احذر! هاتفك الذكي يعبث بدماغك، فكيف تحد من تأثيره النفسي؟

الهاتف الذكي
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ملخص: سواء أَأحببنا ذلك أم لا، للهاتف الذكي دور مهم للغاية في حياة كلٍ منا؛ إذ إنه يسهّل علينا الكثير من مهمات الحياة. وعلى الرغم من مزاياه المذهلة كلها، فإن البقاء على اتصال دائم بالهاتف يمكن أن يؤثر في دماغك وصحتك النفسية، وإليك في هذا المقال تلك التأثيرات كافةً، وكيف يمكنك الحد منها.

ما أول شيء تفعله عندما تستيقظ من النوم؟ هل فكرت تلقائياً في هاتفك الذكي؟ أعلم أنك فعلت! الحقيقة أن الهاتف الذكي أصبح جزءاً حيوياً من حياتنا اليومية، فنحن نستخدمه تقريباً في كل شيء؛ في البداية كان الغرض الأصلي من الهاتف هو الاتصال بالآخرين فقط ثم تطور إلى الاتصال والمراسلة، وبعد ذلك حدثت الكثير من التطورات الأخرى حيث يمكننا الآن من خلال هواتفنا الذكية أن نكتب المذكرات، ونستمع إلى الموسيقا، ونتصفح البريد الإلكتروني، ونستقبل رسائل العمل ونرد عليها؛ لكن هل أدت زيادة استعمال هواتفنا الذكية إلى التأثير في أدمغتنا؟ وماذا يمكن أن نفعل لتخفيف هذا التأثير؟ الإجابة من خلال هذا المقال.

ما تأثير الهاتف الذكي في أدمغتنا؟

لا يوجد شك في أن الهاتف الذكي جعل حياتنا أسهل من ذي قبل، فبمجرد ضغطة زر يمكن القيام بالعديد من المهمات؛ مثل دفع فاتورة الكهرباء أو الرد على رسائل العمل. ومع ذلك، علينا أن نعترف أننا لا نقوم فقط بالمهمات المطلوبة، فدفع الفاتورة يجعلنا نتصفح مواقع التواصل الاجتماعي والبريد الإلكتروني، ونلقي نظرة على إشعارات رسائل تطبيق “الواتساب”. إنها حلقة مفرغة لا تنتهي وتؤثر في أدمغتنا بالطرائق التالية: 

  • التغيرات في كيمياء الدماغ: أجرت مجموعة من الباحثين في الجامعة الكورية بسيول (Korea University in Seoul)، تحليلاً طيفياً باستخدام الرنين المغناطيسي بهدف دراسة أدمغة الأشخاص الذين يفرطون في استخدام هواتفهم الذكية مقارنة بأولئك الذين يستخدمونها على نحو صحي، ووجد الباحثون أن نسبة الناقل العصبي حمض غاما أمينوبوتيريك (GABA) إلى الناقل العصبي الغلوتامات-الغلوتامين (Glx)، كانت أعلى بكثير في القشرة الحزامية الأمامية للأشخاص الذين يتفقدون هواتفهم باستمرار مقارنة بالأشخاص الأصحاء، ويثبط حمض غاما أمينوبوتيريك إشارات الدماغ أو يبطِئُها؛ بينما يتسبب الناقل العصبي الغلوتامات-الغلوتامين في زيادة تحفيز الخلايا العصبية كهربائياً. جدير بالذكر إن النسبة بين النواقل العصبية يجب أن تكون متوازنة بالضبط حتى يعمل الدماغ على نحو صحيح؛ حيث إن اختلال نشاط الناقل العصبي حمض غاما أمينوبوتيريك يؤدي إلى الإصابة بالقلق واضطرابات المزاج والاكتئاب.
  • اختلال عمل الدوبامين: الدوبامين هو مرسل كيميائي عصبي يُشعرك بالسعادة، ويحمل إشارات عبر نقاط الاشتباك العصبي في الدماغ، وهو مسؤول عن التحفيز وسلوك البحث عن المكافأة، في كل مرة يرن فيها هاتفك، وتفحصه لرؤية رسالة نصية، أو إعجاب، يكافئك دماغك بجرعة من الدوبامين، وبمرور الوقت، يُطلَق الدوبامين في وقت مبكر جداً، حتى يؤدي مجرد رؤية هاتفك أو سماع صوته إلى زيادة متوقعة في الدوبامين؛ ومن ثم يجعلك ذلك تشعر بالتحفيز، ثم تبدأ في فحص هاتفك واستخدامه أكثر فأكثر لتحقيق استجابة الدماغ نفسها، وقد يؤدي هذا السلوك الذي يبحث عن مكافأة الدوبامين إلى فقدان الاهتمام بالأنشطة الأخرى. ومع مرور الوقت، تدرك أنك تقضي وقتاً طويلاً على الهاتف بلا فائدة حقيقية.
  • انخفاض القدرة المعرفية: يمكن أن تنخفض قدرتك المعرفية إلى حد بعيد حيث يظل الهاتف الذكي في يديك طوال الوقت، وقد أطلق الباحثون على هذه الظاهرة اسم “فرضية هجرة الأدمغة”، وتنطلق هذه الفرضية من فكرة مفادها أننا لا نستخدم قدراتنا المعرفية وذلك لأن مصدر المعلومات متاح بسهولة.
  • انخفاض القدرة على فهم القراءة: ألاحظت من قبل أن الطريقة التي تقرأ بها النص عبر الإنترنت تختلف عن الطريقة التي تقرأ بها الصفحة المطبوعة؟ حيث إننا نفهم ما نقرأه على الإنترنت أقل مما نفهمه من المطبوعات، والأسباب الدقيقة لذلك غير واضحة؛ لكن يُرجَّح أنها مرتبطة بالنشاط الزائد في قشرة الفص الجبهي بالدماغ الذي يؤدي إلى انخفاض فهم القراءة.
  • التأثير في المهارات الاجتماعية والعاطفية للأطفال: أجرت مجموعة من الباحثين في كلية الطب بجامعة بوسطن (Boston University) دراسة بحثية توصلوا من خلالها إلى نتيجة مفادها أن استخدام الأطفال للهواتف الذكية يؤثر بالسلب في نموهم العقلي ومهاراتهم الاجتماعية والعاطفية، وأشار الباحثون إلى أن مصدر القلق هو أن الأطفال لن يطوروا آليات التنظيم الذاتي الداخلية الخاصة بهم إذا كانوا يعتمدون دائماً على تشتيت انتباههم عن طريق الهواتف الذكية.
  • الإصابة بالكسل العقلي: توفر لنا الهواتف الذكية الكثير من المعلومات، وكل ما نحتاج إليه نخزنه في ملفات الهاتف، حتى الأسئلة التي يمكن أن تراودنا لم نعد نُشغل بها؛ ضغطة زر على محرك البحث جوجل، وسيأتي إلينا بالإجابات، ويحذر بعض الخبراء من أن هذا الاعتماد المفرط على هاتفك الذكي للحصول على الإجابات كافةً قد يؤدي إلى الكسل العقلي.

