ملخص: الوضوح الذهني؛ أي القدرة على التركيز والتعرف إلى الأفكار وفهمها وتنظيمها بوضوح دون تشتت، ضروري لأداء المهام المختلفة؛ لكن كثيراً ما قد يعاني الإنسان تشتت الأفكار وصعوبة في التركيز وعدم القدرة على التفكير وفق تسلسل منطقي، وذلك إما نتيجة قلة النوم، أو التوتر المزمن، أو تناول الأطعمة عالية المحتوى بالسكر المكرر، أو الإصابة بالحالات الصحية الكامنة مثل الاكتئاب واضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه واضطرابات الغدة الدرقية وغيرها. وللتخلص من الفوضى العقلية، يُوصى بنيل قسط كافٍ من النوم، وتناول الطعام الصحي مع الحرص على تناول الأطعمة التي تعزز صحة الدماغ مثل الأسماك والمكسرات والتوت، وأخذ فترات راحة منتظمة، وترتيب الفوضى في مكان العمل، والحد من المشتتات الرقمية. كما تعد ممارسة اليقظة الذهنية، وتجنُّب تعدد المهام، وتدوين الأفكار على الورق من الاستراتيجيات القيّمة أيضاً. فضلاً عن أن تمارين الدماغ، مثل حل الألغاز أو تعلم مهارات جديدة، مفيدة لتقوية الوظائف الإدراكية. أما بالنسبة للأعراض الشديدة أو المستمرة، فمن الأفضل استشارة الطبيب من أجل تحديد المشكلة الأساسية وحلها.
محتويات المقال
قد تجد نفسك في بعض الأيام تفكر في العديد من المواضيع في آن واحد قافزاً من موضوع إلى آخر بصورة عشوائية، أو أن أفكارك تتدفق على نحو غير متسلسل أو غير منطقي، أو تواجه صعوبة في استجماع أفكارك بصورة سليمة، وكأن رأسك مليء بالضباب. حسناً، ربما يصحّ وصف هذه الحالة بفوضى العقل أو قلة الوضوح الذهني، وعلى الرغم من أن الجميع قد يعاني بين الحين والآخر هذه الفوضوية في التفكير؛ لكنها قد تدل على وجود مشكلة كامنة في بعض الأحيان أيضاً. لنتعرف في هذا المقال إلى العلامات التي تميّز فوضى التفكير وأسبابها والنصائح التي من شأنها أن تزيد الوضوح الذهني.
اقرأ أيضاً: ما هي متلازمة دماغ الفشار التي تمنعك من التركيز؟ وكيف تواجهها؟
ما هي العلامات التي تشير إلى العقل الفوضوي؟
إن كان الوضوح العقلي هو الحالة الذهنية التي يكون فيها الدماغ نشطاً وقادراً على التعرف إلى الأفكار وفهمها وتنظيمها بوضوح وتركيز دون تشتت؛ فإن فوضى العقل هي الحالة المعاكسة، ومن العلامات التي تميزها:
- صعوبة في التركيز.
- انخفاض الأداء في العمل وصعوبة تلبية التوقعات أو المواعيد النهائية.
- مشكلات الذاكرة ونسيان التفاصيل الصغيرة في كثير من الأحيان، أو وضع الأغراض في غير أماكنها بصورة متكررة.
- الشعور بالخمول الذهني أو بطء القدرة على معالجة المعلومات.
- صعوبة اتخاذ القرارات حتى البسيطة منها.
- الانسحاب من التفاعلات الاجتماعية بسبب الإرهاق الذهني.
- الشعور بالتعب الجسدي بسهولة حتى بعد أداء المهام الصغيرة.
- صعوبة اتباع التعليمات المعقدة.
- الشعور بضبابية الدماغ.
اقرأ أيضاً: ماذا تعرف عن تقنية الضوضاء البيضاء لتعزيز تركيز المصابين بنقص الانتباه؟
ما الذي يسبب فوضى التفكير وقلة التركيز؟
ثمة العديد من الأسباب التي قد تجعل الشخص يستصعب التركيز أو التفكير بطريقة منظمة، مثل:
- نقص النوم: النوم ضروري لوظائف الدماغ المختلفة من تذكُّرٍ وانتباهٍ واتخاذ القرارات، لذا فإن الحرمان منه، حتى لو جزئياً مثل نوم سيئ في ليلة واحدة، يضعِف قدرة الدماغ على التيقّظ والانتباه والتركيز، كما يؤثّر سلباً في قدرته على اتخاذ القرارات وأداء الوظائف الإدراكية بصورة عامة، ما يؤدي في المحصلة إلى صعوبات في أداء المهام المعرفية اليومية.
- النظام الغذائي: يمكن أن يؤدي النظام الغذائي غير المتوازن، وخاصة الإكثار من الأطعمة عالية المحتوى بالسكريات البسيطة والمكررة، إلى تقلبات سريعة في مستويات سكر الدم، ما قد يؤثّر سلباً في التركيز. علاوة على أن الكافيين وعلى الرغم من أنه قد يزيد اليقظة مؤقتاً، فإن تناول الكثير منه على المدى الطويل يؤثر سلباً في التركيز.
- التوتر المزمن: التوتر هو استجابة الجهاز العصبي تجاه بعض المواقف، وعلى الرغم من أن التوتر الحاد (قصير الأمد) قد يزيد التركيز مؤقتاً، فإن التوتر طويل الأمد أو المزمن يعطِّل الانتباه والتركيز والدقة في أداء المهام.
- الملل: في الواقع، يمكن لكلٌّ من البيئة الرتيبة للغاية أو المرهِقة للغاية أن تسببا صعوبة في التركيز، كما قد تجد صعوبة في التركيز عندما لا تلائم البيئة اهتماماتك وقدراتك.
- الحمل المعرفي الكبير: يؤدي التعرض لكمية كبيرة من البيانات والمعلومات، من خلال الشاشات والإشعارات المستمرة ورسائل البريد الإلكتروني والبيئة المحيطة وغيرها، إلى إثقال قدرة الدماغ على تصفية المعلومات ومعالجتها، ما يصعِّب التركيز والإنتاجية. كما وفي كل مرة يتشتت الانتباه، فإن الدماغ يستغرق وقتاً وطاقة لإعادة توجيه الذهن إلى المهمة الرئيسية، ما يؤدي إلى إرهاق ذهني وتقليل القدرة على التركيز على أي مهمة واحدة بصورة فعالة.
- وجود حالات صحية: يمكن أن تؤثّر بعض المشكلات الصحية سواء كانت نفسية؛ مثل الاكتئاب والقلق واضطراب نقص الانتباه وفرط النشاط، أو جسدية؛ مثل اضطرابات الغدة الدرقية، بدرجة كبيرة في التركيز. فضلاً عن أن بعض الأدوية، مثل الأدوية المضادة للقلق وبعض مسكنات الألم، قد تصعِّب التركيز وتسبب الخمول.
اقرأ أيضاً: كيف تحسّن تركيزك وتتفادى الشرود الذهني؟
10 نصائح تساعدك على زيادة تركيزك وتنظيم أفكارك
ثمة العديد من الخطوات التي يمكنك اتباعها من أجل زيادة القدرة على التركيز وتعزيز الوضوح الذهني، مثل:
1. نم جيداً
النوم فقط هو ما يمكننا وضعه على رأس القائمة، وذلك بسبب أهميته الكبيرة للوظائف الإدراكية. لذا، احرص على النوم 7-9 ساعات كل ليلة، مع إعطاء الأولوية لجدول نوم ثابت، واتباع عادات تعزز صحة النوم الجيدة، مثل تقليل وقت استخدام الشاشات مساءً، وتعديل إضاءة الغرفة ودرجة حرارتها لتصبح مريحة للنوم، واتباع روتين محدد قبل النوم.
2. تناوَل الأطعمة التي تعزز صحة الدماغ
بداية، من المهم أن تتبع نظاماً غذائياً صحياً ومتوازناً، وهذا يعني أن تركِّز على الخضروات والفاكهة والحبوب الكاملة والبروتينات الخالية من الدهون والدهون الصحية، وأن تقلِّل تناول الأطعمة المصنعة أو عالية المحتوى بالسكر أو الملح، وأن تعتدل في شرب القهوة.
