يمكن أن ترتبط أعراض الاكتئاب بشكل واضح بتجربة قاسية أو محزنة، كفقدان شخص عزيز أو حدث عنيف مثل الطلاق أو الانفصال العاطفي، كما يمكن أيضاً أن يجد الشخص نفسه حزيناً ويائساً فجأة، بعد فترة كان كل شيء فيها يبدو على ما يرام!
التغيير المفاجئ في الحالة المزاجية يمكن أن يشير إلى الاكتئاب المفاجئ، الذي قد تظهر أعراضه تدريجياً أو فجأة، نتيجة أسباب واضحة أو غير معروفة.
ويعد الاكتئاب أزمة نفسية غير محبّبة بالفعل يمكن أن يمرّ بها أي شخص، فما هي أسباب الاكتئاب المفاجئ إذاً؟ وهل تختلف بين النساء والمراهقين مثلاً باعتبارهما أكثر الفئات تعرضاً للإصابة بالاكتئاب؟ وكيف يمكن تجاوز تحديات هذه الفترة المحبطة؟
أسباب الاكتئاب المفاجئ عند النساء
تؤدّي العوامل الوراثية والهرمونية والنفسية والاجتماعية أدواراً متداخلة ومشتركة فيما بينها في الإصابة بالاكتئاب لدى النساء. وتمثل الأسباب الأربعة الرئيسية الآتية إحدى هذه العوامل التي قد تحفّز ظهور أعراض الاكتئاب المفاجئ لديهن.
1. التغيّرات الهرمونية
تتأثّر المرأة بيولوجياً ونفسياً على نحو كبير بالهرمونات بخلاف الرجل، لذا من الوارد جدّاً أن تسبّب الاختلالات الهرمونية والتقلبات السريعة الناتجة عن البلوغ والحمل والولادة أو الإقبال على مرحلة جديدة في الحياة كالزواج والوظيفة الجديدة إلى الاكتئاب لدى النساء والمشكلات الصحية بشكل عام. ولأن المرأة في العصر الحالي يمكن أن تخوض بعض التجارب الجديدة باختيارها؛ يمكن أن يؤدّي اتباع نظام غذائي معيّن مثلاً إلى الاكتئاب فجأة.
ورغم أن كلاً من الرجل والمرأة يمكن أن يختبرا تغيرات في مستويات الهرمونات؛ لكن طريقة تأثّرهما بذلك تكون مختلفة بسبب الإستروجين والبروجسترون؛ الهرمونان اللذان تختلف مستوياتهما باستمرار بسبب الدورة الشهرية. ويعتبر الخبراء من "سايك سنترال" (Psych Central) أن الصحة النفسية والهرمونات يتأثرّان ببعضهما بعضاً دائماً، فالمستويات المتوازنة للهرمونات تسهم إلى حدّ كبير في الحفاظ على النشاط والحالة المزاجية الجيّدة، بينما يسبّب عدم التوازن الهرموني عند المرأة ما يُعرف بالاكتئاب الهرموني (Hormonal Depression)؛ حيث تصبح نظرتها تشاؤمية إلى الحياة وتخيّم عليها مشاعر الحزن والقلق والاكتئاب.
ويؤكّد هذه المعلومات رئيس قسم أمراض النساء والتوليد في "كيدز" للخدمات الطبية (KIDZ Medical Services)، دارين سالينغر (Darren Salinger) بقوله: "لكلّ من الإستروجين والبروجستيرون والتستوستيرون أدوار مهمّة في صحة المرأة وعواطفها".
ويضيف: "عندما تكون هذه الهرمونات غير متوازنة، يمكن أن تساهم في مشكلات الصحة النفسية الحالية أو تزيدها سوءاً".
اقرأ أيضاً: تجربتي مع اكتئاب الحمل.
2. الحمل والولادة
يُعتبر الحمل والولادة من أهم المراحل في حياة المرأة وأكثرها حرجاً وحساسية، لذلك يمكن أن تؤدي المشكلات المتعلقة بالحمل مثل الإجهاض أو الحمل غير المرغوب فيه والعقم دوراً أيضاً في الإصابة بالاكتئاب المفاجئ عند المرأة، لكونها معرّضة للعديد من التغييرات الهرمونية أثناء هذه المراحل.
شكل آخر من أشكال الاكتئاب الذي يمكن أن يصيب المرأة هو ما يشار إليه باسم "الكآبة النفاسية" (Baby Blues) التي تظهر أعراضها في الأسابيع التالية للولادة، وقد تصاب بها بعض النساء خلال الحمل؛ لكنها تختلف عن اكتئاب ما بعد الولادة (Postpartum Depression) المعروف بخطورته على الأم والمولود في حالة لم يُعالج، وغالباً ما تكون أعراضه أكثر حدّة وطويلة الأمد.