اقرأ أيضاً: النوموفوبيا: رهاب فقدان الهاتف الذي لا يفارق يدي

كيف يمكن لصحتك النفسية أن تتأثر نتيجة استخدام هاتفك؟

في أغلب الحالات، يُعد الاعتماد على الهواتف الذكية والاستخدام المفرط لوسائل التواصل الاجتماعي من أعراض مشكلات الصحة النفسية، التي يمكن أن تتأثر نتيجة استخدام الهواتف الذكية من خلال:

  • زيادة مستوى التوتر والقلق: تؤكد أستاذة علم النفس السريري بمستشفى للأمراض النفسية في مدينة بالتيمور الأميركية، ماريا موراتيديس (Maria Mouratidis)، إن التدفق المستمر للمعلومات يمكن أن يزيد مستويات القلق والتوتر، وأضافت إن وجود الهواتف الذكية في أيدينا طوال الوقت يُبقينا في حالة من اليقظة التي يمكن أن تستنزفنا بمرور الوقت.
  • الشعور بالاكتئاب: توضح موراتيديس إن تصفح الهاتف على نحو متزايد قد يؤدي إلى الإصابة بمشاعر الاكتئاب؛ وذلك بسبب محاولة التعامل مع عدم اليقين ومقارنة نفسك بالآخرين من خلال وسائل التواصل الاجتماعي.
  • الشعور بالعزلة والوحدة: يمكن أن يكون التركيز على الهواتف وسيلة تجعلنا نتجنب مشاعرنا وعلاقاتنا وأفكارنا الخاصة، وبمرور الوقت سنشعر بالانعزال عن أنفسنا وعن العالم الخارجي. 
  • اضطرابات النوم: تشير خبيرة طب النوم، ميشيل دريروب (Michelle Drerup)، إلى أن استخدام الهاتف الذكي قبل النوم يجعلك أكثر نشاطاً واستيقاظاً، ويمكن لعقلك أن يظل نشطاً ومتيقظاً لفترة طويلة بعد تصفح وسائل التواصل الاجتماعي أو الرد على بعض رسائل البريد الإلكتروني الخاصة بالعمل؛ ما يؤدي إلى اضطرابات النوم، ناهيك بأن التعرض إلى الضوء الأزرق المنبعث من الهاتف يؤثر في ساعة جسمك البيولوجية، ويحد من إفراز الميلاتونين وهو الهرمون المسؤول عن التحكم في دورة النوم والاستيقاظ، وعندما ينفد من جسمك يمكنك أن تعاني الأرق والتعب والتهيج في أثناء النهار.
  • الإصابة بالنوموفوبيا: قد يؤدي الاستخدام المفرط لهواتفنا الذكية إلى الإصابة بالنوموفوبيا أو رهاب فقدان الهاتف الذكي، ووفقاً لما ذكرته المختصة في علم النفس الإيجابي، إليزابيث سكوت (Elizabeth Scott)؛ فالمصابون بهذا الرهاب يخافون تفويت أي فرصة لتفقد هواتفهم الذكية لأنهم يشعرون بأنهم يستمتعون أكثر، أو يعيشون حياة أفضل، أو يختبرون أشياء أفضل.
  • انخفاض الانتباه والإنتاجية: سواء أكان في العمل أم المدرسة، فإن الاستخدام المفرط للهواتف الذكية يقلل مدى انتباه الأفراد، ويؤثر بالسلب في إنتاجيتهم.

