كيف تتغلب على هوس التسوق في موسم التخفيضات؟

اضطراب هوس الشراء
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

إذا كنت ممن تسيطر عليهم الرغبة في التسوق لدرجة توريط نفسك في أزمات مالية، وإذا كان يعقب كل عملية شراء من هذا النوع شعور قوي بالندم، فثمة احتمال كبير أنك مصاب بإدمان التسوق القهري، أو ما يُطلق عليه “اضطراب هوس الشراء”، وهو اضطراب يصعب التعامل معه أثناء موسم التخفيضات. في المقال الآتي نقدم تفسيراً لهذا النوع من الإدمان مع تدابير للتخلص منه.

ما هو التسوق القهري؟

وفقاً لمعهد الإدمان السلوكي (IFAC) فإن التسوق القهري أو ما يُطلق عليه “اضطراب هوس الشراء” يصيب ما بين 3,4% و6,9% من سكان أوروبا، أما في فرنسا وحدها فإن نسبته تبلغ ما بين 5% و16%، فيما ترتفع النسبة عند الطلبة المولعين بالشراء عبر الإنترنت لسهولة هذا النوع من التسوق وتوفره وسرعته.

في هذا النوع من الاضطرابات تتحوّل عملية الشراء الغايةَ المُطلقة فيما تصير المشتريات مجرد وسيلة لتحقيقها. يستشعر الشخص في بداية الأمر إثارة قوية تدفعه للشراء؛ لكن ما إن يدخل التسوق حيّز التنفيذ وينتهي حتى يطغى على المريض إحساس بالذنب والعار.

من أين ينبع هذا الاضطراب؟ يصعب تحديد مصدر واحد ذلك أن الأسباب تتنوّع؛ لكن يرتبط هذا السلوك الإدماني غالباً بصدمات تعود إلى مرحلة الطفولة أو سنوات المراهقة الأولى.

ترافقه اضطرابات أخرى كاضطراب القلق والأكل والإدمان المتعدد عادةً؛ كما يرتبط غالباً بوجود مرض نفسي عقلي قد يصل حدّ الاكتئاب. توضح المعالجة النفسية والمتخصصة في التحليل النفسي العضوي، ماغالي بور: “يزيد المجتمع الاستهلاكي الذي يسعى خلف المزيد من الإنتاجية والمردودية من انتشار هذه الظاهرة الإدمانية وحِدّتها؛ إذ صارت كل قرارات الشراء في أيامنا هذه محكومة في معظمها بمشاعرنا. ولحد الساعة لا يزال هذا المرض غير معترَف به؛ كما أنه أخذ منحىً جديداً مع ظهور الإنترنت ما بات يستوجب الانتباه وأخذه بجدية وعدم الاستهانة به، ذلك أنه من المرتقب أن يترك آثاراً وخيمة في الصحة العقلية للناس في السنوات القادمة”.

التسوق مهدّئ للقلق

الشراء بالنسبة لمدمن التسوق هو مُحصّلة صراع يندلع بين توتراته النفسية ومخاوفه المُسيطِرة؛ إذ تنطلق شرارته الأولى مع بوادر ظهور أي مشاعر سلبية مثل الغضب أو الإحباط، وهو بذلك يسعى إلى تحويلها إلى شعور إيجابي يجلب بدلاً عن ذلك الهدوء والراحة والسكينة. غالباً ما يقترن الهوس الشرائي بصعوبة التحكم في المشاعر كالغضب والشعور بالذنب والقلق والإحباط والتثبيط وانعدام الشعور المتعة، وإضمار الإحساس بنقصٍ غير محدّد الطبيعة.

وكما هو الشأن بالنسبة إلى عدد كبير من السلوكات الإدمانية، فإن أسباب سلوكٍ كهذا يمكن أن تجد جذورها في ماضي الشخص وطريقة تفاعله مع حدثٍ صادم وقع في هذا الماضي. وبالتالي ينبغي مساءلة ما يختبئ خلف عملية الشراء هذه واكتشاف النقص النفسي الذي نحاول تعويضه عبر هذا السلوك. تشرح ماغالي بور هذه النقطة قائلةً: “يمكن لمنبع هذا الإدمان أن يعود إلى إحدى مراحل الطفولة أو سنوات المراهقة الأولى، فقد يكون مرتبطاً بصدمة أو علاقة مضطربة مع أحد الوالدين أو نتيجة تعلّق مَرَضيّ بالأم نتجت منه قلة تقدير الطفل لذاته حتى بعد بلوغه سنّ الرشد”.

3 أنماط لإدمان واحد

في كتابها المعنوَن “العلاج بالمال” (Money thérapie)، تميّز الخبيرة الاقتصادية كريستينا بينيتو بين ثلاثة أنماط لشخصية مدمن التسوق.

تستفتح الكاتبة بشخصية أسْمَتها “مهووس إضرام الحرائق”، وهي تعود إلى الشخص الذي يُسارع إلى تبديد أمواله في الحين كما لو أنه يخشى أن تختفي نقوده قبل أن يتمكّن من إنفاقها، هنا تتحول النقود إلى نار تحرق يديه حقاً، فيحاول التخلص منها. وفقاً لكرستينا، فإن استياءً حيوياً يقبع خلف هذا الإنفاق؛ ككره الشخص لعمله أو حياته أو هما معاً.

تنتقل الخبيرة فيما بعد إلى نمطٍ ثانٍ وهو ما أطلقت عليه شخصية “المدمن الكريم” الذي يغدق على الآخرين ما يفيض عنه من مالٍ ووقتٍ وأحياناً ما لا يملكه منهما بالأساس. قد يعمد مثل هؤلاء الأشخاص إلى “شراء الحب” بغرض تعويض الاهتمام الذي لم يحظوا به من طرف الوالدين أو أحدهما. لعلها طريقتهم في جعل وجودهم مهمّاً للمحيطين بهم، فيضمنون بذلك محبّتهم!

ثم ينتقل الكتاب إلى النمط الأخير الذي وصفته الخبيرة بـ “دولاب الهامستر”، فالهامستر يركض داخل دولابه بلا توقف، وكذلك يفعل بعض الأشخاص حين يكدّون في العمل ليحصلوا على مالٍ أكثر يسمح لهم بإنفاق أكثر، وغالباً ما ينتهي بهم الأمر إلى الإفلاس أياً كان الراتب الذي يتقاضون. إنهم عالقون في ما وصفته كريستينا بينيتو بفكرة “كلما كسبت أكثر، كلما أنفقت أكثر!”.

التسوق عبر الإنترنت

إمكانية التسوق عبر الإنترنت فخ نُصب للأشخاص المصابين بهوس الشراء القهري، فكلّ شبر على الإنترنت تغطيه الإعلانات، مصحوبةً بمُحفّزات بصرية وسمعية قويّة مثل النوافذ المنبثقة المضيئة برنّتها المُحفزة؛ إذ إن إغراءات الشراء الفوري دون بذل جهد كبير مُحرِّض كبير على الاستهلاك. تقترح الكاتبة إلغاء الاشتراك في النشرات الإخبارية التجارية كخطوة أولى كي لا تعرض نفسك بشكل متكرر لمثل هذه الإغراءات.

ضاعفَ تزايدُ عدد المجلات الإلكترونية وتطبيقات التسوق على الهاتف وخدمات التوصيل المنزلي من فرص الاستسلام وعدم تمالك النفس أمام تسوق فوري لا طائل منه وباهظ الثمن في أغلب الأحيان. تستدرك المعالجة النفسية: “استعمال بطاقات الائتمان في عمليات الشراء دون أن تبرح مكانك أو تتعامل مع الآخرين وكذا طابعها الافتراضي، يجعلك تنسى بأن ما أنفقته قد يتخطّى رصيدك البنكي”.

أسئلة قبل الشراء

1. كخطوة أولى قبل عملية الشراء؛ من شأن طرحك بعض الأسئلة الوجيهة أن يُسهم في تفادي أو على الأقل التقليل من التسوق القهري:

  • هل أنا بحاجة إلى ما سأشتريه حقاً؟
  • هل لديّ ما يكفي من المال لأشتريه؟
  • في حال لم يكن ضرورياً جداً، هل سأستعمله؟
  • هل يستحق ثمنه؟

2. كما يُفَضّل أن تأخذ مهلة ليلة كامل تقلّب فيها مشروع الشراء على كافة الجوانب ولا تأخذ فيه قراراً قاطعاً بشكل فوري ومتسرع. توضح كرستينا بنيتو: “التسوق لا يجلب السعادة؛ بل إنه قد يتركنا في أغلب الأحيان فريسة للشعور بالخواء. من المهم التمييز بين الإنفاق الضروري الذي يكون في محله، وهوس الشراء”.

3. لوضع حد لهوس الشراء؛ من المهم فهم الأسباب التي تقف خلفه:

  • هل أبحث عن شعور جيد؟
  • هل أحاول إثبات شيء ما؟
  • هل أستثمر مالي ووقتي وطاقتي في أمر يهمني حقاً؟

تدابير للتقليل من الاندفاع نحو الشراء

تدعو الكاتبة إلى اللجوء إلى تمارين التنفس، فبمجرد أن تسيطر عليك الرغبة القهرية في الشراء خذ نفساً عميقاً وتواصل مع ذاتك واحتياجاتك، واتبعه بزفير لمدة دقيقتين قبل أن تتخذ أي قرار، ومع تكرار التمرين، ستعتمده عادةً تسمح لك بالاحتفاظ بصلةٍ مع الواقع.

أما ماغالي بور فترى أن من شأن الدفع نقداً خلال التسوق منحك القدرة على الإحاطة بما يُنفق من مال ذلك أنه بين يديك حرفياً! كما بوسع التأمل أن يكون وسيلة لتهدئة اضطرابك والحدّ من الاندفاع؛ إذ يخوّل للمرء اتصالاً مع مشاعره وفهمها وبالتالي وضع حدّ لما تقود إليه من سلوك إدماني.

خطوات لإدارة جيدة للميزانية

ثمة حلول صغيرة يمكن اعتمادها لمكافحة هوس الشراء، فتطبيق مثل “مُتعقّب النفقات” (Spending Tracker) يخول لك تتبع كل ما تُنفقه ووضع ميزانية؛ ما يمنحك في النهاية كامل السيطرة على ما تنفق. كما من شأن تدوين مصاريفك على الهاتف أو الكمبيوتر أو في مُفكّرة، مساعدتك على الانتباه إلى مشترياتك.

تقترح الخبيرة الاقتصادية إنشاء جدول يتضمن النفقات موزعة في ثلاثة فروع:

  • نفقات أساسية
  • نفقات الهوايات والتسوق
  • نفقات استثنائية

كما تنصح بتحديد ميزانية لكل فرع وعدم تجاوزها قدر الإمكان.

العلاج النفسي

في الحالات الحادة يصير اللجوء إلى معالج نفسي مهماً كي يضع خطّة علاجية تُمكِّن المريض من فهم مصدر سلوكه الإدماني. تشرح ماغالي: “التحليل النفسي العضوي على سبيل المثال؛ يمكنه أن يكون مقاربة علاجية تناسب سلوكيات الشراء القهري.  علاج كهذا يتكّئ على آليات عمل تسمح الطفل الداخلي بالدخول في حالة اتصال مع الشخص الراشد الذي صار عليه،  وكلما غصنا أكثر في الأعماق، صار بالوسع تحديد صدمات الطفولة التي تُقدم لنا مفتاح الشفاء. حصول أمر كهذا سيساعد الشخص على التخلص من إدمانه، واستعادة ثقته في نفسه وتقديره لذاته.  يرتكز العلاج النفسي على أن يصبح المريض أبَ أو أمّ طفله الداخلي، وبالتحديد في الوقت الذي عانى فيه ذلك النقص أو مرّ بالصدمة التي قادت إلى هذا السلوك الإدماني؛ أي بتعبير أدق أن يتحول المرء إلى والد نفسه الحنون”.

هلا وإدمان التسوق

“بدأت التسوق الهوسي قبل عشر سنوات حين كنت لا أزال طالبة. وجدت نفسي مُفلسة بلا قرشٍ واحد بعد أن سطا صديقي على كل مدخرات حسابي البنكي، ومنذ ذلك الحين صرت كلما حققت دخلاً مهما كان قليلاً، تسيطر علي الحاجة المُلحّة في إنفاقه مخافة أن أفقد من جديد كل ما في حوزتي. لجوئي إلى هوس الشراء هو كذلك أحد أعراض اضطراب الشخصية الحدية الذي أعاني منه.

أبدد الكثير من المال في شراء الكتب؛ ولكن لِمَ الكتب على وجه التحديد؟ يتملكني هاجس أني لست ذكية كفاية وينقصني الكثير من المعارف كي أكون كذلك، وهكذا أشْبِع حاجتي في أن تثقيف نفسي واكتساب معارف جديدة بمراكمة عدد هائل من الكتب.

لم أصارح أهلي أو أصدقائي بمشكلتي هذه أبداً؛ وحده شريك حياتي مَن يعلم بها، فقد اكتشف إدماني حين أنفقت ما يزيد عن 7000 يورو دفعة واحدة في إحدى نوباتي. انزعج في البداية من تَكتّمي على إدماني، قبل أن يقرّر فيما بعد أن يمدّ لي يد المساعدة والدعم؛ إذ أدرك أنه مرض حقيقي وليس مجرد تبديد للأموال بغرض المتعة.

شرعنا في اتخاذ تدابير على أرض الواقع؛ بدأَتْ بوضع بطاقتي الائتمانية في عُهدته ومسح بياناتها من كل المواقع على أجهزتي الإلكترونية، ولأنّ أغلبية مشترياتي تتم عبر الإنترنت، فقد ساعدني ذلك كثيراً.

كما كان الطبخ خير مُتنفّس لي؛ إذ كلما تملكتني الرغبة في الشراء بحثتُ عن وصفة عبر الإنترنت ودخلت إلى المطبخ وشمَّرت عن ساعديّ، وقد يحصل ذلك في أيّ وقت من النّهار أو الليل. يستهويني الطبخ؛ يقدّم لي الحماية التي أحتاج ويصدّ عني الرغبات الاندفاعية.

ثم فاتحت معالجتي النفسي حول الموضوع وبدأنا نحاول إيجاد حلول لإدماني، وما زلنا في بداية الطريق. فأهمّ خطوة في رحلة التعافي من هوس الشراء تتمثل في إيجاد من نحدثه حول الأمر، سواء أكان هذا الشخص من الأقارب أو الأصدقاء أو أصحاب الاختصاص من المعالجين. ليس علينا أن نشعر بالخزي مما نمر به؛ علينا أن نبحث عن حل له”.

ملاحظة: الأسماء غير حقيقية لحماية الخصوصية.

المحتوى محمي !!