يتفق الجميع على أثيريّة الطاقة، فهي لا تُرى ولا تُلمس لكنها مع ذلك تكمن داخل كل واحد منا. إلا أن لدى أسلوب "التعبير الطاقي الكامن المُتجذّر" (XPEO) والكونداليني يوغا رأي آخر، فهما يعلماننا كيف نستشعر الطاقة ونستفيد منها.
تستعيد ألمى البالغة من العمر 51 سنة تجربتها قائلةً: "ما إن عدَّلت معلمة التاي تشي وضعيتي حتى سرَت في جسدي دفقة مُشعة عبرته من الأسفل مروراً إلى الأعلى". يتعلق الأمر بنورٍ يغمر أو تيار هواء يعبُر أو سخونة تلفح أو تنميل يستشري، وأحياناً لا شيء من ذلك على الإطلاق، فأيا كان نوعها، سواء كي (Qi) أو برانا (Prana)، تظلّ الطاقة الداخلية غير مرئية وأثيرية. نحن نفهم بإدراكنا أن الأمر يتعلق بقوة حيوية ومتجذرة تسري داخل كائن يدب على هذه الأرض؛ غير أنها لا تكمن داخل أجسادنا الفيزيائية المادية بل على مستوى آخر لا تدركه الحواس.
"التعبير الطاقي الكامن المُتجذّر" (XPEO): أسلوب جديد لاغتنام الطاقة
وبالتالي ينطوي استشعار وجودها أو محاولة وصفها على الكثير من التعقيدات. يحكي بول وو فون مبتكر طريقة "التعبير الطاقي الكامن المُتجذّر" عن بداياته في هذا الحقل قائلاً: "حين بدأت بتَلمّس خطواتي في التاي تشي تملكني شعور بالإحباط لأني لم أستطع أن أشعر بأي شيء على الإطلاق، إلى أن درّبني معلم على إسقاط الطاقة على عمق الذات، ما جعل هذا المفهوم ملموساً لي".
تقوم منهجيته التي تعتمد على كل من التاي تشي والكي غونغ، على تلقين طريقة اكتشاف طاقة الكي والاعتماد عليها في مختلف الأنشطة اليومية والرياضية والفنية. يشرح قائلاً: "نحن نستعمل هذه الطاقة منذ كنا رُضّعاً لكننا فور أن ننتقل إلى مرحلة المشي نبدأ بتطوير قدرة "الجهاز العضلي" على حساب طاقتنا الداخلية". وفي الصدد نفسه تشرح معلمة التاي تشي المتخصصة في هذه المقاربة، فاليزي بينيه: "حاول أن تجذب إصبع رضيع وسترى أنه وعلى الرغم من افتقاره للعضلات، سوف يقاومك، ذلك أن كل قوته محتشدة في طرف إصبعه، الكاي بدورها تمنح هذا الشعور بالصلابة والانسجام التام". يجب أن تكون التمارين المُقترحةِ أن تكون خفيفة (مرحة) ومُتدرّجة؛ تُمارس مثنىً مثنىً (كل شخصين معاً كمتدربين)، أحياناً حيث يتحلّى الشخصان بنظرةٍ شامخةٍ بعض الشيء وجسد قوي ومسترخٍ في الآن نفسه، يدفع المتدربان أحدهما الآخر بهدوء ولطف إما بالسبابة أو قبضة اليد أو الإبهام لاختبار مدى مقاومته وذلك عن طريق تفعيل التاي تشي والألياف العضلية.
تمرين ليس بالسهل إلا أنه ذو فائدة كبيرة! فحيثما اعتراك التوتر أو الألم فثمّة انحباسٌ نجَمَ عن توقف الطاقة عن التدفق.
