كيف تفهم الشخص الذي يخفي عدوانيته وتتعامل معه؟

3 دقيقة
الشخصية العدوانية السلبية
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)

ملخص: الشخصية العدوانية السلبية نمط من الأنماط البشرية الشائعة في المجتمع، وهي تكاد تمثّل نهجاً في إدارة العلاقات والتعامل مع الآخرين. هذا يعني أن مقابلة الشخص العدواني السلبي مسألة حتمية، لذا يجب البحث عن أساليب فهم طبيعته النفسية والتعايش معه. يقدّم المقال التالي شرحاً وافياً لأبعاد الشخصية العدوانية السلبية ويقترح بعض المفاتيح التي يمكن أن تساعدك على إدارة علاقتك بها.

لا جدوى من البحث عن تشخيص اضطراب الشخصية العدوانية السلبية، فهو ليس سوى "نمط من أنماط العلاقات" وفقاً للمختصّة النفسية إيزابيل لوفير (Isabelle Levert). توضّح لوفير خصائص هذا النمط قائلة: "يتميّز بحالة مزاجية تسيطر عليها قلة الكلام وضعف التواصل والتحفّظ على مستوى الحميمية، علاوة على شخصية تتسم بالحساسية والشعور بالاستياء وصعوبة الارتباط بالآخر، والتعامل مع انتظاراته باعتبارها ضغطاً لا يُحتمل".

إنّ تشارك الحياة مع هؤلاء الأشخاص الانطوائيين أشبه بعملية تعايش فقط. قد يكون ميلهم إلى الانسحاب من المواجهة صحّياً في بعض الأحيان. لنفترض حالة شريكين يتّسمان بهذا النمط. يفضّل الرجل لزوم الصمت خوفاً من الصراع، بينما لا تبدي المرأة غير الحازمة رأيها، ويفضّلان معاً تجنّب التفاعل الذي قد يفاقم الخلافات بينهما. "ومع ذلك فإنّ العدوانية السلبية قد تشكّل نمطاً سلوكياً سامّاً للغاية: فبعض الأشخاص يستخدم أسلوب الانسحاب أو الصمت عمداً باعتباره إجراء انتقامياً لمعاقبة الشخص الذي أزعجه".

لماذا يصعب التعامل مع الشخصية العدوانية السلبية؟

إذا كان التعامل مع الشخص العدواني السلبي أمراً صعباً فربّما يرجع ذلك في المقام الأولى إلى لا مبالاته الظاهرية أو المؤكّدة بالألم الذي يسبّبه للآخرين. لهذا لا بدّ من التمييز بين أشكال العدوانية "الناعمة" التي تشبه الآلية الدفاعية، والأشكال "القاسية" التي ترتبط بالانحراف النرجسي. في الحالة الأولى تكون السلوكيات العدوانية السلبية مزعجة، وتشكل أسلوباً لإفساد العلاقات والمواقف لأنها تجعلنا عاجزين عن البحث عن حلول لخلافاتنا.

في الحالة الثانية التي تتميّز بأشكال العدوانية "القاسية" يسيطر العنف الصريح والخبيث. تضيف المختصة النفسية إيزابيل لوفير: "خلال تعاملنا مع هذه الشخصية وفي ظلّ الصمت الذي يطول تتزايد الشكوك إلى درجة تهزّ ثقتنا بأنفسنا، لا شيء يجدي في هذه الحالة، لا الكلمات ولا الدموع ولا الصرخات، تنكسر الثقة على جدار اللامبالاة، وهو أمر مدمّر جداً يدفعنا إلى الإحساس بأننا غير موجودين ولا قيمة لنا، بل نحسّ أنّنا مجرد أشياء".

وما يزيد الطين بلّة هو أنّه كلّما عبّرت ضحية الشخص العدواني السلبي عن انزعاجها بصوت مرتفع وحافظ هو على هدوئه الشديد، يعمّق المحيطون بها معاناتها من خلال لومها واتهامها بأنها تفقد أعصابها بسهولة، ولا سيّما أنّ هؤلاء لا يرون إلّا الشقّ الظاهر من المشكلة.

