ينصح العديد من الأطباء والأخصائيين النفسيين بالاحتفاظ بدفتر يوميات لتسجيل المشاعر المختلفة التي يشعر بها الفرد خلال يومه، والأفكار التي تدور بخلده. إن لكتابة تلك المذكرات دوراً مهماً في تتبع المشاعر التي قد تتشابك بداخلنا أحياناً؛ ما قد يجعل الصورة ضبابية دون معرفة السبب الحقيقي وراء تلك الحالة.
في بعض الأوقات؛ قد يبدو أننا محكومون بتلك المشاعر التي تُملي علينا خيارات وإجراءات بعينها، وتقصينا عن أخرى نتيجة لردود الأفعال الفيزيولوجية والنفسية القوية الناتجة عنها. لذلك، فشعور قوي كالخوف؛ والذي يؤثر بدوره في الصحة الجسدية والنفسية، يجب وضعه تحت المجهر لفهمه جيداً ومعرفة كيفية التعامل معه.
المشاعر الأساسية
في البداية؛ يجب التعرّف إلى المشاعر الأساسية التي نختبرها على مدار حياتنا بدرجات وأشكال مختلفة؛ والتي تنتج عن تفاعلها معاً مشاعر أخرى فرعية.
هناك 6 مشاعر أساسية يمر بها كل منّا تؤثر على سلوكنا؛ السعادة، والحزن، والاشمئزاز، والخوف والمفاجأة، والغضب.
تؤثر هذه المشاعر على طريقة عيشنا وتفاعلنا مع الآخرين.
لا تعمل تلك العواطف بمعزل عن بعضها البعض؛ حيث يمكن الجمع بينها لتشكّل مشاعر مختلفة. وضع عالم النفس روبرت بلوتشيك "عجلة المشاعر" التي تشير إلى إمكانية الجمع بين عدد منها لتشكيل مشاعر مختلفة، تماماً مثل الألوان التي يمكن مزجها معاً لخلق ظلال أخرى، فالمشاعر الأكثر تعقيداً والمختلطة في بعض الأحيان تكون مزيجاً من هذه المشاعر الأساسية.
الخوف
الخوف هو عاطفة قوية واستجابة لتهديد مباشر أو تهديدات متوقعة، أو حتى مجرد أفكار حول الأخطار المُحتَمَلة. في حين يجد البعض في تلك العاطفة تهديداً لصحته النفسية، يبحث آخرون عن مواقف تثير ذلك الخوف؛ مثل الرياضات الخطرة وغيرها من أنواع الإثارة المحفّزة له.
أيضاً؛ يمكن أن يكون الخوف أحد أعراض بعض اضطرابات الصحة النفسية مثل اضطراب الهلع، واضطراب القلق الاجتماعي، والرهاب، واضطراب ما بعد الصدمة (PTSD).
يمكن أن يؤدي الخوف دوراً مهماً في البقاء على قيد الحياة، فعندما نواجه نوعاً من الخطر ونختبر الخوف، تصبح العضلات متحفزة، ويصبح العقل أكثر يقظة؛ ما يهيئ الجسم إما للهرب من ذلك الخطر أو الوقوف والقتال - فيما يُعرف باستجابة الكر والفر.
الاستجابة الفيزيولوجية والعاطفية للخوف
تساعد استجابة الجسم للخوف على ضمان استعدادنا للتعامل بفعالية مع التهديدات في البيئة المحيطة، وهي تنقسم إلى نوعين:
1. استجابة جسدية
عندما نواجه تهديداً محسوساً، تتمثّل ردود الفعل الجسدية في زيادة التعرّق، وارتفاع معدل ضربات القلب، وارتفاع مستويات الأدرينالين التي تجعلنا في حالة تأهب قصوى. كما تشمل الأعراض الشائعة للخوف الشديد ألم الصدر، والقشعريرة، وجفاف الفم، والغثيان، وضيق التنفس، بالإضافة إلى الرجفة، واضطراب المعدة.
2. استجابة عاطفية
من ناحية أخرى، فإن الاستجابة العاطفية للخوف شخصية للغاية؛ حيث أن الخوف ينطوي على بعض التفاعلات الكيميائية في أدمغتنا مثل المشاعر الإيجابية كالسعادة والإثارة؛ ما قد يجعله في بعض الأحيان شعوراً مُحبَباً وممتعاً للبعض، فبعض الناس يبحثون عن الإثارة، ويزدهرون في الرياضات الخطرة وغيرها من المواقف التي تثير الخوف، بينما يُعرض آخرون عن ذلك؛ حيث يكون لديهم رد فعل سلبي على الشعور بالخوف؛ ما يجعلهم يتجنبون المواقف المسببة له بأي ثمن، فقد يسبب لهم الشعور بالإرهاق أو الانزعاج، والشعور بفقدان السيطرة أو الموت الوشيك.
