هل نعزف عن فكرة الطلاق لصالح أطفالنا؟

قرار الطلاق
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

اتخاذ قرار الطلاق ليس بالأمر السهل، خاصةً بوجود الأطفال، لذا يعزف عنه بعض الأزواج تجنباً لتعريض أطفالهم للصدمة التي قد يسببها لهم الانفصال. لكن هل لذلك تأثير إيجابي في الطفل؟ وما تأثير هذا القرار في الوالدين؟ سنستعرض عدة احتمالات وندرس تأثيرها في الوالدين والطفل.

تشير الوسيطة الأسرية “سابرينا دو دينوشان” إلى أن: “الانفصال فعل عواقبه وخيمة على المرء وأطفاله. فأما الكبار يمثل بالنسبة إليهم نهاية صورة الحياة الأسرية كما كانوا يحلمون بها، وأما الأطفال فهو بالنسبة إليهم نقطة تحول في حياتهم لن تعود الأمور بعدها إلى حالها، فلن يعيش الطفل ووالداه معاً تحت سقف واحد مرةً أخرى. إن تسببك بألم كهذا لطفلك سيشعرك بالذنب.

لكن عند اتخاذك قرار الانفصال من الواجب مراعاة عامل آخر تؤكده الطبيبة النفسية ومؤلفة كتاب “الأمان العاطفي عند الطفل” (The emotional safety of child) “آن رينود”: “نحن نعلم أن نمو الطفل يتطلب عيشه في بيئة مستقرة ومنسجمة وآمنة، لذا فإن مشاحنات الزوجين تنعكس على رفاه الطفل”. بالتالي قد يكون قرار الانفصال أحياناً أكثر حل ملائم رغم أنه قرار أليم وصعب.

أول احتمال: بقاء الوالدين مع بعضهما وتظاهرهما بأنهما على وفاق.

يختار أحد الوالدين تحمل ألمه وكتم معاناته حتى لا يتسبب حواره مع زوجه/زوجته بشجار قد يؤذيه/ا، وهذا حتماً أسوأ حل بالنسبة لجميع الأطراف. تقول “سابرينا دو دينوشان”: “لا ينبغي أن نتخذ قرار التحمل والبقاء لأجل أطفالنا دون شريكنا”. فإذا كتمنا معاناتنا لا يحق لنا أن نلوم شريكنا على جهله بها، كما أننا بذلك “نهلك أنفسنا”. وقد ينتهي بنا الأمر بالاستياء من أطفالنا لظننا أن وجودهم هو ما حال دون مغادرتنا. وتؤكد الوسيطة الأسرية أننا نجازف عند اتخاذ هذا القرار بتحول علاقاتنا مع أطفالنا إلى علاقات سامة، ناهيك بالمعاناة النفسية التي سنلحقها بأنفسنا.

وحتى أن إجبار أنفسنا على البقاء يأتي بنتائج عكسية، فالطفل الذي نحاول حمايته يكون في الواقع بحالة يرثى لها لأنه يشعر أن أحد والديه ليس على ما يرام. توضح الطبيبة “آن رينود”: “ينعكس عدم استقرار كلا الوالدين أو أحدهما على الطفل. وتؤكد نظرية التعلق الفكرة التي تنص على أن توفر الأمان العاطفي أساسي لنمو الطفل السليم”.

فما نفع بقائنا إذا كان يخلق جواً محتقناً؟ ولا يمكن أن يعيش الطفل في بيئة أسوأ من بيئة مشحونة، وما من شعور يراوده أسوأ من شعوره بأنه مهدَّد. وتتابع الطبيبة النفسية أن: “النزاعات بين الوالدين تكون تربوية غالباً؛ إذ يسمع الطفل أن والديه لا يتفقان على نقطة في موضوع يكون هو محوره، فيظن أنه سبب الخلاف ويشعر بالذنب حيال ذلك، فالأطفال يشعرون بالذنب بسهولة في مثل هذه المواقف. لذا من الضروري أن نطمئنه ونخبره أن خلافات الكبار ليست ذنبه”. عملياً تبين الطبيبة “آن” أن النزاعات التربوية لا علاقة لها بالطفل؛ لكنها تظهر عندما ينجب الزوجين طفلاً: “ربما كان الزوجان على وفاق تام قبل إنجاب الأطفال؛ لكن الأبوة والأمومة تكشف عن اختلافات في الرؤى التربوية لكل منهما. لذلك فليس الطفل من يفرق الزوجين؛ وإنما الأبوة والأمومة”.

اقرأ أيضا:

ثاني احتمال: سكن الوالدين تحت سقف واحد دون إخفاء خلافاتهما عن طفلهما.

ليس الأطفال ركيزة منظومة الزواج، لذلك من غير المعقول تحميلهم عبء قرار البقاء ضمنها أو لا. وتقول “سابرينا دو دينوشان”: “هل يمكنك تخيل ثقل الحمل الذي تلقيه على عاتق الطفل؟ إنه أمر مروع. الأطفال غير معنيين بالمشاكل التي يواجهها الزوجان، فحلها وتلقي المساعدة يقع على عاتق كل منهما، ولا يجب أن يعرف الأطفال بها حتى”. وتوافقها الطبيبة “آن” فتقول: “يجب أن تبقى عداوات البالغين بينهم، فالنزاعات تضر نمو دماغ الطفل، لذا يجب إبقاؤه بعيداً عن المشاكل الزوجية”.