وقد يساعدك أيضاً أن تتناول الأطعمة التي تعزز الذاكرة والتركيز ووظائف الدماغ عموماً؛ مثل الخضروات الورقية الخضراء، والأسماك الدهنية الغنية بأوميغا 3، والتوت، والمكسرات، وبذور اليقطين، والكركم، والشاي الأخضر، والشوكولاته الداكنة.
3. نل قسطاً من الراحة
قد يأتي الإصرار على التركيز وتنظيم الأفكار عند الشعور بالإرهاق الذهني بنتائج عكسية. لذا، خذ قسطاً من الراحة حتى ولو لفترة قصيرة، مثل الخروج لفترة وجيزة واستنشاق هواء نقي، أو ممارسة التنفس العميق، أو إراحة عينيك من النظر إلى الشاشة، فذلك من شأنه أن يساعدك على تحسين مزاجك وتصفية ذهنك.
اقرأ أيضاً: كيف تتغلب على التعب الذهني؟
4. تعلَّم إدارة التوتر
للتغلب على التوتر وآثاره السلبية في الوظائف الإدراكية، عليك أولاً تحديد الأسباب التي تثير فيك التوتر وتصنيفها إلى 3 مجموعات: الأولى تضم الأسباب التي يمكنك حلها مباشرة، والثانية للأسباب التي ستتحسن بمرور الوقت، وأخيراً الأسباب الخارجة عن سيطرتك التي لا يمكنك فعل شيء حيالها. ثم وبما أنه لا جدوى من القلق بشأن الأسباب التي لا يمكنك تغييرها أو التي ستحل نفسها، إذاً حاوِل التركيز على معالجة الأسباب في المجموعة الأولى.
سيساعدك على إدارة التوتر وتصفية الذهن وتنقية الأفكار والتعامل مع المشكلات بهدوء كل من: تمارين التنفس العميق، واليوغا، والتأمل، والتواصل مع الأصدقاء والأحبة، وممارسة الأنشطة الإبداعية والهوايات. بالإضافة إلى ممارسة التمارين الرياضية بانتظام، حيث يمكن لـ 150 دقيقة أسبوعياً من النشاط المعتدل الشدة مثل المشي السريع أو التمارين الهوائية أن تحسّن مهارات التفكير.
5. قلِّل الفوضى في المكان المحيط بك
لترتيب الفوضى في عقلك، رتّب الفوضى حولك! إذ يمكن للفوضى المادية التي تقع ضمن مجال بصرك أن تنافس على الموارد العصبية في الدماغ؛ أي أنها تصعِّب على الدماغ الانتباه ومعالجة المعلومات والتركيز. لذا، حاوِل أن ترتِّب الفوضى في منزلك أو مكان عملك، أو على الأقل حاوِل أن ترتِّب المكان الذي تعمل فيه، أو تحتاج لأن تبذل فيه تركيزاً كبيراً.
6. مارِس اليقظة الذهنية
يقول استشاري طب الأسرة والعلاج النفسي، خالد بن حمد الجابر، إن الذهن كثيراً ما ينشغل في التفكير في أمور عديدة جداً، إما من الحاضر أو الماضي أو المستقبل، سواء كانت أحداثاً متخيّلة أو حقيقية، فلا بُد إذاً من تدريب الذهن على التركيز أو الحضور في اللحظة الراهنة.
لذا يمكنك أن تجرّب اليقظة الذهنية التي ستعلِّمك أن تركِّز انتباهك ووعيك على ما تحس به وتفكر فيه في اللحظة الراهنة، وهي ممارسة تسهم في تقليل التوتر والقلق وتحسِّن الانتباه والذاكرة وتعزز تنظيم المشاعر، كما أنها تعمل على إعادة برمجة الدماغ بحيث يصبح الانتباه أقوى في الحياه اليومية.