علاوة على ذلك؛ قد لا يتناسب مستوى الخوف الذي نشعر به مع شدة التهديد في كل الأحوال، كما أنه يختلف من شخص لآخر. على سبيل المثال؛ إذا كنت تعاني من القلق لفترات طويلة، فقد تشعر بالخوف من المواقف التي لا تشكل في الواقع تهديداً حقيقياً، على الرغم من أن ذلك لا يجعل الخوف أقل واقعية.
كذلك؛ لا يشعر جميع الأفراد بالخوف بنفس الطريقة، فقد يكون بعض الأشخاص أكثر حساسية تجاه الخوف، وقد تكون مواقف أو أشياء معينة أكثر تحفيزاً لتحريك هذه المشاعر.
اقرأ أيضا:
الطرق المثلى للتعامل مع الخوف
الخوف هو عاطفة طبيعية تماماً؛ لكن يجب تحجيمه لكي لا يضر بحياتك وممارستك للأنشطة المختلفة. فيما يلي بعض الخطوات والنصائح التي يمكنك اتخاذها للمساعدة في التغلب على الخوف في الحياة اليومية؛ والتي تركز على إدارة الآثار الجسدية والعاطفية والسلوكية للخوف:
1- واجه الخوف بدلاً عن تجنبه
إذا كنت تخشى شيئاً ما، سواء كان مناقشة جادة أو مقابلة أشخاص جدد أو قيادة سيارة، فمن الطبيعي أن ترغب في الابتعاد عن مصدر خوفك؛ لكن هذا يمكن أن يجعل خوفك أسوأ في كثير من الأحيان. عوضاً عن ذلك؛ حاول مواجهة مخاوفك بأمان.
على سبيل المثال؛ إذا شعرت فجأة بالخوف من القيادة، فارجع في سيارتك وقم بالقيادة مرة أخرى على الفور، مع البقاء بالقرب من المنزل في البداية إذا كان ذلك مفيداً؛ لكن لا تتجنب الأمر برمَّته.
2- شتّت نفسك عن خوفك
في بعض الأحيان؛ يمكن أن يصبح الخوف شديداً للغاية بحيث يصعب التفكير في أي شيء آخر. لكن اجترار الأفكار أو تركها تتكرر يمكن أن يكون له تأثير سلبي على صحتك النفسية؛ ما يجعل الخوف أسوأ.
إذا كنت تشعر أنك تركز على القلق أو مصدر التوتر، فجرب شيئاً يصرف الانتباه كالاستماع إلى كتاب صوتي، أو طبخ وصفة جديدة تحتاج بعض التركيز، أو اذهب للتمشية أو الركض مع سماع الموسيقى.
3- فكر في الخوف بطريقة منطقية
خذ لحظة للتفكير في خوفك. هل هناك أي شيء يمكنك القيام به حيال ذلك؟ هل يمكن أن يؤذيك فعلاً؟ ما هو أسوأ شيء يمكن أن يحدث إذا تحقق خوفك؟ فمعرفة كيف ستتعامل مع خوفك يمكن أن تساعدك على تقليل شعورك بالخوف.
4- احصل على الدعم الاجتماعي
يمكن أن يساعدك وجود أشخاص داعمين في حياتك على إدارة مشاعر الخوف لديك.
5- مارس اليقظة الذهنية والتأمل
في حين أنه لا يمكنك دائماً منع الشعور بالخوف، فإن اليقظة الذهنية يمكن أن تساعدك على إدارة تلك المشاعر القوية واستبدال الأفكار السلبية بأخرى أكثر إيجابية.
6- استخدم تقنيات إدارة الإجهاد
تشمل تلك التقنيات التنفس العميق، واسترخاء العضلات التدريجي، والتخيل.
7- اعتنِ بصحتك
تناول طعاماً جيداً، ومارس التمارين الرياضية بانتظام، وكذلك حاول أن تحصل على قسط كافٍ من النوم كل ليلة.
وأخيراً؛ إن الخوف هو عاطفة إنسانية مهمة يمكن أن تحميك من الخطر، وتساعد في المحافظة على سلامتك، وإعدادك لاتخاذ القرارات اللازمة في بعض المواقف؛ لكن من المهم معرفة تأثير الخوف على صحتك وكيفية إدارته والتحكم به، وعدم تركه ينفذ لداخلك ليسيطر بشكل كامل على حياتك.
اقرأ أيضا: