هل يمكن أن تسبب مواقع التواصل الاجتماعي إدماناً حقيقياً؟

إدمان مواقع التواصل الاجتماعي
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

تُعجب بمنشور على “فيسبوك”، وتنشر تغريدة على “تويتر”، ثم صورة شخصية على “إنستغرام”، دون أن تنسى بالطبع تحديث ملفك الشخصي على “لينكد إن”. نحن نزيد يومياً من معدل استخدامنا لمواقع التواصل الاجتماعي. لكن متى يصبح هذا الاستخدام مشكلة؟ ألا يخفي سلوك الاستخدام المحموم هذا إدمان مواقع التواصل الاجتماعي؟

ثلاثة مواقع تواصل اجتماعي، هو متوسط عدد المواقع التي اشتركنا بها منذ بدأنا استخدام هذه المنصات على الإنترنت؛ وذلك وفقاً لدراسة أجرتها مدياميتري حول منصات “فيسبوك”، و”إنستغرام”، و”تويتر”، و”لينكد إن”، و”فاين”. ومثلما لم نعد نحسب عدد المواقع التي نشترك بها، فإننا لم نعد نحسب أيضاً الوقت الذي نقضيه في تحديث ملفنا الشخصي أو إعادة نشر تغريدات أصدقائنا أو مشاركة الصور من إجازتنا الأخيرة. وبين 5 دقائق نقضيها على هذه المنصة و5 دقائق على تلك، نجد أننا نقضي ما لا يقل عن ساعتين يومياً خلف شاشة الكمبيوتر أو الهاتف المحمول أو الجهاز اللوحي؛ وذلك وفقاً لآخر تقرير صادر عن وكالة “وير سوشال”. ولا نعتقد أن الإدمان على مواقع التواصل الاجتماعي مرتبط فقط بفئة الشباب التي تنشط على هذه المواقع بصورة كبيرة، فقد حذّر الصحفي جاي بيرمباوم في شهادة له مؤخراً، بعد أن وقع ضحية للاحتراق النفسي الذي ساهم فيه استخدامه المفرط لتويتر إلى حد كبير، من المخاطر المحتمَلة -التي غالباً ما يتم تجاهلها- نتيجة زيادة استخدام منصات التواصل الاجتماعي، خاصةً خلال نوبات الهشاشة النفسية التي قد يتعرض لها الفرد في أي مرحلة عمرية.

إذاً هل نعاني جميعاً من إدمان مواقع التواصل الاجتماعي دون أن ندري؟ وكيف نفهم هذا التأثير شبه الإدماني الذي تمارسه هذه المواقع علينا؟ يجيبنا عن ذلك مايكل ستورا؛ مختص علم النفس والتحليل النفسي والعوالم الرقمية.

هل إدمان مواقع التواصل الاجتماعي موجود؟

لم يتم التعرّف على مفهوم الإدمان الافتراضي من قبل أي هيئة علمية، سواء من قبل الأكاديمية الفرنسية للطب، أو الجمعية الأميركية للطب النفسي من خلال الإصدار الخامس للدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات العقلية (DSM 5)؛ وهو الدليل المرجعي للجمعية. وفي الواقع، فأنا كطبيب، لم أرَ مريضاً بسبب إدمان مواقع التواصل الاجتماعي من قبل. عند الحديث عن سلوك الإدمان، فإننا نفترض عادةَ انهيار الروابط الاجتماعية لدى الفرد الذي يعاني منه، بينما في إطار إدمان مواقع التواصل الاجتماعي، فإن الفرد يستمر في عيش حياته، ومغادرة منزله، والذهاب إلى العمل… ومع ذلك، فإن هذا لا يمنع بعض الأشخاص من ممارسة سلوك قهري في أثناء استخدامهم لهذه المواقع؛ مثل التحقق بطريقة شبه هوسية من أنه تم التعليق على منشورهم.

كيف نفسر حاجة الفرد القهرية لمواقع التواصل الاجتماعي ومتى تصبح مشكلة؟

هناك سبب وراء إدمان الفرد لوسائل التواصل الاجتماعي، ولفهم هذه السلوكيات القهرية؛ يجب أن ننظر إلى ما يبحث عنه الشخص في هذه المواقع، وهو بناء علاقة مع الآخرين. ومع ذلك، فإن هذه الحاجة إلى الآخر موجودة منذ فجر التاريخ، وتعد الجمعيات التي تُعنى بمساعدة مرضى الاعتماد العاطفي دليلاً على ذلك. ولا أعتقد أن سلوك الاستخدام المفرط لمواقع التواصل الاجتماعي سيظل حكراً على المراهقين أو “الأطفال الأكبر سناً”؛ إذ إن تأثيره قد يمتد ليشمل البالغين أيضاً. وإذا كان المراهق -من خلال هذا الاستخدام المكثف لوسائل التواصل الاجتماعي- يجد هويته التي يبحث عنها، ويسعى للحصول على اعتراف من أقرانه بهذه الهوية، فكيف سيكون الحال إذا سلك رجل أو امرأة في سن الـ 40، ولديهم عائلة ووظيفة، سلوكاً مماثلاً؟ وهو ما بدأنا نلاحظه بالفعل.

