كيف تتعافين من اكتئاب ما بعد الولادة؟

اضطراب ما بعد الولادة
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

إحساسك بعد إنجاب طفلك بالإعياء والحزن وانخفاض الطاقة وإيجاد صعوبة في رعايته والشعور بالذنب والخزي والرغبة في الهروب وغير ذلك؛ جميع ما ذكرناه هو من أعراض اكتئاب ما بعد الولادة الذي يدمر حياة ما لا يقل عن 10 إلى 15% من الأمهات الشابات. كيف تتغلبين على هذا الاضطراب؟ سنقدم إليكِ نصائح من مختصَّين أولهما الطبيبة النفسية “ماتيلديه بوشو” والقابلة والمعالجة النفسية “ناتالي بيكيه”.

تقول الطبيبة النفسية المتخصصة في فترة الحمل وبعد الولادة بعام “ماتيلديه بوشو”: “في حالة ظهور أعراض الاكتئاب أثناء الحمل تقدَّم متابعة نفسية للأم للحد من انهيارها النفسي في الأشهر التي تلي ولادة الطفل”،

لكن إذا لم نتخذ الإجراءات اللازمة للوقاية منه؛ كيف نتعافى من الإصابة به؟

البوح بالسر

الخطوة الأولى نحو الشفاء: أن تدرك الأم أن معاناتها حقيقية تعيشها الكثير من الأمهات. وتبين الطبيبة النفسية: “إنه اعتلال شديد يصيب عدداً متزايداً من النساء؛ إذ تتراوح نسبة المصابات به بين 10-15% دون احتساب من لا يجرؤن على الاعتراف بالإصابة به أو لسن مدركات لذلك”.

في الواقع إن إحساس الأمهات بالخزي من حزنهن وانخفاض طاقتهن وعدوانيتهن أحياناً اتجاه أطفالهن خلال ما يفترض أنها “أسعد مرحلة في حياتهن” يمنعهن من أن يجهشن بالبكاء حتى؛ إذ لا يمكن وصف إحساس الأم التي ترى “بأنها لا ترقى إلى المستوى المطلوب في تربية طفلها” ضمن مجتمع لا يزال يمجّد الأمهات اللائي تُجِدن تأدية دورهن ويجعلهن بطلات الحياة اليومية لذا تفضلن الصمت وإخفاء سر معاناتهن.

تبذل بعض الأمهات قصارى جهدهن ليظهرن أنهن “متماسكات وسعداء” لدرجة أنهن ينجحن في إخفاء ألمهن حتى عن أزواجهن وأحبائهن.

باختصار؛ حتى تتعافي من الاكتئاب عليك أن تتوقفي عن الكذب على نفسك وعلى الآخرين وتعبري عن الضيق الذي تشعرين به، وأن تدركي أن معاناتك تعيشها أمهات أخريات أيضاً. وتشدد الطبيبة النفسية على أن “الجمعيات ومجموعات المناقشة على الإنترنت تمثل للنساء نقطة انطلاق جيدة ليفهمن أنهن لسن وحدهن في هذا الموقف وأنه تتوفر حلول لمشكلتهن”.

طلب المساعدة

تعد عزلة الأمهات أحد العوامل المساهمة في إصابتهن باكتئاب ما بعد الولادة. ولا نتحدث عن العزلة الجغرافية الناتجة عن تفكك العائلات أو بسبب الوضع الصحي للأمهات في فترة النفاس فقط؛ وإنما نتحدث عن العزلة النفسية أيضاً لأن هؤلاء النساء اللائي يشعرن بالخزي يملن إلى عزل أنفسهن عن أحبائهن ليثبتن لأنفسهن أنهن سينجحن في تجاوز هذه المحنة بمفردهن، ويتجنبن نظرات الآخرين.

تتذكر “ماتيلديه بوشو” التي تنصح بكسر العزلة بأي وسيلة ممكنة: “إن تربية الطفل تتطلب مساعدة قرية بأكملها”. لا تكتفي بالتحدث مع زوجك؛ وإنما مع أصدقائك وعائلتك إذا لم تكن علاقتك معهم متعبة أو تشوبها الخلافات. قد تتحدث بعض الأمهات مع ممرضة ترتحن بالتواصل معها، أو موظف تدخل اجتماعي، أو فرد من العائلة، أو صديقة لا تحكم عليهن، أو القابلة التي تتولى العناية بالنواحي الصحية للأم بعد الولادة. تتذكر “ناتالي بيكيه” بقولها: “هذه الجلسات مفيدة على الصعيدين الجسدي والنفسي”. قد توجّه هذه الحوارات المبدئية الأم إلى التحدث مع آخرين متخصصين ويعلمون كيف يتعاملون مع كل حالة. قد تحصل على استشارة من “مركز يقدم خدمات استشارية للحوامل” (PMI) أو من مركز صحي أو ورشات عمل نهارية، أو تلجأ لإقامة قصيرة في وحدة العناية بالأم والطفل ضمن مستشفى، أو لمتابعة دورية مع طبيبة نفسية أو معالجة نفسية (حتى لو عن طريق مكالمات الفيديو).