3. اضطراب ما قبل الطمث الاكتئابي
قد تظهر التقلبات المزاجية الشديدة والقلق والأفكار السلبية في الأسبوع السابق للحيض، وتتبدّد بمجرد بدء الدورة الشهرية، وهو ما يسمى باضطراب ما قبل الطمث الاكتئابي ( Premenstrual dysphoric disorder)، وتكون أعراضه شديدة بما يكفي لتؤثر سلباً في العلاقات الشخصية وتتداخل مع الأنشطة اليومية للمرأة، وهو أكثر حدّة من الأعراض المألوفة لمتلازمة ما قبل الحيض (Premenstrual syndrome) المتمثّلة في التهيج والتفاعل العاطفي الزائد والتعب.
اقرأ أيضاً:
4. فترة ما قبل انقطاع الطمث
يحدث انقطاع الطمث عادة في أواخر الأربعينات إلى أوائل الخمسينات من عمر المرأة، وهي بذلك تكون دخلت مرحلة سن التجدد حيث تتوقّف دورتها الشهرية، فتظهر عليها أعراض تتعلق بنقص إنتاج هرمون الإستروجين الذي يتسارع انخفاضه في العامين ما قبل حدوث الانقطاع المعروفة باسم فترة ما قبل انقطاع الطمث (Perimenopause)، ويؤدي هذا الانخفاض خلال فترة ما حول انقطاع الطمث وانقطاع الطمث إلى حدوث تغيرات جسدية وعاطفية مثل الاكتئاب أو القلق، بالإضافة إلى بعض التغييرات الجسدية كالهبّات الساخنة.
أسباب الاكتئاب عند المراهقين
لا يختلف الاكتئاب عند المراهقين طبياً كثيراً عن اكتئاب البالغين؛ وإنما تظهر أعراضه بطرق مختلفة، ويرجع ذلك لكونهم يمرّون بمرحلة حسّاسة ودقيقة في حياتهم حيث تتغيّر هرموناتهم وأجسادهم باستمرار، ويواجهون تحديات اجتماعية ونفسية كضغط الأقران والرغبة الملحّة في التفرّد؛ ما يضعهم تحت وطأة التوتر والقلق اللذين يمكن أن يتطّورا إلى الاكتئاب الذي يُعتبر من بين الأسباب الرئيسية المؤدية إلى المرض والإعاقة في صفوف المراهقين وفقاً لمنظمة الصحة العالمية، أو أخطر من ذلك، فقد يدفع الاكتئاب المراهقين إلى التفكير في الانتحار. فما هي إذاً أسباب الاكتئاب عند المراهقين؟
1. الاختلافات في الدماغ
وفقاً للخبراء من "هيلث لاين" (Health Line)؛ تختلف بنية أدمغة المراهقين عن البالغين إذ تسهم المستويات المنخفضة من الناقلات العصبية المسؤولة عن تنظيم الحالة المزاجية والسلوك (السيروتونين والدوبامين والنورأدرينالين) في الإصابة باكتئاب المراهقين (Teen depression).
2. الأحداث الصادمة في الحياة المبكّرة
يُقصد بالأحداث الصادمة في الحياة المبكرة أحداث وظروف صعبة مثل الاعتداء الجسدي أو العاطفي أو الجنسي أو فقدان أحد الوالدين جرّاء الوفاة أو طلاق الأبوين حتى، ولذلك تأثيرات قصيرة وطويلة الأمد في تشكّل دماغ الطفل؛ ما يمكن أن تنجم عنه الإصابة بالاكتئاب في سنوات المراهقة.
3. الصفات الموروثة
للاكتئاب مكون بيولوجي يساهم في زيادة احتمال الإصابة بالاكتئاب عند المراهق يمكن أن ينتقل من أحد أو كلا الأبوين، وهو ما أثبتته دراسة بعنوان: "علم وراثة الاكتئاب الشديد" (The Genetics of Major Depression)، أشرف عليها كل من الباحث جوناثان فلينت (Jonathan Flint) من مركز "هيومن جينيتكس" (Human Genetics) بأوكسفورد، وكينيث س.كيندلر (Kenneth S. Kendler) من قسم الطب النفسي بجامعة فرجينيا كومنولث (Virginia Commonwealth).