أما بالنسبة لتحديد متى يصبح هذا الاستخدام مشكلة، فمن الصعب جداً تحديد “إساءة استخدام مواقع التواصل الاجتماعي”. يمكن اعتبار أن الدخول إلى هذه المواقع كل 30 دقيقة أمراً زائداً عن الحد؛ لكن هنالك معايير أخرى تختلف من فرد لآخر مثل لماذا يدخل هذا الشخص إلى مواقع التواصل كثيراً؟ عن ماذا يبحث؟ هل هو مستخدم سلبي أم يشارك الموضوعات خلال استخدام هذه المواقع؟

في فرنسا، كشف استخدام مواقع التواصل الاجتماعي عن نمط المستخدم “المتلصص”، إذ لدينا ثقافة سائدة وهي أن “العيش متخفياً أمر ضروري لتنعم بحياة جيدة”، وبينما نولي اهتماماً مركّزاً للصورة التي نعطيها عن أنفسنا على مواقع التواصل، فإننا نحاول أيضاً مراقبة الآخرين من جميع الزوايا الممكنة، وهذا هو سلوك “التلصص” الذي نتحدث عنه، ويبدو أن مشاهدة التلفاز طوال العقود الماضية ساهمت في تعزيز هذه الرغبة في مراقبة الآخرين. وفي حين أن مواقع التواصل الاجتماعي تلبي هذه الحاجة إلى “التلصص على الآخرين”، فإنها تتيح من جهة أخرى إظهار النفس والتباهي بها، ويكشف ذلك عن هشاشتنا “النرجسية” المرتبطة بثقافة حديثة النشأة تمجّد السعي نحو المثالية والأداء والنجاح بأي ثمن كان؛ إذ نبحث في هذه المواقع عن المكافآت التي سترضي نرجسيتنا وتجعلنا نشعر بتحسن، وذلك من خلال رسم الصورة التي نقدمها للآخرين عن أنفسنا، أو حتى التلاعب بها لصالحنا. ويكشف استخدامنا لمواقع التواصل الاجتماعي والهاتف المحمول، عن عدم قدرتنا على أن نكون بمفردنا، وبما أن الإنترنت يتيح للجميع الاتصال على مدار 24 ساعة في اليوم، و7 أيام في الأسبوع، تأتي مواقع التواصل الاجتماعي لسد مخاوف الوحدة هذه وملء هذا الفراغ النفسي وتخفيف مواطن الضعف في أنفسنا.

ألا يتطور سلوك التواصل الاجتماعي الرقمي على حساب اللقاءات والروابط الاجتماعية الواقعية؟

بكل تأكيد، وخاصة بالنسبة للمراهقين الذين يستخدمون مواقع التواصل الاجتماعي بكثرة؛ إذ يعتمدون على هذه المنصات في تنظيم أمسياتهم أو التخطيط لحفلاتهم الموسيقية على سبيل المثال. ولا يمكن لأي من وسائل التواصل هذه أن تضاهي التنشئة الاجتماعية الواقعية، وفي أحسن الأحوال؛ يمكن استخدام الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي كوسيلة للّقاء. ويُعتبر الانتقال من الواقع الافتراضي إلى الحياة الاجتماعية الواقعية عملية صحية، حتى لو تسبب ذلك بخيبة أمل لنا. على سبيل المثال: قد نجد أن شكل الشخص الذي نعرفه على مواقع التعارف، مختلف في الواقع عن شكله في صورة ملفه الشخصي التي نعرفها، أو نكتشف أنه ليس بمقدورنا إجراء محادثات في الواقع مماثلة لتلك التي كنا نجريها معه عبر الإنترنت. إذاً قد يتجنب بعض الأشخاص هذا الانتقال إلى الواقع خوفاً من أن يصابوا بخيبة أمل؛ ولكن حصر الفرد لنفسه في التنشئة الاجتماعية الافتراضية قد يكشف عن أنه يعاني من الرهاب الاجتماعي، لذا فهو يسعى لتجنب “الوجود المادي” للآخر.

ما هي النصيحة التي يمكنني تقديمها للآباء القلقين بشأن الوقت الذي يقضيه أطفالهم على المواقع الاجتماعية؟

إذا كنت ترى أن طفلك أو ابنك المراهق يستخدم هذه المواقع بإفراط، خاصة إذا كانت هناك علامات على انهيار الروابط الاجتماعية لديه، فلا تتردد في طلب المساعدة من طبيب نفسي أو مختص تحليل نفسي، على أن يكون متفهماً لمسألة استخدام المنصات الرقمية. علينا أن نحاول فهم لماذا يجد الطفل ملاذاً في استخدام الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي – هل يحاول الهروب من شيء ما، أم يبحث عن إجابات لأسئلة معينة تواجهه؟

وما الذي يعنيه الاستخدام المفرط لمواقع التواصل الاجتماعي بالنسبة للمتزوجين؟

يدل هذا السلوك على وجود خلل في العلاقة الزوجية، أو مشكلة لدى أحد الزوجين. في الحالة الأولى؛ يجب أن يحاول الزوجان إعادة التفاعل إلى العلاقة قبل أن يخمد الحديث والحوار بينهما تماماً، لأن ذلك عادة ما يشير إلى نهاية العلاقة الزوجية، ثم يجب العمل على إعادة التواصل بين الطرفين من خلال إقامة أنشطة مشتركة – على سبيل المثال. أما في الحالة الثانية، فغالباً ما تؤدي هذه المواقع دوراً مضاداً للاكتئاب لدى الفرد؛ ما يعني أن الشخص يعاني من حالة نفسية سيئة، ويبحث عن طريقة لتجنب مشاكله. ويمكن أن يكون شريكه عوناً له لمعرفة سبب عدم ارتياحه، والعمل معه على الوصول إلى حل لهذه المشكلة.

error: المحتوى محمي !!