توجد ظاهرة ألاحظها منذ فترة في التجمعات الأسرية أو لقاءات الأصدقاء، وهي أن الحاضرين تتملكهم الرغبة كل عدة دقائق في مد أيديهم إلى هواتفهم الذكية وتفحصها وإعادتها إلى جيوبهم مرة أخرى، وأحياناً لا يكون هناك أي جديد قد وصلهم، وهذا بالطبع يؤثر في عمق التواصل بينهم وبين المحيطين بهم، كما أن التوتر الذي يدفعهم إلى تفحص هواتفهم قد يتسلل إلى الجلسة.
محتويات المقال
أتفهم أن تلك الحركة ربما تكون لا إرادية نتيجة الارتباط الزائد بيننا وبين هواتفنا الذكية في العصر الحديث، لكنها بكل تأكيد تستدعي البحث عن أسبابها الحقيقية، ومحاولة إيجاد حلول عملية لإيقافها.
ما الذي قد يدفعنا إلى التحقق من هواتفنا بلا توقف؟
وفقاً لبحث أجراه الباحث في مجال العلوم النفسية والسلوكية للفنون، ماكسي هيتماير، لا تكمن المشكلة في هواتفنا الذكية وبرمجياتها إنما في سلوكياتنا الذاتية، وذلك لأنه توصل من خلال بحثه إلى أن 89% من تفاعلاتنا معها تكون بدايتها من عندنا، أي إن الهاتف لا يصدر عنه أي تنبيه وعلى الرغم من ذلك نلتقطه للتحقق من الإشعارات، وحسب هايتماير فإننا نلجأ إلى تفحص هواتفنا عادة بين أنشطتنا اليومية، وأحياناً تكون هذه العادة بهدف إراحة عقولنا قليلاً في أثناء قيامنا بعمل مرهق.
ولا يعد هذا الهدف هو الأوحد، فهناك أيضاً شعورنا أن ثمة شيئاً ما قد يفوتنا في حال عدم تحققنا من هواتفنا الذكية، وقد نتساءل ماذا لو كان الجميع في هذه اللحظة يعرفون شيئاً لا نعرفه؟ وغالباً ما يكون السبب الحقيقي هنا هو الطمأنينة بأننا لم نفوت شيئاً وليس الحصول على معلومة ما، إلى جانب أن البعض يستعينون بهواتفهم لتجاوز أكثر اللحظات ضيقاً في حياتهم فيتعاملون معها باعتبارها بوابة هروب تخرجهم بسرعة من مشاعر مثل الوحدة أو الحزن أو عدم اليقين أو الملل.
بالإضافة إلى ما سبق، يربط البعض بين جودة علاقاتهم واستجاباتهم الفورية، فيظنون أن الصديق الوفي أو الشريك المخلص لا بد أن يتحقق باستمرار من هاتفه ليضمن عدم وجود رسائل لم يجب عنها، وليثبت أنه على أتم الأهبة والاستعداد للاستجابة تجاه أي ظرف طارئ.
كما يعد تفحص الهاتف وسيلة شائعة لتسويف المهام، فمثلاً إذا كانت لدينا رسالة عمل طويلة بحاجة إلى إرسالها قد نرى تلك المهمة مملة، ما يجعلنا نندفع إلى إمساك الهاتف بحجة أنه لا ضير من دقائق قليلة تجعلنا أكثر استعداداً لتأدية المطلوب منا، أيضاً يوجد سبب إضافي وهو أن الهاتف الذكي يعد ملجأ آمناً لنا في حال وجودنا ضمن جمع من البشر نشعر وسطهم بالحرج أو القلق، فالتحديق في الشاشة يقينا من التحديق في أعين الآخرين.
اقرأ أيضاً: احذر! هاتفك الذكي يعبث بدماغك، فكيف تحد من تأثيره النفسي؟
كيف توقف رغبتك القهرية في تفحص هاتفك؟
هناك العديد من الإرشادات العملية التي ستساعدك على مفارقة عادة التفحص المستمر لهاتفك، أهمها:
- ابحث عن السبب الحقيقي الذي يدفعك إلى تصفح هاتفك باستمرار، هل هو العزلة الاجتماعية التي تعانيها؟ أم الخوف من الفوات؟ أم نمط علاقاتك؟ ثم اعمل على معالجة هذا السبب وكن صبوراً في انتظار النتائج.
- ضع حدوداً زمنية صارمة للأوقات التي تتحقق فيها من هاتفك، وحاول كبح جماح نفسك في حال شعرت برغبة ملحة في ذلك خارج تلك الأوقات.
- أوقف التنبيهات للتطبيقات غير المهمة، واحذف التطبيقات التي لا تضيف قيمة إلى حياتك اليومية حتى لا يضيع وقتك في استخدامها.
- كن صارماً في الفصل بين حياتك المهنية والشخصية، ويمكنك تحقيق ذلك بعدم الظهور متصلاً بعد أوقات العمل ومراجعة البريد الإلكتروني في صباح اليوم التالي ما دام لا يوجد شيء عاجل أو طارئ، إلى جانب أخذ استراحة من هاتفك الذكي في عطلة نهاية الأسبوع لقضاء الوقت مع عائلتك وأصدقائك.
- تصالح مع الأوقات المزعجة التي تهرب فيها إلى هاتفك الذكي، مثل تلك الأوقات التي تشعر فيها بمشاعر سلبية، أو أوقات الضغط النفسي في العمل، أو أوقات الفراغ، واعمل على تقبلها باعتبارها جزءاً من تنوع الحياة.
- ضع هاتفك الذكي خارج غرفة نومك حتى لا تنساق إلى عادة التمرير قبل النوم أو بعده أو عند الاستيقاظ في الليل، وقد يفيدك في ذلك شراء منبه يساعدك على الاستيقاظ بدلاً من ضبط منبه الهاتف.
- حاول قدر الإمكان تفعيل الطرائق البديلة للتواصل مثل المكالمات الهاتفية، أو المقابلات الواقعية، فذلك سيساعدك على تقليل ارتباطك بهاتفك الذكي، وفي الوقت نفسه يعزز عمق علاقاتك الاجتماعية.
- اجعل عينيك تحتضن التفاصيل، ويرشدك إلى ذلك الطبيب النفسي عاصم العقيل بأن تعود نفسك عند الخروج من المنزل ألا تستخدم الهاتف إلا للضرورة القصوى، وبدلاً من الانشغال به جرب الاستمتاع بالنظر حولك واستيعاب كل التفاصيل من بيوت ومحلات وأشخاص، وكأنك مسافر وتعيش تجربة الذهاب للمكان التي توجد به، وستجد أنك أصبحت أكثر حضوراً في اللحظة الحالية علاوة على أن معدل سكينة نفسك قد ازداد.
اقرأ أيضاً: بعيداً عن الهاتف الذكي: ما هو أفضل منبه لإيقاظك من النوم؟