اقرأ أيضاً:
4. أنماط التفكير السلبي المكتسبة
يتعرّض المراهقون لبعض الأفكار التشاؤمية متأثّرين بذلك بأقرانهم أو وسائل التواصل الاجتماعي، وأحياناً بسبب وضع أسري معين، نظراً لأنهم لا يجدون قدوة أو مثلاً أعلى في محيطهم يقتدون به في عادات التفكير الإيجابي، فيكونون معرّضين أكثر للإصابة بالاكتئاب.
كيف تتخلص من الاكتئاب المفاجئ في 5 خطوات؟
يقدّم الخبراء من هيلث لاين 5 نصائح قيّمة لتغيير حالة الشعور بالإحباط والحزن الذي تجتاح حياتك حين تصاب بالاكتئاب. لن تعوّض هذه الاستراتيجيات المساعدة التي يمكن أن يقدّمها مختص طبّي أو معالج نفسي؛ لكنّها قد تخفّف من وطأة أعراض الاكتئاب، لذا لا تتردّد في القيام بها.
1. محادثة مع شخص عزيز
يُعتبر الانسحاب من العلاقات الاجتماعية عوضاً عن طلب الدعم العاطفي من الأعراض البارزة للاكتئاب، فالانعزال وأحاسيس الذنب بسبب المشاعر السلبية تجاه الآخرين والحاجة إلى إلغاء المواعيد مثلاً يزيد من أعراض الاكتئاب، لذلك من المفيد إعادة إحياء الرابط مع أحبائك، ومشاركة مشاعرك مع صديق مقرّب أو فرد من العائلة يكون محل ثقة، يساعد على تقليل الشعور بالوحدة وتخفيف عبء المرض من خلال الدعم الذي تحصل عليه.
2. بعض الفكاهة
حتى إن لم تكن من محبّي الكوميديا؛ يمكن للضحك والفكاهة أن يقدّم طريقة جيدة للتعامل مع الاكتئاب ومشكلات الصحة النفسية الأخرى، ورفع المعنويات.
3. لا تستهن بفوائد الموسيقى
يمكن للاستماع للموسيقى أن يشجع عقلك على إنتاج هرمونات الدوبامين والسيروتونين المعروفة بـ "الهرمونات السعيدة" التي تساعد على تحسين الحالة المزاجية وتقليل القلق والتوتر. لكن الموسيقى قد تكون سلاحاً ذو حدّين، فلن يفيد الانغماس في موسيقى ذات طابع وألحان حزينة، لأنها ستؤدّي في النهاية إلى تفاقم الحزن وأعراض الاكتئاب، بينما يمكن أن تمنحك الموسيقى المبهجة بعض الراحة المؤقتة من الحزن.
4. نشاطك المفضّل
يعيق الاكتئاب الشخص المصاب عن ممارسة هوايته المفضلة؛ لكن ممارستها على أي حال يمكن أن تحسّن الحالة المزاجية، فيبدي رغبة أكبر في ممارسة الأنشطة التي اعتاد أنها تجلب له الراحة والاستمتاع في الماضي مهما كان النشاط بسيطاً كقراءة كتاب، أو أخذ حمام دافئ مع الموسيقى والشموع.
5. أشعة الشمس تفيدك
هل فكّرت يوماً في الفائدة العظيمة لأشعة الشمس وحدها في تحسين حالتك المزاجية؟ ومع أن ضوء الشمس لن يعالج اكتئابك كليّاً؛ إلا أنه قد ثبت علمياً أنه يساعد على إنتاج هرمون السيروتونين الذي يسبّب انخفاضه في جسمك أعراض الاكتئاب. يمكن لنشاط بسيط كالمشي والتعرّض لأشعة الشمس بالقرب من مسكنك أو في الحديقة العامة أن يصنع الفرق.
بعد أن عرفت أسباب الاكتئاب المفاجئ، ربّما قد تستفيد من خلال هذه المعرفة لكلّ العوامل المحتملة للإصابة أن تتفادى بعضها أو تساعد من هم في محيطك الاجتماعي على تفادي أي احتمال للاكتئاب. وفي حال لم يكن هذا هو الحال وهناك بالفعل حالة للاكتئاب سواء كانت تمسّك أنت شخصياً أو أحداً غيرك؛ يمكن لاتباع الطرق الخمس التي يوصي بها الخبراء أن تمثّل نقطة الضوء في ذلك الطريق المظلم للمرض، ولا تتردّد إن عجزت لوحدك، أن تستشير مختصّاً لمواكبتك في مشوار العلاج.
اقرأ أيضاً: