حين يشكو لك أحد أصدقائك من أن أعراض الاكتئاب تتسلل إليه أو تزداد حدة، ويريد أن يبقى وحده بالمنزل، فقد تنصحه بتلقائية بعدم المكوث في المنزل طويلاً، والاختلاط بالناس وممارسة أنشطته اليومية عوضاً عن ذلك؛ حيث يمكن لذلك أن يحسّن من حالته النفسية.
في حين تنطق بهذه النصيحة بعفوية، إلا أنها مستندة إلى أساس علمي أشارت إليه دراسة حديثة من جامعة "كينجز كوليدج لندن" (King’s College London) والمنشورة في 28 يناير/كانون الثاني 2022، التي أوضحت نتائجها إلى وجود ارتباط بين قضاء المزيد من الوقت في المنزل وزيادة حدة أعراض الاكتئاب.
عوامل تزيد من الإصابة بالاكتئاب
بحسب منظمة الصحة العالمية (WHO)، يعاني نحو 280 مليون شخص حول العالم من "أعراض الاكتئاب"، ويرتبط الاكتئاب عموماً بعدد من العوامل التي تشمل الصحة الجسدية والنفسية والعوامل الاجتماعية.
على سبيل المثال، وبحسب موقع كليفلاند كلينيك، فالاكتئاب هو أحد أكثر المضاعفات شيوعاً للأمراض المزمنة: كالسكري وأمراض القلب والتهاب المفاصل. وتشير التقديرات إلى أن ما يصل إلى ثلث الأفراد الذين يعانون من مرض مزمن يعانون أيضاً من أعراض الاكتئاب.
كذلك، قد تؤدي بعض أحداث الحياة المُجهِدة؛ مثل الانفصال عن الشريك أو فقدان العمل، إلى زيادة احتمالية الإصابة بالاكتئاب، فوفقاً لدراسة أميركية أُجريت عام 2019 ونُشرت في مجلة علم نفس الصحة المهنية (Journal of Occupational Health Psychology)، فإن الأشخاص العاطلين عن العمل يفقدون التمتُّع بالمزايا المتعلِّقة بالوظيفة؛ مثل وجود هيكل زمني واضح والتواصل الاجتماعي والمكانة الاجتماعية التي يكتسبها الفرد من وظيفته؛ ما يساهم في زيادة الاكتئاب.
البقاء بالمنزل والاكتئاب
أظهرت نتائج دراسة صينية أُجريت على 2,392 مشاركاً لتحديد أكثر مشاكل الصحة العقلية التي عانى منها الأفراد نتيجة مكوثهم في المنزل لفترات طويلة بموجب سياسة "البقاء في المنزل" التي تبعت تفشي جائحة "كوفيد-19"، إلى معاناة 60.11% من المشاركين من الاكتئاب.
كذلك، كشفت الدراسة الحديثة التي بحثت الرابط بين البقاء بالمنزل لفترات طويلة وزيادة أعراض الاكتئاب، أن الأشخاص المصابين باضطراب اكتئابي شديد (Major Depressive Disorder) والذين أمضوا وقتاً أطول في المنزل خلال فترة أسبوعين، قد أبلغوا عن أعراض أكثر حدة للاكتئاب.
جمع الباحثون بيانات من 164 مشاركاً يعانون من الاكتئاب باستخدام بيانات تحديد الموقع الجغرافي التي تم الحصول عليها من الهواتف الذكية والأجهزة القابلة للارتداء؛ مثل أجهزة تتبُّع اللياقة البدنية، والساعات الذكية، وسماعات الرأس المعززة بخاصية (AR)، وتمكنوا من تحديد مقدار الوقت الذي يقضيه كل مشارك في المنزل.
تم اختيار المشاركين من ثلاثة مواقع للدراسة: 109 مشاركين من (King’s College London) في المملكة المتحدة، و17 من (Vrije Universiteit Medisch Centrum) في أمستردام بهولندا، و38 من (Centro de Investigación Biomédica en Red) في برشلونة بإسبانيا.
اقرأ أيضا:
فقدان العمل وزيادة حدة أعراض الاكتئاب
وجد الباحثون أن حدة أعراض الاكتئاب تزداد خلال أيام الأسبوع؛ حيث قضى المشاركون في المتوسط 20.9 ساعة في اليوم بالمنزل، مقارنة بعطلات نهاية الأسبوع حيث قضوا في المتوسط 22.3 ساعة.
تم العثور أيضاً على رابط بين أعمار المشاركين وشدة أعراض الاكتئاب؛ حيث يقضي كبار السن، والأكثر تضرراً من تلك الأعراض، وقتاً أطول في المنزل.
علاوة على ذلك، أشار الباحثون إلى دور عوامل أخرى؛ مثل فقدان العمل الناتج عن خفض العمالة وزيادة قضاء الوقت بالمنزل، في زيادة حدة أعراض الاكتئاب؛ حيث أبلغ المشاركون العاملون عن قضاء متوسط 19.7 ساعة في اليوم بالمنزل، مقارنة بالمشاركين العاطلين عن العمل بمتوسط 22.6 ساعات في اليوم.
اقرأ أيضاً: لماذا يؤثر الاكتئاب على النساء والرجال بشكل مختلف؟
تقول الدكتورة بيترولا لايو، المؤلفة الأولى للدراسة: "أظهرت النتائج التي توصلنا إليها أن العمر وما إذا كان الشخص يعمل يؤثر على قوة الارتباط بين شدة أعراض الاكتئاب الرئيس والإقامة في المنزل. هذه النتائج ذات أهمية كبيرة لتفسير الدراسات المماثلة التي أجريت في الماضي أو التي سيتم التخطيط لها في المستقبل للتأكد من أننا نأخذ بعين الاعتبار العوامل المختلفة المؤثرة في العلاقة بين الوقت الذي يقضيه المرء في المنزل والاكتئاب".
وتضيف أن العمل المستقبلي سيحقق فيما إذا كان يمكن استخدام التغيرات في مدة البقاء بالمنزل للتنبؤ بحدوث الانتكاسات في اضطراب الاكتئاب، والذي يمكن أن يوفر في النهاية نهجاً مهمّاً لمراقبة شدة الأعراض بطريقة مستمرة وغنية بالمعلومات.
اقرأ أيضاً: مضادات الاكتئاب ليست دائماً الحل الأمثل لعلاج الاكتئاب
خطوات بسيطة وفعّالة لعلاج الاكتئاب
في حين يمكن للاكتئاب أن يستنزف طاقة الفرد ويشعره بالفراغ والإرهاق الدائم، إلا أن هناك بعض الخطوات الفعّالة لتقليل حدة أعراضه.
إذا كنت تعاني من أعراض الاكتئاب، إليك بعض النصائح؛ وفقاً للكاتبة كيمبرلي هولاند على موقع هيلث لاين، التي يمكن أن تعمل جنباً إلى جنب مع العلاج الذي يصفه الطبيب المختص:
- إذا كانت تمر بيوم صعب أو أحداث مُجهِدة، من الأفضل عدم كبح مشاعرك القوية، فهذه الطريقة غير صحيحة. عليك أن تسمح لنفسك أن تشعر بالعواطف المختلفة من دون التفكير بها مراراً وتكراراً.
- عندما تزداد حدِّة المشاعر التي قد تزيد من أعراض الاكتئاب، دوِّنها. فرؤية الأحداث التي تمر بها والمسبِّبَة الاكتئاب بشكل واضح ستكون مفيدة لك لمعالجتها بطريقة صحيحة.
- اعلم أن اليوم ليس مؤشراً على الغد، كما أن مزاج اليوم أو عواطفه أو أفكاره لا تنتمي إلى الغد أيضاً. فإذا فقدت فرصة مهمة اليوم، يمكن أن تحاول غداً مرة أخرى وتحصل على النتيجة التي تريدها.
- تقييم كل جزء على حدة بدلاً من التعميم؛ حيث يمكن للاكتئاب أن يفسد طريقة تفكيرك. قد تجد نفسك تركِّز على الشيء الوحيد الذي حدث بشكل خاطئ بدلاً عن الأشياء العديدة التي سارت بشكل صحيح. لذلك، حاول إيقاف هذا التعميم المفرط.
وأخيراً؛ افعل عكس ما يمليه عليك "صوت الاكتئاب"، فقد يحول الصوت السلبي غير العقلاني في رأسك دون السعي لطلب المساعدة. لذلك؛ إذا تمكّنت من التعرُّف إليه، فيجب استبداله فوراً واستخدام المنطق بمعالجة كل أمر عند حدوثه على حدة.
اقرأ أيضا: ما هو الاكتئاب الخفيف؟ وكيف يمكن علاجه؟