تذليل العقبات

يعتمد ذلك على الأسباب الجذرية لهذا الاضطراب، فكل أم حسب قصتها قادرة في جلسة واحدة على كشف العقبات التي تواجهها المرتبطة بصدمات تعرضت لها في طفولتها أو بفترة حملها التي كانت مثيرةً للقلق أو مشاكل تتعرض لها في الحياة الزوجية أو المهنية وغير ذلك. تقول “ناتالي بيكيه”: “يحدث أن يختلط اكتئاب ما بعد الولادة باضطرابات أخرى مثل اضطراب ما بعد الصدمة الناتج عن ولادة عسيرة، والاكتئاب الهوسي”. في هذه الحالات لا بد من تلقي العلاج المناسب.

حتى الأمهات اللائي يشعرن بأنهن “منعزلات” عن طفلهن ويؤدين واجباتهن اتجاهه فقط سيكن قادرات بمساعدة المتخصصين على استعادة ثقتهن بغريزة الأمومة لديهن من خلال إعادة إنشاء الروابط بينهن وبين أطفالهن؛ مثل الابتسامات والنظرات والتلاحم، من خلال اللعب معهم أو العناية بهم.

إذا لزم الأمر توصف أيضاً للأمهات علاجات مضادةً للاكتئاب لفترة قصيرة تتيح لهن استرداد طاقتهن وقدرتهن على النوم اللازمتين لتستعدن زمام السيطرة.

باختصار؛ لا تحتاج النساء إلا إلى الدعم المناسب لتتعافين من اكتئاب ما بعد الولادة.

ملاحظة: عموماً يتحسن اكتئاب ما بعد الولادة بطبيعة الحال عندما تنتهي مرحلة الأمومة الأولية ويكبر الطفل لأن الأم حينها تجد مساحةً أكبر لنفسها، خاصةً في مجال العمل. لكن يشير الخبراء إلى أن ترك هذا الاضطراب دون علاج يمكن أن تكون له عواقب وخيمة؛ إذ يمكن أن يتطور إلى شكل أخطر و/أو تكون له عواقب طويلة الأمد على نضج الطفل والروابط الأسرية، أو حتى يمكن أن يصيب الأم مجدداً عند حملها في المستقبل.

اعتني بنفسك

النصيحة واضحة لكن الأمهات اللائي يعانين من اكتئاب ما بعد الولادة ينغمسن في ضيقهن لدرجة أنهن غالباً ما يهملن احتياجاتهن الخاصة؛ مثل إعداد قوائم طعام متوازنة وشهية والنوم لساعات كافية، ممارسة الرياضة وتخصيص وقت لإعادة تأهيل عضلات بطنها وجسدها، طلب الأم ممن حولها العناية بالطفل من وقت لآخر، الاستمتاع بنزهة رومانسية، قضاء أمسية في مشاهدة فيلم تحبه، زيارة مصففة الشعر، شراء بعض الملابس، الاستحمام، وما إلى ذلك. افعلي أي شيء يتيح لك التعافي من الناحية الجسدية ويساعدك على استعادة ثقتك بنفسك. وطبعاً افعلي كل ذلك دون أن تشعري بالذنب.

“الممارَسات التي ساعدتني على الخروج من حالة الاكتئاب”

فيما يلي أهم نصائح من أمهات أصبن باكتئاب ما بعد الولادة للتعافي منه:

كوثر ذات الـ 35 عاماً والدة لهناء التي يبلغ عمرها سنتين: “لقد شعرت بدعم هائل عند قضائي يوماً من وقت لآخر في وحدة العناية بالأم والطفل مع أمهات أخريات يعانين من مشاكل نفسية؛ إذ كنت أرى أنني لست الوحيدة التي أعاني من ذلك. كنت أستشير طبيباً نفسياً في كل مرة، كما كنت أدردش مع الممرضات وأجمع معلومات حول نوم الأطفال وأغذيتهم وأشارك في ورش عمل للاسترخاء. كانت الأيام التي أمضيها في الوحدة هي “أيامي السعيدة” الوحيدة لذلك كنت أزورها دورياً. كما ساعدني الجري على تفريغ المشاعر السلبية كثيراً”.

لين ذات الـ 32 عاماً والدة كمال ذو الـ7 سنوات ورامي ذو الـ5 سنوات: “لا ترهقي نفسك فوراً برغبتك في الرجوع كما كنت قبل الولادة بوضع مساحيق التجميل ولديك طفل حديث الولادة عليك أن تعتني به، لكن لا بأس أيضاً ألا تجيبي على 80 رسالة تهنئة وصلتك وألا تستقبلي فوجاً من الأصدقاء في نهاية كل أسبوع لأنهم يرغبون في “رؤية الطفل”. جربي علاج إزالة الحساسية وإعادة المعالجة عن طريق حركة العين (EMDR) لفهم العوائق التي تزعجك”.

هلا ذات الـ 33 عاماً والدة آدم وياسر ذوي الـ8 أشهر ونصف: “تواصلي مع إحدى الجمعيات (أنا تواصلت مع جمعية “أحزان الأم” (Maman blues)) للتحدث مع أمهات أخريات يتألمن أيضاً. نُسَرّ عندما ندرك أن إحساسنا طبيعي ولسنا كائنات غريبة. استعيني بتطبيق “ليتيل بامبو” (Little bamboo) لتتمكني من العودة إلى النوم. اعتني بنفسك، تناولي علاجاً مهدئاً من الأعشاب، نوعي وجباتك، أعيدي تأهيل عضلات بطنك، واعهدي بعناية طفلك لمن تثقين بهم لقضاء أمسية خاصة بك بين الفينة والأخرى.

المحتوى محمي !!