بالرغم أنه لم يكن بمقدورها تحمّل التكلفة؛ اشترت امرأة غاضبة من زوجها ذات مرة حصاناً وسيارة وقارباً في عطلة نهاية أسبوع واحدة، والغريب في قائمة هذه المقتنيات أنها كانت كلّها عبارة عن وسائل نقل! "ومن الشراء الاندفاعي ما يُفرغ الحسابات البنكية ويُراكم الديون" حقيقة يمكن أن نعاينها في أنفسنا والآخرين حين تسيطر علينا مشاعر الغضب أو الحزن أو حتى الفرح، فنميل إلى التعبير عنها بقوة قد تكون مدمّرة أحياناً عن طريق اتخاذ قرارات شراء متهوّرة قد نندم عليها لاحقاً.
لكن خبراء علم النفس يفككّون معالم هذه الحالة التي تؤثّر في طريقة إنفاقنا للمال؛ حيث إنها قد ترتبط بشكل وثيق بمشكلات الصحة النفسية مثل الاكتئاب، فيقترحون علينا 3 استراتيجيات نفسية تمكّننا من تجنّب المخاطرة المالية والسيطرة على الرغبة الملحّة للشراء غير المبرّر.
ما الشراء الاندفاعي؟ وما الذي يحفزه؟
يمكن تعريف الشراء الاندفاعي (Impulsive Buying) بالميل إلى اتخاذ قرارات الشراء بناءً على العواطف والمشاعر ودون تخطيط مسبق. وغالباً يحاول المسوقون الاستفادة من سلوك العملاء المبني على الشراء الاندفاعي لزيادة المبيعات.
وتؤكّد المعالجة النفسية والمتخصصة في علم نفس المال، جويس مارتر (Joyce Marter) إنها عاينت من خلال مهنتها كيف تؤدي بعض الحالات والاضطرابات النفسية كالاكتئاب وثنائي القطب إلى خسارة الأشخاص لمبالغ مالية كبيرة، وتكبِّد البعض خسارة وظائفهم؛ إذ تسيطر العواطف على أغلب ما نشتريه وما نرغب في إنفاقه شئنا أو أبينا.
ووفقاً لمراجعة بحثية أجرتها الباحثة من المعهد العالي للإدارة بالبرتغال، روزا إيزابيل رودريغيز (Rosa Isabel Rodrigues) وزملاؤها؛ تتضمن الأسباب المحفزة للسلوك الاندفاعي اضطراراً لا يُقاوم للشراء، وانعدام القدرة على تقييم العواقب، فبالرغم من الإدراك المسبق للآثار السلبية لكن الرغبة الكبيرة في تلبية الاحتياج تكون أكثر إلحاحاً.
كما يمكن أن تسهم عوامل أخرى، حسب المراجعة سابقة الذكر، في تحفيز الرغبة الملحّة للشراء؛ مثل الحالة العاطفية للمستهلك في وقت التسوق، ومستوى احترام الذات والرضا عن الحياة لديه، بالإضافة إلى انخفاض قدرته المعرفية لتقييم مزايا عملية الشراء وعيوبها. أما بالنسبة إلى المحفزات الخارجية فهي تشمل بيئة المتجر والتحفيز البصري المستخدم في الحملات الترويجية.
اقرأ أيضاً: كيف تتغلب على هوس التسوق في موسم التخفيضات؟
كيف تعرف أنك تعاني من الشراء الاندفاعي؟
يمكن أن ينقاد أي شخص وراء رغبة شراء منتج أو دفع المال للاستفادة من خدمة معينة؛ لكن الشراء الاندفاعي يمكن أن يصبح مشكلة حقيقية تهدّد الاستقرار المادي والاجتماعي للشخص بوجود بعض الظروف المصاحبة.
ويُعتبر التسوق بهدف تخفيف التوتر إحداها وفقاً للكاتبة شيريل بينتو (Cheryl Pinto)؛ إذ يستمر الشخص باقتناء أغراض لا يحتاجها والشعور بالندم بعد ذلك لأنه أنفق أكثر مما يرغب أو يستطيع تحمل إنفاقه. وما يزيد شعور العار الذي قد يصاحب الحالة النفسية بعد الإنفاق الكبير هو أن سبب التوتر الذي حفّز الرغبة في الشراء في بداية الأمر قد يكون ما يزال موجوداً بعد انتهاء التسوق.
وعن أبرز العلامات لمعرفة إذا كان الشراء الاندفاعي لديك يمثّل مشكلة، تقول الدكتورة في علم النفس التربوي، إليسا روبين (Elisa Robyn): "في كثير من الأحيان لا ندرك ذلك إلا عندما نصل إلى الحد الأقصى في بطاقاتنا الائتمانية، أو عندما يتعذّر علينا دفع فواتيرنا، أو لا تعود لدينا مساحة في منازلنا". وتشير بقولها إلى تأثيرات السلوك الشرائي؛ كامتلاء أماكن التخزين وبيئة العمل بالمقتنيات والأغراض. كما يمكن أن ينطبق ذلك أيضاً في المطبخ المليء بالأجهزة اللطيفة قليلة الاستخدام، أو الخزانة المليئة بالملابس التي نادراً ما ترتديها.
3 استراتيجيات نفسية لمقاومة الشراء الاندفاعي
يمكن أن يكون للاندفاع في الشراء واتخاذ قرارات مالية بناءً على العواطف آثار سلبية طويلة الأمد في الصحة النفسية؛ وذلك وفقاً لجويس مارتر التي توصي أي شخص يعاني من الشراء العاطفي بتعلّم ثلاث استراتيجيات نفسية لتقليل الإنفاق وزيادة الوعي المالي كما يلي:
- تعزيز الوعي المالي: يمكن أن تؤدي خطوة مثل حظر الإنفاق من 7 أيام إلى 21 يوماً في أي مكان تسوق؛ بما في ذلك مواقع التسوق عبر الإنترنت، إلى زيادة الوعي المالي وتوفير بعض النقود. كما تتيح فترة الامتناع عن الإنفاق الإضافي تطوير عادات إنفاق صحية أخرى. وتنصح مارتر بتجنب استخدام بطاقات ائتمان ما أمكن والدفع نقداً مقابل مشترياتك، وحذف تطبيقات التسوق على الهاتف.
- خطة للوقاية من الانتكاس: يتطلّب ذلك تحديد الأشخاص والأماكن والأشياء التي تحفّز لديك الرغبة بالشراء. وتشمل أي شخص أو صديق تحاول إثارة إعجابه على سبيل المثال، أو متابعة المؤثرين على منصات التواصل الاجتماعي، أو حتى وجودك في المركز التجاري، أو تصفح تطبيقات التسوق على الهاتف، ومحاولة تفاديها ما أمكن من خلال بدائل أخرى كالتواصل مع صديق أو معالج نفسي أو الذهاب في نزهة. ولأن تغيير الأنماط القديمة للإنفاق العاطفي يستغرق بعض الوقت؛ قد تتعرّض للانتكاس في محاولة تفادي المحفزّات التي حدّدتها لنفسك سابقاً. يمكنك عندئذٍ ممارسة التعاطف مع ذاتك حتى تتعلّم من تجاربك وتتقدّم في خطتك.
- اليقظة المالية: يُقصد باليقظة المالية ملاحظة والتعرّف إلى دوافعك وراء التسوّق. ويمكن تحقيق ذلك عن طريق تدوين ملاحظاتك حول نمط الإنفاق لديك لمدة أسبوع. ففي كلّ مرّة ترغب فيها بالقيام بعملية شراء، جد لنفسك أجوبة صريحة لأسئلة من قبيل:
- هل إنفاق المال على هذا الغرض أو الخدمة ضروري للغاية؟ إذا لم يكن كذلك، فهل يمكنني تحمله؟
- هل ستقربني هذه النفقات أو تبعدني عن أهدافي الشخصية والمهنية والمالية؟
- هل تتماشى هذه النفقات مع قيمي؟
- هل ينبئني حدسي بأن هذا الشراء ضروري؟
5 بدائل صحية للإنفاق العاطفي في الجمعة البيضاء
ترتبط أغلب رحلات التسوق والشراء بالشعور بالملل أو الوحدة، أو حتى تجنبّاً للتعامل مع مشاعر أو مواقف سلبية. وتعد هذه من سمات ما يسمى بالعلاج بالتجزئة (Retail Therapy) أو العلاج بالتسوق؛ أي طريقة نلجأ إليها لتحسين حالتنا المزاجية لكنّها غالباً ما تخفي مشكلات نفسية أعمق مما قد نتخيّل.
فإن كنت تعتقد إنّ عادة الشراء الاندفاعي لديك ناجمة عن مشكلات أكبر؛ الحلّ الواضح وغير المكلّف يكمن في طلب الاستشارة النفسية.
وفي الوقت نفسه، دعنا نقترح عليك بعض البدائل الصحية للإنفاق العاطفي الذي يمكن أن يسيطر عليك في مواسم العروض والتخفيضات مثل الجمعة البيضاء المعروفة أيضاً بالجمعة السوداء (Black Friday)؛ التي توصي بها المدوِّنة والكاتبة إيدن آشلي (Eden Ashley) من وحي تجربتها الخاصة كشخص نجح في التغلب على مشاكله المرتبطة بالتسوق.
- اسعَ للتجارب: يساعد البحث عن تجارب جديدة كالسفر والمشي أو زيارة المتاحف، على خلق ذكريات إيجابية تدوم لفترة أطول من المشاعر الجيدة التي تحصل عليها عند التسوق وتتلاشى بسرعة.
- تعلَّم مهارة جديدة: يكون مستوى احترام الذات المنخفض أحياناً من بين الدوافع وراء الشراء الاندفاعي. ووفقاً لآشلي؛ أظهرت الدراسات أن تعلّم مهارات جديدة هو حاجة أساسية لعافيتنا النفسية إذ يعزّز الشعور بالتواصل مع الآخرين وثقتنا وتقديرنا لذواتنا.
- أثرِ عقلك بالمعرفة: يمكن أن تزيد المستويات العالية من الفضول لاكتساب المعرفة والخبرات الجديدة من العافية النفسية والقناعة في الحياة.
- كن أكثر وعياً: ويُقصد بذلك الالتزام بأن تعيش في اللحظة الحالية وتركز انتباهك على "الآن". يمكّنك ذلك من البقاء على تواصل مع ذاتك ومحيطك؛ وبالتالي تقليل التوتر وإدارة المشاعر السلبية بشكل أكثر فعالية.
- كن مُنتجاً: قد تنخفض إنتاجيتك حين تلجأ إلى التسوق كوسيلة إلهاء عن واجبات أخرى أو لأخذ قسطٍ من الراحة بعد يوم طويل. يمكنك خلق مساحة هادئة ومنتِجة من خلال تنظيف منزلك وتنظيمه، أو ترتيب خزانة الملابس، أو القيام بتحديث سيرتك الذاتية، وغيرها من الأمور التي ترى أنها تعزّز إنتاجيتك.
يمكنك أن تفهم جيّداً الآن، بعد أن تعرّفت إلى أبرز الدوافع والمحفزات التي ينجم عنها الشراء الاندفاعي، لماذا لا يُنصح بالذهاب إلى المتجر وأنت جائع أو بعد أن احتسيت فنجاناً من القهوة مثلاً. فتلك الحالة المزاجية والعاطفية المحبِطة التي غالباً ما تقودنا نحو المتاجر وتطبيقات التسوق تؤدي دوراً بالغ الأهمية في تحديد نوعية القرارات المالية التي تتخذها. خذ بنصائح الخبراء إذاً، فالاستراتيجيات النفسية الثلاث واقتراحات البدائل الصحية للتسوق قد تنقذ أموالك من مواسم التخفيضات بالفعل.