فكّر في تجربة طريقة 5-4-3-2-1 لملاحظة البيئة من حولك، وذلك بأن تسمّي 5 أصوات يمكنك سماعها، و 4 أجسام يمكنك رؤيتها، و3 أشياء يمكنك لمسها، ورائحتان يمكنك شمهما، وطعم واحد يمكنك تذوقه. يساعدك هذا التمرين على الانتباه إلى الوقت الذي يبدأ ذهنك بالشرود فيه وإعادته سريعاً إلى حيث يجب أن يكون.
اقرأ أيضاً: كيف توظف اليقظة الذهنية في علاج القلق والتوتر؟
7. تخلَّص من عادة تعدد المهام
على ما يبدو، فإن أدمغتنا ليست مصممة للتعامل مع مهام معقدة ومتعددة في وقت واحد؛ بل إن تعدد المهام يشتت الانتباه ويضعف قدرة الدماغ على أداء الوظائف المعرفية المختلفة. ولا يتعلق الأمر بأداء مهمتيّ عمل في الوقت نفسه فقط؛ بل إن الاستماع إلى الراديو في أثناء القيادة هو تعدد للمهام، وكذلك هو التحدث على الهاتف في أثناء كتابة أمر ما، ومشاهدة التلفاز في أثناء الرد على رسائل بريد الالكتروني، وتصفح وسائل التواصل الاجتماعي في أثناء اجتماع العمل.
لذا، ركّز على أداء مهمة واحدة ثم انتقل إلى أخرى، أو خصِّص 20 دقيقة لأداء مهمة واحدة قبل التبديل إلى أُخرى، أو اجمع بين المهام التي لا تحتاج جميعها مستوى عال من التركيز، فطيّ الملابس فعل تلقائي يمكنك جمعه مع إجراء محادثة افتراضية تخص العمل مثلاً.
اقرأ أيضاً: العلم يخبرك: تعدد المهام يضرك نفسياً، فكيف تتجنبه؟
8. دوِّن أفكارك
عندما تشعر أن أفكارك فوضوية، حاول تنظيمها على الورق، فقد ثُبت أن وجود خطة مكتوبة يزيد التركيز والإنتاجية. ومن المفيد أن ترتّب المهام المطلوبة منك حسب الأهمية والأولوية، ثم تنفِّذها واحدة تلوَ الأُخرى. وقد يساعدك أيضاً أن تقسِّم المهام إلى أجزاء أصغر قابلة للتنفيذ، فمن الأسهل أن تركز على عمل صغير واحد، بدلاً من التفكير في الكثير من الأهداف الكبيرة غير المحددة.
9. قلِّل المشتتات الرقمية
قد يساعدك تقليل الوقت الذي تقضيه في متابعة وسائل التواصل الاجتماعي، أو في مشاهدة أيّ نوع من الشاشات، على الاسترخاء والراحة وتصفية الذهن. يمكنك أن تجد في هذا المقال كل ما تحتاج معرفته عن التخلص من السموم الرقمية.
اقرأ أيضاً: كيف تحافظ على تركيزك وسط المشتتات الرقمية؟ 5 نصائح فعالة
10. مرِّن دماغك
ثمة العديد من الأساليب التي يمكنك من خلالها صقل حدة ذهنك وزيادة تنظيم أفكارك وتركيزك وذاكرتك؛ مثل حل الألغاز المختلفة، وتعلِّم المهارات الجديدة مثل الرسم أو الحياكة أو العزف على آلة موسيقية، وتعليم خبراتك لشخص آخر، وكسر روتينك بين الحين والآخر. كما ومن أهم المهارات التي تحسِّن الذاكرة والوظائف الدماغية المختلفة هو تعلُّم لغة جديدة، وهي مهارة لا يفوت أوانها مهما بلغت من العمر.
ختاماً، إذا كان العقل الفوضوي أو قلة الوضوح الذهني أو أياً يكن من مشكلات الذاكرة والتركيز تؤثّر في حياتك اليومية أو رفاهيتك، فقد آن الأوان لاستشارة الطبيب؛ لأن علاج الحالة الكامنة، سواء كانت نفسية أو جسدية، يؤدي في كثير من الأحيان إلى استعادة وضوح التفكير.