لا يُنصح أن يقرر الزوجان البقاء معاً بعد انطفاء المشاعر بينهما إلا في ظل ظروف معينة، وتؤكد “سابرينا دو دينوشان” ذلك بقولها: “قد يفلح الوالدان في العيش معاً لاعتيادهما على بعضهما وقدرتهما على دعم بعضهما، ومعرفتهما كيف يتجنبان الخوض في الموضوعات المثيرة للنزاعات، وتنظيم حياتيهما الشخصية وما إلى ذلك. وهذا يدل على قدرة الزوجين على التواصل، فمن الضروري لنجاحهما في نمط الحياة هذا أن يتفقا على الكثير من النواحي العملية التي تواجههما في الحياة اليومية”.

وتضيف الوسيطة الأسرية: “قد نرغب في السعي لإنجاح ذلك لأننا نحمل قيماً أسريةً قويةً، ولصالح الأطفال؛ لكن يوجد خيط رفيع بين السعي والمعاناة، فإذا كنت تجد أنك أنت دائماً من تبذل الجهد فلن يطول الأمر قبل أن تشعر بالمعاناة، لذلك لا بد من وضع شروط واضحة ومناقشتها دورياً. ليست أنانية منك أن تتراجع يوماً عن قرارك بالبقاء مع شريكك كي تحمي أطفالك إذا نفدت طاقتك لمواجهة الموقف”.

لذلك، فإن أول خطوة يجب اتخاذها هي توضيح الموقف مع زوجك/زوجتك، ثم تحقيق توازن جديد في علاقتك معه ووضع تنظيم جديد في المنزل. لا يعد تعايش الوالدين مع بعضهما بعد أن يوضحا الأمور بينهما كذباً على طفلهما، فهذا يوحي له بحقيقة الموقف. تلخص الطبيبة “آن” ما سبق بقولها: “يستطيع الوالدان إخبار طفلهما أنهما لا يتبادلان مشاعر الحب كالسابق؛ لكنهما ما زالا يرغبان بالبقاء معاً”. عندها سيفهم الطفل أكثر لم ينام والداه في غرف نوم منفصلة، وإذا وجد أن هذا لا يوفر له الانسجام، فسوف يطمئن بأن وحدة الأسرة لن تتزعزع.

اقرأ أيضا:

ثالث احتمال: انفصال الوالدين وحماية الطفل من تبعات هذا الانفصال.

يعد سكن الوالدين مع بعضهما أحد العناصر الرئيسية للأبوة والأمومة، لكن بينما يمكنهما التراجع عن سكنهما معاً، فلا يمكنهما أن يمحوا آثار زواجهما كلياً. أساساً عندما ينفصل الوالدان لا يتفرقان كلياً؛ إذ يظل الطفل رابطاً بين والديه. تقول الطبيبة النفسية: “نخلط كثيراً بين صفة الشريكين المتزوجين وصفة الشريكين الوالدين. فليس بالضرورة أن يتأثر الشريكان الوالدان سلباً إذا انتفت صفة الشريكين اللذين يسكنان تحت سقف واحد. فحتى لو اختفى حب شريكك من قلبك يمكنكما أن تشكّلا فريقاً واحداً مسؤولاً عن أداء مهام الأبوة والأمومة.

تشير “سابرينا دو دينوشان إلى أن”: الحياة التي يعيشها الشريكان بعد الانفصال إما يمضياها بتفاهم أو بالمشاحنات والنزاعات، وتؤثر الحالة الثانية سلباً في الأطفال. لذا يفضَّل انفصالهما وهما متفقان على كل شيء، قبل أن يتحول انفصالهما إلى ساحة معركة”. في الواقع، بغض النظر عما إذا كان الوالدان يعيشان تحت سقف واحد أم لا؛ ما يهم هو أن يعرف الأطفال أن والدَيهما لن يتخليا عنهم أبداً أي أنهما سيكونان قادرين على التواصل مع بعضهما حتى بعد الانفصال.

وتؤكد الطبيبة “آن” أن هذه النقطة هي أهم عنصر في الطلاق؛ إذ تقول: “نعلم اليوم أن نمو الطفل يقتضي أن يعيش في بيئة مستقرة ومنسجمة وآمنة، وما يهمه هو احتواء والديه له بكل هدوء وسكينة. لذلك من الأفضل أن تكون حكيماً في اتخاذ قرار الطلاق ومن الأفضل أن تكون حكيماً بعملية انفصالك وتمتلك القدرة أنت وشريكك على الاتحاد معاً من أجل طفلكما، بدلاً من إجبار نفسك على البقاء معه والتشاجر طوال اليوم.

اقرأ أيضا:

المحتوى محمي !!