ما الذي يمكن قوله وفعله في مواجهة العدوانية السلبية؟

لترتيب الأمور، عليك إذاً أن تفهم المشكلة أولاً. "إذا كانت الشخصيات العدوانية السلبية تتصرف وفقاً لهذا النمط، فلديها أسبابها، سواء أكانت واعية بذلك أم لا، وهذا لا يعني أنها على حق، يجب أن تحدّد إذاً: لماذا يتجنّب هذا الشخص العدواني السلبي العلاقات؟ هل يفعل ذلك هروباً من نزاع محتمل أم خوفاً من الانتقاد أو الرفض؟ هل سلوكه هذا تلاعب بعواطف الآخرين المؤلمة أم انتقام منهم أم تلذّذ خبيث بمعاناتهم؟".

وعليك أن تسأل نفسك أيضاً عن المكانة التي تحتلها في نفسية هذا الشخص العدواني السلبي: هل يحبّك ويقدّرك على الرغم من هذا السلوك أم أنّك لا تحظى بأيّ اعتبار أو تعاطف من جانبه؟ "إذا كان الخيار الثاني صحيحاً، فمن الأفضل أن تنسحب لأن انحرافه النرجسي يمكن أن يضرّ بك ضرراً بالغاً".

لكنّ الأمر يختلف في حالة الشخص العدواني السلبي الصامت الذي يخشى أن ينطق بكلمة واحدة زائدة لكنّه يغلي في قرارة نفسه بالمشاعر والعواطف. في هذه الحالة عليك أن تغير خطّة التعامل. "من غير المجدي أن تتنظر منه أن يتغيّر ويصبح أكثر إقبالاً على الكلام، بينما لم يتمكّن أصلاً من ذلك منذ زمن طويل على الرغم من اللباقة والاحترام واللطف، فإمّا أن تتقبّل الموقف وتركّز على مزايا الشخص، وإما أن تصارحه بأنك لا تستطيع التعايش معه وتفضّل الابتعاد".

كيف نعالج هذا النمط من العلاقات؟

على المدى الطويل، من الأفضل أن يتمكّن الشخص العدواني السلبي من فهم أسباب سلوكه هذا للعمل على علاجه، حتّى لو تطلّب الأمر اللجوء إلى علاج نفسي. "قد يكون هذا السلوك راجعاً إلى مشكلة في العلاقات، كأن يكون أسلوباً لحماية النفس في سياق معين، في مواجهة مدير متسلّط أو شريك غيور جداً مثلاً، وقد يعود إلى مشكلة فردية مثل العجز عن إثبات الذات الذي يظهر في مجالات عدّة من مجالات الحياة".

بعد تحديد طبيعة المشكلة، يمكن حينها الاعتماد إمّا على العلاج المنهجي (علاجات الأزواج أو العلاجات الأسرية) وإمّا العلاج الشخصي لمعالجة الثغرات التي قادته إلى الانغلاق على ذاته في هذا النمط. هناك إذاً أساليب علاجية عدّة. "يبدو النهج العلاجي السلوكي فعّالاً في تخفيف مشكلة الخوف من الصراع على سبيل المثال، بينما يسمح النهج النفسي الدينامي بالتخلّص من الشعور بالذنب وآليات التدمير الذاتي ولا سيّما في حالات الاكتئاب الكامن وراء السلوكيات العدوانية السلبية".

وعندما تظهر المعاناة النفسية فمن الأفضل أن نناقش هذه المشكلة مع أحد المختصّين. لذا؛ تخلُص المختصة النفسية إيزابيل لوفير إلى ما يلي: "احرص أساساً خلال التعامل مع هذه الشخصية على تجنّب الأحكام المتسرّعة والمندفعة لأنّ المشكلة تكمن في التقليل من خطورة موقف محتمل أو تهويل موقف لا يستحقّ".

اقرأ أيضاً: 

7 سلوكيات تكشف الشخصية العدوانية السلبية

ما السمات المشتركة بين الشخصية العدوانية والشخصية السيكوباتية؟

المحتوى محمي