يمنحنا اختبار المشاعر المختلفة تجربة حياتية فريدة؛ ما يعني أن محاولة حجب أو عدم الاعتراف ببعض المشاعر السلبية مثل الغضب أو الحزن أو الذنب، ينتقص من تجربتنا.
وما بين صعوبة تفادي تلك المشاعر كلياً لما نتعرض له يومياً من مواقف ضاغطة، ومحاولة التغافل عنها للشعور بإيجابية وعدم إطلاق العنان لها لتعكِّر صفونا وتؤثر سلباً في رفاهتنا الشخصية؛ قد يسوء الأمر ونفقد الشعور بالراحة في نهاية المطاف. وهنا يأتي الدور المهم لقبول المشاعر السلبية واحتضانها حتى لا تخرج عقولنا عن السيطرة تماماً، مع تعلّم الطرق المناسبة للتعامل معها.
مقاومة السعي الدائم لأن نكون "بخير"
تقول اختصاصية العلاج النفسي الإكلينيكي والأستاذة المساعدة في قسم التأمل اليقظ بجامعة نيويورك "ميشيل مايدنبرغ" (Michelle Maidenberg) في مقالها عن كيفية السيطرة على القلق والضغط، أن أفكارنا ومشاعرنا ليست بالضرورة هي المشكلة الرئيسية؛ بل المعنى الذي نربطه بها وردود أفعالنا الناتجة عنها.
وفي حال تعرُّض الأفراد لموقف ضاغط أو مرورهم بتجربة سيئة؛ ينصبّ تفكيرهم على كيفية الشعور بتحسُّن في أسرع وقت ممكن، ولا يتركون لأنفسهم فرصة للشفاء الصحي الذي ينتج عن قبول تلك المشاعر السلبية والتعامل معها، لا إنكارها أو مقاومتها؛ حيث تظهر المشاعر السلبية مع المزيد من عدم الراحة والإحباط نتيجة المقاومة المستمرة.
بالإضافة إلى ذلك؛ تشير مايدنبرغ إلى أهمية احتضان المشاعر السلبية لما له من دور مهم في التمتع بصحة نفسية جيدة؛ حيث تشير دراسة من "جامعة ولاية كينت" (Kent State University) الأميركية إلى أن الأفراد الذين يقبلون كل عواطفهم -الإيجابية منها والسلبية- دون إصدار أحكام عليها، يكونون أقل اجتراراً للمشاعر السلبية لاحقاً.
وتذكر مايدنبرغ بعض النقاط المهمة التي يجب الانتباه إليها عند ظهور مشاعر القلق والتوتر؛ ومنها:
- تحديد الفكرة والشعور جيداً: فلكل من الأفكار والمشاعر دور خاص في توجيه عقلنا. على سبيل المثال؛ علينا أن نتأكد من ما يدور في ذهننا: فكرة -رأي أو افتراض- أو شعور -تجربة أو عاطفة- لأن الافتراضات والأفكار لا تثير نفس القدر من الشعور الحقيقي الناتج عن المواقف المختلفة.
- الحفاظ على الفكرة الأصلية: عدم الانجراف وراء تحوّل عقولنا إلى أفكار ومشاعر أخرى بناءً على هذا الفكر الأصلي. وكذلك تجنُّب الاستجابة للفكرة اللخظية لأننا بذلك نمنحها مصداقية ووجوداً فعلياً.
- تحديد ما إذا كانت الفكرة المسيطرة علينا مرتبطة بمعتقد أساسي سلبي: مثل انخفاض الثقة بالنفس أو الشعور بأن احتياجات الآخرين أكثر أهمية من احتياجاتنا.
بناءً على ما سبق؛ يجب التفكير في كيفية التعامل مع المشاعر السلبية، لا أن نتجنبها أو ننكر وجودها. فما هي السبل لتخفيف تلك المشاعر السلبية مثل القلق والتوتر والضيق؟
اقرأ أيضاً: كيف يخفف البكاء من الضغط النفسي؟
تقنيات التأريض للتخلص من المشاعر السلبية
تعمل تقنيات التأريض كإحدى الطرق الفاعلة في التخلص من التوتر والقلق، فهي تستخدم الحواس الخمس بالإضافة إلى التخيَّل للمساعدة على التركيز على اللحظة الحالية، وبالتالي المساعدة خلال الأوقات الصعبة مثل نوبات الهلع، بمقاطعة استجابة الجسم القوية وإعادة العقل والمشاعر إلى مكان آمن؛ ما يساعد على تجاوز الضيق.
