ترتبط شخصية المهرج ارتباطاً وثيقاً بالطفولة، وعلى الرغم من أنها تُضحك الجميع صغاراً وكباراً فإنها قد تصبح مصدر خوف حقيقي بالنسبة إلى بعض الأشخاص فيما يُعرف بـ "رهاب المهرجين" أو "الكولروفوبيا" (Coulrophobia).
رهاب المهرجين
قدم الكاتب ستيفان كينغ (Stephan King) صورة المهرج الشرير من خلال رواية الرعب التي نشرها عام 1986 تحت عنوان "هو" (It)، ثم تبنت السينما هذه الصورة وقدمتها في العديد من الأفلام؛ ولكن كيف يفسر التحليل النفسي الخوف من المهرجين؟ يجيبنا عن هذا السؤال مختص علم الاجتماع والتحليل النفسي، فريديريك فنسنت (Frédéric Vincent) من خلال السطور التالية.
تَحضُر شخصية المهرج بقوة في ثقافتنا ومخيلتنا، سواء من خلال عروض السيرك أو كتب الأطفال أو حتى أحلامنا، ويثير مظهره الغريب، بأنفه الأحمر وحذائه الضخم وملابسه الملونة، ضحكنا عادةً. يقول فريديريك فنسنت: "كانت شخصية المهرج قديماً ترتبط بالشخص المسؤول عن تسلية الملك وإضحاكه، ومن المعاني الأخرى لكلمة "مهرج" (clown) باللغة الإنجليزية: "الشخص الساذج والمثير للسخرية". لكن ابتداءً من سبعينيات القرن الماضي، ثم استخدام ستيفان كينغ لشخصية المهرج لاحقاً في رواية الرعب الشهيرة "هو" (It)، اتخذت هذه الشخصية صورةً أخرى تدريجياً لتصبح مصدر خوف غير مفهوم فيما يسمى بـ "رهاب المهرجين".
بين المهرج المضحك والمهرج المخيف
يُمثل المهرج عادةً شخصيةً كوميديةً مشاكسةً تثير الفوضى وتمارس الحيل دون أن تؤدي تصرفاتها إلى إيذاء أحد. ولكن مع ظهور رواية ستيفان كينغ اتخذت هذه الشخصية وجهاً قاتماً؛ إذ أضفى عليها صفات حيوانيةً فسلّحها بالأنياب ومنحها القدرة على الزئير والتحول إلى عنكبوت.
يقول فريديريك فنسنت: "وهكذا فقد أصبحت شخصية المهرج وحشاً حقيقياً مثلها مثل وحوش الأساطير كالتنين أو الذئب أو الأفعى التي ترمز إلى مخاوفنا اللاواعية من مرور الزمن أو الموت". وإذا كان يمكن تفسير الخوف من المهرج بهذا التحول الذي شهدته صورته في مخيلتنا، فإن هذا الخوف ووفقاً للطبيب النفسي أنطوان بيليسولو يرجع إلى أصل بيولوجي أيضاً يتمثل في سحنة المهرج المتجهمة، ويقول المختص: "نحن نرى تعابير الوجه غير المفهومة كمصدر تهديد".
وحش من العصر الحديث
إذا كانت الذئاب والتنانين قد جسدت قبل 2000 عام أكبر مخاوفنا، فإن المهرج يمثل اليوم، كما الموتى الأحياء (الزومبي)، وحش عصرنا هذا! يقول المختص: "ما يميز الصورة المعاصرة للمهرج كشخصية شريرة هو سرعة تقلب هذه الشخصية وتغيرها كما قدمها ستيفان كينغ، ومن ضمن ذلك أنها لا تثبت على حالة الشر فقط فقد تستعير أحياناً من الصورة الكوميدية لها "لتخدعنا".
ومن جهة أخرى فإن رمزية التنكر التي ترتبط بشخصية المهرج تشير إلى التناقض الذي نعيشه اليوم بين حياتنا في الواقع والصورة التي نقدمها عن أنفسنا سواء في العمل أو على شبكات التواصل الاجتماعي، وغير ذلك، فالمهرج يتميز بالطريقة ذاتها بقدرته على التنكر والخداع.
ولكن لمَ غيّرنا صورة المهرج بهذه الطريقة؟ أليس لدينا ما يكفي من المخاوف؟ يجيب المختص قائلاً: "في الواقع نحن بحاجة إلى هذه الوحوش الخيالية لنسيطر على مخاوفنا لأنه ليس لدينا في حياتنا اليومية طقوس كتلك التي كانت موجودة فيما يسمى المجتمعات البدائية".
ويتابع: "تسمح لنا رؤية المهرج الشرير والرموز المرتبطة به على الشاشة، سواء كنا نعي ذلك أو لا، بإسقاط صورته على خوفنا من مرور الزمن ومن ثم الموت كمصير محتوم للجميع، وهي عملية تُشعرنا بالراحة والطمأنينة، ويمكن القول إنها تشبه طريقة العلاج بالتعرض المستخدَمة في علاج الرهاب".
رواية ستيفان كينغ ومعرفته بالتحليل النفسي
أخيراً لا بد من تناول عنوان رواية ستيفان كينغ "هو" (It) من وجهة نظر التحليل النفسي الفرويدي الذي يضع "الهو" كأحد أقسام النفس البشرية جنباً إلى جنب مع الأنا والأنا العليا. يقول فريديريك فنسنت: "لدى ستيفان كينغ دراية كافية بالتحليل النفسي ومن ثم فإن عنوان روايته لم يكن وليد الصدفة".
يشير "الهو" في التحليل النفسي إلى دوافعنا اللاوعية التي تعكس تماماً مخاوفنا غير المنطقية، وكان ستيفان كينغ قد ركز في روايته على مخاوف الأطفال وأوضح كيف يمكن لهذه المخاوف أن تعاود الظهور في الكبر؛ إذ انتحرت إحدى الشخصيات في الرواية بسبب خوفها من عودة المهرج، وهي فكرة تتقاطع تماماً مع فكرة التحليل النفسي التي تتلخّص في أن علاج مخاوف الطفولة في سن البلوغ يتيح للفرد التخلص من اضطرابات الرهاب والقلق.
اقرأ أيضاً: كل ما تريد معرفته عن الرهاب