلك لأن عدم قدرته على الرفض يعني عدم قدرته على القبول بصدق أيضاً، فعندما نجهل ما لا نريده لن نتمكن من معرفة ما نريده. لذلك فقد يكون الرفض أسهل بالنسبة لبعض الأشخاص، لأن قبول تلبية طلبات الآخرين يرتبط أيضاً بتأكيد الذات لما يرتبه علينا ذلك من التزامات، فعندما أقول “نعم” لمن يطلب مني خدمةً أو مساعدةً يكون ذلك بهدف تعزيز علاقتي معه وإنشاء حالة من التعاون المتبادل بيننا. ولكن حتى إن كنا قادرين على التمييز بين الأمور المقبولة والمرفوضة بالنسبة إلينا فإننا نخشى التعبير عن رغبتنا الحقيقة للآخرين.

هل تتجنب قول “لا” خوفاً من الصدام؟

يُعتبر الخوف من الصدام مع الآخرين أحد أهم الأسباب التي تجعلنا نتجنب قول “لا” لهم. لكن هذا الخوف يخفي خلفه مخاوف أخرى؛ على سبيل المثال خوفك من نفوذ الآخر الذي يتجسد في عدم قدرتك على رفض طلبات رئيسك في العمل. أما في العلاقة الزوجية فأنت تخاف من إغضاب شريك حياتك وفقدان حبه، فتعطي الأولوية لرغباته وحدها حرصاً على إرضائه، لتجد أن هذه الرغبات تسيطر عليك إلى درجة أنها تمنعك من الاستماع إلى رغباتك الشخصية.

أخيراً ترتبط قدرة المرء على رفض طلب الآخر بقدرته على المجابهة والتعبير عن غضبه ومعارضته، وبناءً عليه نلاحظ ضعف قدرة النساء على الرفض بصورة خاصة وذلك بسبب الأساليب التربوية التي تعتبر أنه من غير المقبول أن تُعبر المرأة عن غضبها، ومن ثم فهي تكبح قدرتها على المجابهة وتعجز عن إدارة الأمور المرفوضة بالنسبة إليها؛ وهو ما يفسر معاناتها مع نقص القدرة على تأكيد الذات بصورة أكبر مقارنةً بالرجل.

هل ينطبق الأمر نفسه على جميع نواحي الحياة؟

هل نعاني من صعوبة في قول “لا” بالقدر ذاته في جميع مجالات الحياة (مهنية أو ودية أو عاطفية)؟

يعتمد ذلك على أصل المشكلة. على سبيل المثال فإن الأشخاص الذين تعرضوا للإيذاء في الطفولة، أو الذين رُسِّخت لديهم فكرة أنه عليهم دائماً تلبية طلبات الآخرين لإرضائهم وأن الرفض سيعرضهم إلى الخطر؛ يجدون أنفسهم عاجزين عن قول كلمة “لا”ويصبحون فريسةً سهلةً لطلبات الآخرين سواء كنا نتحدث عن صديق أو زميل عمل أو حتى شريك حياة.

لكن في معظم الأحيان نجد أن صعوبة رفض مطالب الآخرين تتجلى في جانب محدد من جوانب الحياة، ومن ثم فقد يتمكن الفرد من التعامل بحزم مع رئيسه أو زميله في العمل، بينما يبدي تسامحاً مفرطاً مع شريك حياته أو والديه. وتجدر الإشارة هنا إلى أنه كلما كانت الرابطة التي تجمعك بشخص ما أقوى ازدادت صعوبة تأكيد ذاتك عند التعامل معه.

هل يمكننا تعلّم قول “لا”؟

كلما ترسّخت سلوكيات معينة فينا بمرور الوقت أصبح تغييرها أصعب، لأن ذلك يتطلب منا التشكيك في اختياراتنا السابقة. وعلى الرغم من ذلك فإن الرغبة الحقيقة في التغيير والوعي التام بالمشكلة يجعلان من الممكن دائماً تعلّم كيفية تأكيد الذات خاصةً عندما نلجأ إلى تقنيات التنمية الشخصية.

هل يمكن أن تتغير حدود المقبول والمرفوض بالنسبة إلينا؟

إن معرفة كيفية تأكيد الذات هي استراتيجية ذهنية إما أن يكتسبها الفرد وإما لا؛ لكن التواصل مع الآخرين يشجعنا على تغيير الحدود التي تفصل بين المقبول والمرفوض بالنسبة إلينا بصورة مستمرة، وذلك تبعاً لتغيّر ظروفنا وأفكارنا والتزاماتنا، فمن الطبيعي أن تختلف قناعات المرء مع تقدمه في العمر. كما يجب ألا نتجاهل تأثير الحالة المزاجية، فعلى سبيل المثال نحن نصبح أكثر تسامحاً عندما نكون في مزاج جيد.

ومن جهة أخرى قد يشعر الشخص الذي يتصف بالحزم الشديد بالضعف في بعض المواقف المؤلمة التي تنطوي على فجيعة أو انفصال أو نزاع على سبيل المثال، لذا من المهم أن تستجوب نفسك مراراً وتكراراً وتتساءل عما تريده حقاً.

قُدم هذا المقال بالتعاون مع المعالجين النفسيين سارة فاميري ودومينيك فروم وكاثرين بيتيتكولين.

كيف تقول “لا” لشريك حياتك؟ عبّر عن رفضك ووضح أسبابه

قد ترغم المرأة نفسها في العلاقة الحميمة على قبول الكثير من الأمور التي لا ترغب فيها وتتظاهر بالرضا عنها بدلاً من أن تعبر لزوجها عن رفضها لها، وتبرر ذلك بخوفها من إزعاج الزوج أو إحباطه أو حتى احتمال فقدانه. وللمفارقة فإن تظاهرها بقبول ما تكرهه هو نوع من الكذب الذي يُعد أكثر تهديداً للعلاقة التي من المفترض أن تكون قائمةً على الصدق بين الطرفين. ووفقاً للمعالجين النفسيين فإن قبول المرأة لأمر ما في أثناء العلاقة الحميمة خلافاً لرغبتها يجعلها تفقد السيطرة على جسدها؛ الأمر الذي يحد من متعتها الجنسية ويمنعها من التعبير عن ما ترغب فيه بالفعل. ومن جهة أخرى يفقد الرجل بدوره رغبته لأن متعته تعتمد بالنسبة إليه في المقام الأول على قدرته على إمتاع الطرف الآخر.

إذاً ما الحل في هذه الحالة؟ الحل هو أن تعبري لشريكك عن رفضكِ صراحةً وتوضحي له ما تحبين وما تكرهين وبهذه الطريقة ستسمحين له بفهم جسدك ورغباتك؛ ما يؤدي إلى تطور فهمكما لعلاقتكما وهو العامل الأهم في القدرة على التعامل مع الأمور المرفوضة في العلاقة.

جرّب أن ترفض ما لا تريده

فيما يلي بعض النصائح لتتعلم كيفية قول “لا” بطريقة فعالة:

حدد الأمور المقبولة والمرفوضة بالنسبة إليك قبل كل شيء، لأنه غالباً ما يصعب عليك قول “لا” للآخرين بسبب حالة من عدم اليقين، ومن ثم فإنه عليك أن تعي أولوياتك وتسأل نفسك: ما الأمور التي تستحوذ على جهودك وتسعى إلى الحفاظ عليها قبل كل شيء؟ ستتمكن بهذه الطريقة من تحديد رد فعلك الصحيح تجاه مطالب الآخرين.

تعلّم أن تعبر عن رغبتك بطريقة إيجابية: على سبيل المثال عندما تقول :”أنا لا أريد فعل ذلك” أو “أنا لم أعد أرغب بفعل ذلك”، فإنك بهذه الطريقة تتجنب تحديد موقفك صراحةً، لذا من الأفضل أن تعبّر عن رغبتك بطريقة إيجابية عن طريق قول ما تريده وليس ما لا تريده.

فكر بكل الفوائد المحتملة التي قد تنجم عن قول “لا” في موقف ما فذلك سيقوي عزيمتك.

قيّم المخاطر التي قد تتعرض لها بسبب هذا الرفض وستكتشف غالباً أنها أقل بكثير مما تتوقع؛ إذ إن اتخاذ خطوة إلى الوراء والتفكير بهذه الطريقة يساعدك على عقلنة مخاوفك.

تعلم كيفية تمييز الشخص عن سلوكه: في كثير من الأحيان نعتقد أن رفض تلبية طلب الآخر هو بمثابة رفضه شخصياً؛ ما يجعلنا نستجيب له خوفاً من الإساءة إليه.

أخيراً يمكنك البدء بالتعبير عن رفضك في المواقف البسيطة لتكتسب الثقة تدريجياً، وتتمكن بعد ذلك من قول “لا” في مواقف أكثر إثارةً للقلق.

 

المحتوى محمي !!