تشمل هذه التقنيات بحسب مركز الاستشارة بـ "جامعة جيمس ماديسون" (James Madison University) ما يلي:
-
التنفس بعمق
استنشق ببطء وعمق حتى خلال الزفير. ركّز جيداً خلال الشهيق والزفير، واشعر بكل نفس يملأ رئتيك ولاحظ كيف تشعر بدفعه للخارج.
-
تذوُّق الطعام أو الشراب
تناول قطعة صغيرة أو مشروباً تستمتع به وتذوق كل قضمة بشكل كامل؛ فكر في مذاقها ورائحتها ونكهتها.
-
استنشاق عطر تحبه
هل هناك رائحة بعينها تروق لك؟ قد تكون تلك رائحة القهوة أو عشباً أو صابوناً مفضلاً أو شمعة معطرة. استنشق العطر ببطء وعمق وحاول ملاحظة صفاته؛ حلو أم حار أم حمضي، إلخ.
-
الحركة
قم ببعض التمارين الرياضية في المكان التي تجلس فيه؛ مثل القفز أو صعود وهبوط الدرج أو نط الحبل أو الركض في المكان. وخلال تلك التمارين؛ انتبه إلى ما يشعر به جسمك مع كل حركة، وعندما تلمس يداك أو قدماك الأرض أو تتحرك في الهواء.
-
الاستماع إلى محيطك
ركز على محيطك واستمع إلى الضوضاء من حولك لبضع لحظات. هل تسمع تغريدات الطيور؟ هل هناك عربات تسير في الشارع وتصدر أصواتاً؟ هل هناك أفراد يتحدثون؟ ماذا يقولون، وما هي لغتهم؟
-
ألعاب الذاكرة
انظر إلى صورة لمدة 5-10 ثوانٍ ثم اقلبها وأعد إنشاء الصورة في ذهنك بأكبر قدر ممكن من التفاصيل، أو اسرد كل الأشياء التي تتذكرها من الصورة ذهنياً.
-
القراءة
فكر في قصيدة أو أغنية أو مقطع كتاب تعرفه عن ظهر قلب. اقرأها بهدوء على نفسك أو في رأسك. إذا قلت الكلمات بصوت عالٍ فركز على شكل كل كلمة وأنت تنطقها، أما إذا قلتها في رأسك فتخيّل كل كلمة كما تراها على الصفحة.
-
تخيُّل صوت أو وجه شخص تحبه
إذا شعرت بالضيق أو الحزن؛ تخيل شخصاً إيجابياً في حياتك وكيف تبدو ملامحه أو نبرة صوته. تخيّل أنه يقول لك أن تلك اللحظة قد تكون عصيبة لكنك ستجتازها.
-
تصوُّر مكانك المفضل
فكر في مكانك المفضل، سواء كان منزل أحد أفراد الأسرة أو بلداً أجنبياً. باستخدام كل حواسك؛ تخيّل الأصوات التي تسمعها والأشياء التي تراها والروائح التي يمكنك شمها. كذلك حاول أن تتذكر آخر مرة ذهبت فيها إلى هناك. فكر فيما فعلته هناك وكيف شعرت في ذلك الوقت.
-
الاستماع إلى الموسيقى
شغّل أغنيتك المفضلة وتخيّل أنك تستمع إليها للمرة الأولى مع التركيز على اللحن وكلمات الأغاني. هل تسبب لك الأغنية القشعريرة أو تخلق أي أحاسيس جسدية أخرى؟
اقرأ أيضاً: كيف تتخلص من التوتر بممارسة اليقظة الذهنية؟
وأخيراً؛ حاول أن تتقبل مشاعرك كلها -إيجابية وسلبية- مع الشعور بالامتنان للإيجابية والسعي لتعلُّم طرق أفضل لتهدئة النفس خلال اختبار المشاعر السلبية؛ مثل تقنيات التأريض التي يمكن أن تساعد على تعزيز المشاعر الجيدة وتلاشي المشاعر السلبية أو إضعاف تأثيرها؛ وبالتالي تقليل الإرهاق عند اختبارها.