التنفس لتحرير الطاقة
لا يمكن الفصل بين التنفس والطاقة، فإذا كان بول وو فون يوصي بإمهال الطاقة الوقت الكافي للحلول بشكل طبيعي، فإن اليوغا تنتهج طريقاً أخرى: "يُزوِّدك التنفس العميق (agni pran) بطاقة داخلية هائلة من المُحال عدم استشعارها!"، هذا ما يوضحه رئيس الاتحاد الفرنسي للكونداليني يوغا، ناجيت سينغ. وأنت جالس، ظهرك وعنقك على نفس خطّ الاستقامة، خذ زفيراً مرتين أو ثلاثة في الثانية الواحدة، دون إيلاء اهتمام كبير بالشهيق. وليصف ما سيحدث بعدها يقول:"يخلف ذلك خليطاً من الشعور بالحرارة والفرح، ينطلق من البطن متجهاً نحو الرأس". يميل بعضنا إلى "تجسيد" الطاقة الداخلية على هيئة حرارة تلفح البطن أو هبّة نسمة هواء أو تنميل في اليد أو حتى ضوء يشع على مستوى الرأس؛ غير أن لوضعيتنا وإيقاعنا الحيوي بل وكذلك ثقافتنا و"الكارما" التي تخصّ كل واحد منا، بالغ الأثر في مدى إحساسنا بها من جهة وتمظهراتها من جهة أخرى.
تصوّرُ الطاقة
بالإضافة إلى كل ما سبق، يتحتم على المرء بلوغ حالة من تفتّح الذهن والروح؛ إذ كما تؤكد فاليري بينيه: "لن تصل إلينا الطاقة ما لم نمهد لها الطريق". وعلى الصعيد ذاته يعود ناجيت سينغ ليؤكد: "لا تركّز الكونداليني يوغا على تحفيز الطاقة وإنما التناغم وتقوية الجهاز العصبي؛ ما يفسح المجال لجريان الكونداليني التي هي بمثابة الجزء النائم من البرانا (prana)". يساعد التصور(visualization) على منح شكل لهذه القوة التي لا أبعاد لها، لكن الإفراط في استعمالها أو السعي وراء استدامة الشعور بها يمكن أن يتسبب في النهاية بانحباس للطاقة. أما أسلوب (XPEO) فيعتمد على النية، وهي شكل من أشكال التركيز والانتباه المشابه لليقظة الذهنية، فوجوده مثلاً في أصابع اليد أو القدم من شأنه تسهيل مهمة استقدام الطاقة. إذ يمكن للشخص أن يعمَد إلى قصّ جزء من اللحم أسفل الظفر بغرض لفت انتباهه إلى هذا الجزء من جسمه، فكما يوضح بول وو فون نحن: "نفقد الصلة غالباً بسبب استشعارنا ردة فعل فورية إزاء طاقة الانتباه هذه". ولكنه يضيف: "في رأيي، أن تعتريك قشعريرة أو موجة طاقة ليس بالأمر الكافي، عندما تدرك إلى جانب ذلك كيف توظف هذه الطاقة الداخلية فسيزوّدك ذلك كل حين بشعور لا يُضاهى من الخفة والحرية، وكذا راحة وتناغم مع الذات يفوقان الوصف.
تمارين يومية
في كتابه التاي تشي اليومي الخاص بي، يقترح خبير التاي تشي بينجامان دوليزل طريقتين لجَسّ الطاقة، وينصحُ منذ البداية ألا تتضايق في حال لم تشعر بأي شيء!
- عليك أن تتحلى بالتأمل وأنت تدخل هذا التمرين. اختر مقعداً وتمدد فوقه مع بسط ساقيك والحفاظ على كعبي القدمين في تماس مع الأرض. أطلق تباعاً تنهيدات بصوت مرتفع، أفرغ رأسك، لا تفكر في أي شيء، واشرع في التنفس. هل تشعر بأن طاقك أخذت تتركز في الأسفل؟ هل بدأ تنفسك في التباطؤ؟ الآن انهض كما لو في كنت وضعية تأهب، اثنِ الركبتين واجعل ثقل الجسد كله يرتكز على أصابع القدمين. واظب على ذلك مع رفع وتيرة التنفس والوضعية في كل مرة، وانظر هل تجددت طاقتك؟
- أيقظ شعورك! اجلس متخذاً وضعية محايدة، ارفع يدك باتجاه السماء واحرص على المباعدة بين أصابعها. الآن ألصق أطراف أصابع يدك اليمنى ببعضها، وجّهها ناحية اليد اليسرى، حذارِ أن يتلامسا، ثم اشرع في إدارتهما باتجاه عقارب الساعة. أعد الكرّة بتغييرك المسافة وسرعة الدوران كل مرة.