كيف تحمي دماغك وصحتك النفسية من تأثيرات الهاتف الذكي؟

وفقاً لما ذكره طبيب المخ والأعصاب، عمرو حسن الحسني؛ فالهواتف الذكية تؤدي إلى الضغط النفسي والتوتر، وتؤثر سلباً في جودة النوم؛ ولكن هل هذا يعني أننا يمكننا الاستغناء عن الهاتف الذكي؟ الإجابة بالطبع هي لا، فليس من المتوقع أبداً أن نتخلى عن هواتفنا؛ ولكن علينا أن نقلل استخدامها من خلال الطرائق التالية: 

  • تتبَّع مقدار استخدامك لهاتفك وقيّمه: نحن بحاجة إلى معرفة ما نتعامل معه قبل أن نتمكن من اتخاذ خطوات لمعالجته؛ وهذا يعني تتبع مقدار استخدامك لهاتفك وتقييمه. ما الذي تستخدمه من أجله؟ ما متوسط الوقت اليومي الذي تقضيه أمام الشاشة؟ هل تستخدم هاتفك لتهدئة مشاعرك الصعبة أو تجنب مهمات العمل؟ إن الإجابة عن مثل هذه الأسئلة يمكن أن تمنحك نظرة ثاقبة إلى المشكلات التي قد ترغب في معالجتها.
  • اذهب في نزهة دون هاتفك الذكي: في هذه الحالة لن يُعَدّ المشي منعشاً ويتيح لك بعض الوقت للتفكير فحسب؛ بل إنه أيضاً فرصة جيدة للحصول على استراحة من هاتفك الذكي. لذا؛ حاول أن تتحدث إلى من حولك في الشارع أو أن تركز على تأمل الطبيعة.
  • أوقف تشغيل الإشعارات: يمكن أن تؤدي التنبيهات المستمرة إلى تشتيت انتباهك؛ لذلك إذا أوقفت الإشعارات يمكنك التركيز على إكمال المهمة التي بين يديك.
  • استمتع بصباح خال من الهاتف: إذا كنت تريد أن تبدأ يومك على نحو إيجابي فلا تتوقع أن يحدث ذلك عندما تنهال عليك الأخبار والرسائل النصية والتنبيهات. عوضاً عن ذلك، استمتع بفنجان من القهوة، أو اقرأ كتاباً، أو تأمل، ثم أعِدَّ وجبة فطور صحية، ووقتها سيكون يومك أفضل.
  • حدد وقت الشاشة من 30 دقيقة إلى ساعة قبل النوم: وقتها ستتمكن من النوم نوماً أفضل، وبخاصة مع قلة الضوء الأزرق المنبعث من شاشة الهاتف.
  • حدد مقدار الوقت الذي تقضيه على هاتفك: يحتوي العديد من التطبيقات على ميزات يمكنك من خلالها تحديد مقدار الوقت الذي يمكنك قضاؤه في استخدامها. تُمكنك الاستفادة من هذه الميزة والحد من الوقت الذي تقضيه على تلك التطبيقات.
  • ابحث عن البدائل: حين تقرر تقليل الوقت الذي سوف تقضيه على هاتفك، عليك أن تجد أنشطة بديلة حتى لا تنتكس. يمكنك على سبيل المثال أن تقرأ كتاباً مطبوعاً، أو تمارس اليوغا أو تمرينات التأمل.
  • كن صادقاً مع نفسك: يعتقد الروائي والكاتب الصحفي، مات هيج (Matt Haig)، في كتابه “ملاحظات حول كوكب متوتر” (Notes on a Nervous Planet)، إن الحاجة إلى تصفح الهواتف المستمر تعود إلى إحساسنا بعدم اليقين؛ لذلك يجب علينا التعامل مع هذا الإحساس أولاً من جذوره، حتى نكف عن متابعة هواتفنا باستمرار.

اقرأ أيضاً: هل تخاف من الرد على الهاتف؟ ربما تعاني صدمة نفسية

في نهاية الأمر، أنت تعلم جيداً أنك تواجه مشكلة مع هاتفك الذكي، وبخاصة عندما تجد صعوبة بالغة في الانفصال عنه لبعض الوقت؛ قد تشعر بأن عالمك ينهار أو عملك قد يتأثر ومن ثم تصبح أكثر حرصاً على هاتفك، وتبدأ في الانفصال عن الحياة الواقعية؛ الأمر الذي يؤثر سلباً في الصحة النفسية. ولذلك؛ علينا نبدأ من هنا والآن، الحدَّ من استخدام هواتفنا الذكية.