"كنت في وظيفة مرهِقة، وكان لدي الكثير من المسؤولية، وآلية دفاعي كانت: كل هذا سوف يمر. تابع ما تقوم به، إنه مجرد القليل من التوتر وسوف يمر مع الوقت"، يحكي لورانس الذي يشغل وظيفة ممرض؛ ولكنه مثل الكثير من الناس ظل يكابر نفسه تحت وطأة ضغط "الاكتئاب السريري".
للأسف قد يتهاون هؤلاء في مرضهم، فيعتبرونه مرحلة مؤقتة لديهم القدرة والإرادة للتغلب عليها وتجاوز أعراضها. وهذا خطأ كبير لأن الاكتئاب السريري مرض حقيقي وشائع يحتاج تدخلاً طبياً؛ حيث يمكن أن يصيب الأشخاص من جميع الأعمار والأجناس والأعراق والثقافات وفقاً للجمعية الأميركية للطب النفسي (American Psychiatric Association).
وقد تؤدي التغيرات الهرمونية خلال فترة البلوغ والحيض والحمل والإجهاض وانقطاع الطمث إلى زيادة مخاطر الإصابة لدى النساء أكثر من الرجال.
وعلى الرغم من شيوعه، فغالباً لا يتم التعرف إليه بسهولة وبالتالي لا يتم علاجه. لذلك سيقدم هذا المقال نظرة شمولية إلى الاكتئاب السريري وأسبابه، إضافة إلى أعراضه وخيارات العلاج المتاحة.
ما هو الاكتئاب السريري، وما أسبابه؟
الاكتئاب السريري (Clinical Depression) هو أكثر أشكال الاكتئاب شدة، لذلك يُعرف أيضاً بـ "الاكتئاب الشديد" (Major Depression) أو "اضطراب الاكتئاب الشديد" (Major Depressive Disorder). وتعتمد النظرية العلمية الرئيسية التي تفسّر سبب الإصابة به على وجود بعض التغييرات الجينية لدى المصاب، تجعل المواد الكيميائية المنظِّمة للحالة المزاجية في الدماغ نادرة أو غير فعالة.
وحدّد الخبراء من "هيلث لاين" (Healthline) عدة عوامل أخرى يمكن أن يؤدي اجتماعها أو بعض منها إلى زيادة احتمال الإصابة بالاكتئاب السريري؛ وتتضمن الآتي:
- التغييرات المؤثرة في توازن الهرمونات.
- تعاطي الكحول أو المخدرات.
- تجارب الإساءة في الطفولة.
- تأثيرات جانبية لبعض الأدوية كالمنشطات والكورتيزول.
- بعض الأمراض والحالات الطبية مثل السرطان أو قصور الغدة الدرقية.
- مجموعة من الجينات والإجهاد قد تؤثر في كيمياء الدماغ فيقلل من إمكانية الحفاظ على استقرار الحالة المزاجية.
قد يهمك:
أعراض الاكتئاب السريري
قد تختلف أعراض الاكتئاب السريري من شخص لآخر، بالإضافة إلى اختلاف مدى حدتها وعدد مرات حدوثها ومدة استمرارها أيضاً؛ ما يضفي بعض التعقيد عليها.
لكن الخبراء من "ويب إم دي" (Web MD) وخدمة الصحة الوطنية الإنجليزية (NHS) يتفقون على أن أغلب الأعراض المألوفة للإصابة بالاكتئاب السريري يتمثّل في الشعور بالحزن واليأس، وفقدان الاهتمام بما كان يجلب الاستمتاع سابقاً.
وتنقسم بقية الأعراض الشائعة إلى ثلاث فئات؛ جسدية ونفسية واجتماعية حسب المعلومات الصادرة عن خدمة الصحة الوطنية، ونلخصها كالآتي:
الأعراض الجسدية
- اضطرابات النوم كصعوبة النوم في الليل أو الاستيقاظ مبكراً.
- انخفاض الرغبة الجنسية أو فقدانها.
- انخفاض الشهية أو الوزن أو زيادتهما.
- نقص القدرة على الحركة أو الحديث.
- الأوجاع والآلام الجسمانية غير المبررة.
- اضطرابات مواعيد الدورة الشهرية بالنسبة للنساء.
الأعراض النفسية
- صعوبة اتخاذ القرارات.
- تدني احترام الذات والثقة بالنفس.
- الحالة المزاجية المنخفضة المتمثلة بالشعور بالحزن واليأس.
- فقدان الحافز والاهتمام.
- انعدام القدرة على الاستمتاع بأي شيء.
- القلق والإحساس بالذنب والضيق.
- التفكير في الانتحار أو إيذاء النفس.
الأعراض الاجتماعية
- مواجهة الصعوبات في المنزل أو العمل أو الحياة الشخصية والأسرية.
- الانسحاب من الأنشطة الاجتماعية وتجنب التواصل مع الأصدقاء.
- إهمال الهوايات والاهتمامات الشخصية.
اقرأ أيضاً:
- ما هو الاكتئاب الموسمي وكيف يمكن علاجه؟
- كيف أتعامل مع زوجي مريض الاكتئاب؟
- ما هو سبب الاكتئاب المفاجئ؟
علاج الاكتئاب السريري
يشمل علاج الاكتئاب السريري عدة أساليب معتمَدة من طرف المعالجين والمختصين النفسيين، وتتضمن في معظمها العلاج الدوائي؛ حيث تعد مثبطات امتصاص السيروتونين الانتقائية (SSRIs) من أكثر أنواع مضادات الاكتئاب التي يتم وصفها، لأنها تحسن كيفية استخدام الدماغ لهرمون السيروتونين؛ وهو الناقل العصبي المسؤول عن تنظيم الحالة المزاجية.
أما العلاج النفسي فيتعلق بمقابلة المعالج النفسي بانتظام للتحدث عن الحالة والمشكلات التي تسببها. ونجد أن من أهم فوائده اكتساب المريض القدرة على التكيف مع الأزمات أو الأحداث المرهِقة من خلال التقييم المتوازن لموقف معين، والتصرف وفقاً للقِيم بدلاً من الاعتماد على حالته المزاجية. كما أن المهارات التواصلية تتحسّن لديه ويزداد معها احترامه لذاته، فيستعيد الشخص تدريجياً شعوره بالرضا والتحكم في حياته.
كما يمكن للعلاج المعرفي السلوكي (CBT) أو العلاج الجماعي (Group Therapy) - إذا توفر- أن يمثلا خيارات علاج نفسي محتمَلة أخرى لمساعدة مريض الاكتئاب السريري.
الاكتئاب السريري ليس حكماً مؤبداً بالحزن واليأس؛ حيث يمكن تفهّم مشاعر العجز وحالة الإحباط والسوداوية التي تخيّم على المريض جيّداً، فهي أعراض طبيعية ومعروفة للإصابة بالاكتئاب لكنها لا تعني بتاتاً أن هذه المحنة لا يمكن تحويلها إلى شفاء كامل من هذه الحالة. يمكن بالفعل الخروج من الأزمة عند طلب المساعدة من معالج أو طبيب نفسي؛ وخيارات العلاج من أدوية وعلاج نفسي متاحة وفعالة.
اقرأ أيضا: