عادة ما تحتاط كثيراً قبل أن تتحدث لإعلان خبر سيئ أو التعبير عن رغباتك أو الإفصاح عن رأي يخالف رأي مخاطَبك. بدافع اللباقة أو احترام الآخر أو بدافع الحذر ببساطة، قد تميل إلى التحدث بلطفٍ يسمح لك بتجنيب مخاطَبك بعض العواطف السلبية، لكن هذا الأدب في الحديث قد يؤدي أحياناً إلى نتائج عكسية.
لا تنبع هذه اللباقة المفرطة أو عادة تلطيف الكلام (sugarcoating) من سوء النية، بل تهدف عموماً إلى حماية الآخر. ومع ذلك فإن هذا الأسلوب التواصلي قد يسبب بعض الأضرار.
ما هي أسباب اللباقة الزائدة؟
بالإضافة إلى الرغبة في حماية المخاطَب، ثمة أسباب أخرى قد تدفعنا إلى تلطيف كلامنا، وفقاً لما ذكرته المعالجة النفسية إيمي مورين (Amy Morin) في مقال لها على موقع سايكولوجي توداي (Psychology Today). من هذه الأسباب الخوف من النزاعات. توضح آيمي مورين ذلك قائلة: "يتجنب الكثيرون التواصل المباشر والصريح لأنهم يخشون الدخول في النزاعات، ويعتقدون أن تلطيف كلامهم يمكن أن يحدّ من احتمالية وقوع جدال أو التسبب في إيذاء الآخر".
يمكن أن يكون هذا السلوك نابعاً أيضاً من القواعد الثقافية السائدة والتربية التي تتماشى معها. تضيف المعالجة النفسية: "التواصل غير المباشر هو القاعدة السائدة في بعض الثقافات، واللباقة المفرطة هي الوسيلة المناسبة لإظهار الاحترام والحفاظ على التناغم الاجتماعي".
هناك تفسير آخر وراء اللباقة المفرطة. إنه الحرص على إرضاء الآخرين. فقد يعود سبب تحدثنا بلباقة مفرطة أحياناً إلى الرغبة في نيل رضا الآخرين. لذا؛ نلجأ إلى التواصل غير المباشر باعتباره وسيلة للحفاظ على صورة شخصية إيجابية، وتجنّب النظرة السيئة للآخرين لأننا نرغب في الحصول على القبول والتقدير.
اقرأ أيضاً: كيف تفهم الشخص الذي يخفي عدوانيته وتتعامل معه؟
تعرف إلى الوجه الضار للباقة الزائدة
يقترب معنى اللباقة المفرطة أو المداراة أو تلطيف الكلام من معنى التواصل السلبي أحياناً، لأنه يتميز بعدم الإفصاح الصريح عن الحقائق، والميل إلى تقديمها بطريقة مقنّعة وملتوية. تقول المدرّبة المختصة في مهارات الحياة تارا ألكسندر (Tara Alexander) في تصريح لموقع ويل آند غود (Well and Good): "يتحاشى المتحدث في التواصل السلبي قول ما يريد قوله فعلاً، وبدلاً من أن يعبر عن رسالته بصراحة، فإنه يحاول إخفاء الحقيقة أو تلطيفها بكلامه أو أفعاله أو لغة جسده". وهذا النمط من التواصل قد يمنعك في البداية من إيصال ما تريد التعبير عنه فعلاً، وبمرور الوقت يمكن أن يحبطك بسبب شعورك بعدم إصغاء الآخر إليك.
لكن اللباقة المفرطة يمكن أن تسبب الضرر للطرف الآخر أيضاً. مثلاً قد يسيء الآخر فهم رسالتك نظراً إلى افتقار أسلوبك التواصلي إلى الوضوح والشفافية. تشير المعالجة النفسية إيمي مورين إلى ذلك قائلة: "عندما نحجب رسائلنا بستار اللباقة، فإن المقصود الفعلي أو المعنى الحقيقي لكلامنا قد يضيع، وقد يؤدي ذلك إلى تفسيرات خاطئة، لا تساعد المخاطَب على استيعاب جدّية الرسالة أو استعجالها". ونتيجة لذلك تظل بعض المشكلات عالقة.
إن رغبتك في تجنب الإساءة إلى الآخر أو إيذاء مشاعره أو الإضرار بصورتك، قد تضرّ بعملية التواصل، وقد تؤثر بمرور الوقت في علاقتك بالآخر. إضافة إلى أن هذا النمط من التواصل قد يبدو نوعاً من التعالي، حسبما ذكرته المختصة النفسية لوسيا غروسارو (Lucia Grosaru) في مدونتها سايكولوجي كورنر (Psychology Corner). إذ تؤكد ذلك قائلة: "افتراض أنّ الشخص الذي تخاطبه لا يتمتع بالنضج العاطفي الكافي لتلقّي رسالة حادّة وأقلّ مجاملة يمثل موقفاً عدوانياً، فأنت تعتقد في هذه الحالة أن الرفاهة العاطفية للآخر تعتمد عليك، وهذا غير صحيح، فنحن لا نمتلك هذا المستوى من السيطرة على الآخرين". كما ترى غروسارو أن اللباقة المفرطة قد تكون أسلوباً من أساليب التلاعب التي تغير فهم المخاطَب لرسالتك وتوجهه نحو معنى في صالحك لتحميك من الآثار السلبية المحتملة لكلامك.
اقرأ أيضاً: 4 أعذار شائعة تجعلنا نُفهم بطريقة خاطئة، إليك كيفية تصحيحها