ملخص: هل فكّرت سابقاً لماذا تسرع إلى تلبية طلبات الآخرين؟ إن كان للشعور بالرضا عن النفس، أو حباً بتقديم المساعدة، أو رداً لمعروف، أم كسباً لمعروف، فتلك أسباب جيّدة؛ لكن هل تسعى إلى إسعاد الآخرين خشية أن يكرهوك أو ينبذوك في حال رفضت المساعدة؟ إن كان ذلك هو السبب الرئيس، فهذا يعني أنك تبالغ في إرضاء الناس، وعليك أن توازن بين تلبية توقعات الآخرين منك ورعاية نفسك؛ وإلا فسوف ينتهي بك الأمر في دوامة من المشاعر السلبية؛ مثل الإحباط والاستياء والشعور بالاستغلال والغضب وهو ما سينعكس سلباً على علاقتك مع الآخرين ومع نفسك أيضاً. وإليك في هذا المقال بعض النصائح الفعالة لإيجاد حل وسط بين إرضاء الآخرين واهتمامك بنفسك.
محتويات المقال
هل تستحي أن ترفض للآخرين طلباً؟ هل تعطي الأولوية دائماً لإرضاء مَن حولك وإسعادهم من عائلة وأصدقاء وزملاء عمل؟ لا بُدّ أنك شخص طيب ولطيف؛ لكنك عندما تسعى إلى إرضاء الناس على حساب سلامتك العاطفية، أو عندما تولي احتياجاتهم أهمية أكبر مما تولي احتياجاتك، أو عندما تشعر بأنك مُستنزَف أو مرهَق أو منفعِل أو قلِق أو متوتِّر، فهذا يعني أن عليك إيجاد توازن صحي بين إرضاء الآخرين والعناية بنفسك. لذلك؛ سنتحدث في هذا المقال عن أسباب هذا السلوك وتأثيره في الصحة النفسية والخطوات اللازم اتباعها لتحقيق ذلك التوازن.
اقرأ أيضاً: كيف يسبب سعيك الدائم إلى إرضاء الآخرين شعوركَ بالإرهاق المستمر؟
تعرف إلى العلامات التي تؤكد مبالغتك في إرضاء الناس
غالباً ما يمتلك الأشخاص الذين يبالغون في استرضاء الآخرين مجموعة من السمات المشتركة؛ مثل:
- صعوبة قول "لا".
- الانشغال الدائم بآراء الآخرين عنهم.
- الشعور بالذنب عند رفض الطلبات.
- الخوف من وصمهم بالأنانية أو اللؤم عند عدم تلبيتهم طلباً ما.
- الموافقة على المهام والأنشطة التي لا يحبونها أو لا يرغبون فيها.
- الاعتذار المتكرر دون داعٍ.
- تحمل اللوم عندما لا يكونون مخطئين.
- السعي إلى نيل محبة الآخرين أو الاستحسان أو القبول أو الثناء.
- الانشغال الدائم بطلبات الآخرين وإهمال الأولويات الشخصية.
- التظاهر بالاتفاق مع الآخرين تجنباً للصراع أو الرفض حتى عند الشعور بعدم الموافقة.
بالإضافة إلى ذلك، غالباً ما يكون هؤلاء الناس متعاطفين جداً ويراعون مشاعر الآخرين؛ لكن هذه الصفات الإيجابية تكون مصحوبة في بعض الأحيان ببعض الجوانب السلبية؛ مثل النظرة المشوَّهة عن الذات، أو الافتقار إلى الثقة بالنفس، أو الميل إلى الإفراط في الإنجاز.
اقرأ أيضاً: ما علامات التعلّق المفرط بالآخرين؟ وكيف يمكن التخلّص منه؟
4 أسباب تدفعك إلى المبالغة في إرضاء مَن حولك
يُعد تحديد سبب المشكلة أولى خطوات العلاج؛ إذ وعلى الرغم من أن بعض الناس يرغبون بصدق في مساعدة الآخرين بدافع الإيثار لا غير، فإن ثمة أسباباً أخرى قد تقف خلف هذا السلوك؛ مثل:
- تدني احترام الذات: قد يسعى الشخص الذي يعاني تدني احترام الذات إلى نيل المصادقة الخارجية، فيُفرط في استرضاء الناس بغية الشعور بالتقدير أو القبول أو تعزيز قيمته الذاتية.
- انعدام الأمان النفسي: من الممكن أن يدفع الخوف من النبذ أو عدم إعجاب الآخرين الشخص إلى بذل قصارى جهده في سبيل إسعاد الناس ونيل رضاهم.
- الكمالية: قد تدفع الرغبة في أن يكون كل شيء مثالياً، حتى آراء الآخرين، إلى المبالغة في إرضاء الناس.
- التجارب السابقة: ربما تسهم التجارب السابقة المؤلمة أو المسيئة في دفع الشخص إلى إعطاء احتياجات الآخرين الأولوية؛ وذلك تجنباً للصراع أو خوفاً من سلوك الآخرين المسيئ.
علاوة على ذلك، لُوحظ أن المبالغة في إرضاء الناس ترتبط بسمة شخصية تُعرف باسم "الانتحاء الاجتماعي" (Sociotropy) وهي الاهتمام المفرط بإرضاء الناس وكسب استحسانهم بغية الحفاظ على العلاقات. بالإضافة إلى ذلك، قد يكون هذا السلوك هو عَرَض يميز بعض حالات الصحة النفسية؛ مثل القلق، أو الاكتئاب، أو اضطراب الشخصية الحدية، أو اضطراب الشخصية الانطوائية، أو اضطراب الشخصية الاعتمادية.
اقرأ أيضاً: كيف تتوقف عن إسعاد الآخرين على حساب نفسك وتظل محبوباً؟
كيف يؤثر هذا السلوك في صحتك النفسية؟
استرضاء الناس ليس بالضرورة أمراً سيئاً، فكونك شخصاً يهتم بالآخرين ويراعي مشاعرهم ويلبي طلباتهم هو أمر مهم في الحفاظ على علاقات صحية مع الأشخاص الذين تحبهم؛ لكن المبالغة في إرضاء الناس وإسعادهم قد يصبح مشكلة عندما تهمل احتياجاتك الجسدية أو العاطفية أو النفسية بغية تلبية احتياجات الآخرين، أو عندما تسعى إلى نيل استحسان الناس من أجل تعزيز احترامك الضعيف لذاتك، أو عندما تشعر بالعديد من المشاعر السلبية. عموماً، إليك الآثار السلبية المبالغة في إرضاء الناس:
- الشعور بالغضب والإحباط: قد يؤدي إرضاء الآخرين على مضض أو بدافع الالتزام إلى مشاعر الاستياء والإحباط، خصوصاً إذا شعرت بالاستغلال أو عدم التقدير. قد تعلق في دوامة من تقديم المساعدة للآخرين ومن ثم الشعور بالغضب منهم بسبب استغلالهم لك؛ ما قد يُشعرك بالندم أو الأسف على نفسك، وقد يوصلك أحياناً إلى الاحتراق النفسي.
- معاناة القلق والتوتر: لمساعدة الآخرين العديد من الفوائد للصحة النفسية؛ لكن السعي المستمر إلى إسعادهم قد يستنزف مواردك الجسدية والنفسية إلى حد كبير؛ ما قد يصيبك بالتوتر والقلق؛ الأمر الذي سيؤثر سلباً في صحتك ورفاهيتك.
- إعاقة النمو الشخصي: إنفاق الطاقة والوقت والموارد النفسية في تلبية احتياجات الآخرين قد لا يترك مجالاً كبيراً لك لتحقيق أهدافك وتطلعاتك الشخصية.
- الافتقار إلى الأصالة (عدم الصدق مع الذات): قد يؤدي إخفاء مشاعرك ورغباتك الحقيقية أو قمع عواطفك وأفكارك بغية التوافق مع الآخرين وتلبية طلباتهم إلى الشعور بالانفصال عن الذات وكأنك لا تعرف نفسك أبداً.
- ضعف العلاقات وتوترها: قد يقدّر الناس طبيعتك المعطاءة في البداية؛ لكنهم مع مرور الوقت سيعدون لطفك وطيبتك أمراً مفروغاً منه، وقد لا يدركون أنهم يستغلونك، ثم وفي حال قصّرت يوماً ما في تلبية توقعاتهم، فقد يعاتبونك أو يغضبون منك؛ ما قد يؤدي إلى توتر العلاقات أو إضعافها، وفقاً للمعالج النفسي أحمد هارون.
اقرأ أيضاً: هل تشعر أنك مسؤول عن كل شيء؟ إليك طوق النجاة
9 نصائح تساعدك على إيجاد حل وسط بين إسعاد الآخرين والاهتمام بنفسك
لتحقيق التوازن بين إرضاء الآخرين والعناية بنفسك، فكِّر في النصائح التالية:
- مارِس التأمل الذاتي: خذ وقتاً للتفكير في قيمك وأولوياتك وما يجلب لك السعادة على نحو مستقل عن الآخرين، وركّز على الأنشطة والعلاقات التي تتوافق مع قيمك وأهدافك. سيساعدك هذا الوعي الذاتي على وضع حدود شخصية وإعطاء الأولوية لرفاهيتك. بالإضافة إلى ذلك، خصِّص وقتاً للأنشطة التي تجدد نشاطك جسدياً وعقلياً وعاطفياً؛ ما يسهم في الحفاظ على صحتك وصحة علاقاتك.
- تواصَل بصراحة: تحدث إلى أحبائك عن احتياجاتك ومشاعرك بصدق، فالتعبير عن نفسك علناً يعزز التفاهم والاحترام المتبادل في العلاقات.
- ضع الحدود الصحية: تعرَّف إلى حدودك؛ ما تقبله وما ترفضه وما تستطيع تقديمه وما لا تستطيع، وأخبر الآخرين بذلك. تذكَّر أن الحدود ضرورية للحفاظ على التفاعلات والعلاقات الصحية.
- طوِّر مهاراتك في إدارة مشاعرك: تعلم كيفية إدارة عواطفك بفعالية وتهدئة نفسك دون الاعتماد المفرط على الآخرين للشعور بالراحة أو الاستحسان والقبول.
- احتضِن المرونة: افهم أن إيجاد التوازن بين إرضاء الآخرين والرعاية الذاتية هي عملية ديناميكية؛ لذلك كن على استعداد لتعديل نهجك مع تغير الظروف وإعطاء الأولوية لرفاهيتك.
- تدرَّب على الرفض: قول "لا" ليس أمراً هيّناً في هذه الحالة؛ لذلك تدرَّب على رفض الطلبات الصغيرة في البداية، وعبِّر عن رأيك، ثم شق طريقك تدريجياً نحو التحديات الأكبر.
- مارِس الحديث الذاتي الإيجابي: عزِّز ثقتك بنفسك من خلال التأكيدات الإيجابية. ذكّر نفسك بأن احتياجاتك وأهدافك وسعادتك مهمة، وأنها تستحق الأولوية.
- تريّث قبل تنفيذ طلبات الآخرين: خذ لحظة للتفكير قبل الموافقة على الطلب، وقيّم فيما إذا كان الالتزام به يتوافق مع احتياجاتك وأولوياتك، وكن حذراً من الأشخاص الذين يستغلون كرمك باستمرار دون تقديم أي شيء في المقابل.
- تجنُّب اختلاق الأعذار: كن مباشراً وحازماً عند رفض الطلبات، وقاوِم الرغبة في تبرير قرارك؛ لأن ذلك قد يفسح المجال أمام الآخرين للتلاعب بك أو الضغط عليك.
ختاماً، تذكَّر أن تساعد عندما تريد المساعدة، وأن تبقى لطيفاً مثلما كنت؛ لكن مع إعطاء الأولوية لرفاهيتك لأن إرضاء الناس غاية لا تدرك. وتذكَّر أيضاً أن العلاقات تتطلب الأخذ والعطاء؛ لذلك اسعَ إلى المعاملة بالمثل في علاقاتك. تجنب الديناميكيات الأحادية الجانب؛ حيث تعطي باستمرار دون أن تتلقى في المقابل.
اقرأ أيضاً: هل تحظى بالتقدير في محيطك؟ إليك 6 أسئلة لمعرفة الإجابة