على المدى القصير؛ يمكن أن يدفع القلق الذي يتكرر في لحظات كثيرة من مراحل حياة صغار السن إلى تعلّم مهارة كالتدرب على تصويب الكرة في المرمى أو أداء مسرحية في المدرسة أو حتى تحفيزهم لإنجاز واجباتهم، وذلك قد يُعد أمراً طبيعياً.
في المقابل؛ يؤثر القلق (Stress) المرضي في حياة ملايين البشر سنوياً، وبالطبع لا يسلم الأطفال والمراهقون من هذا الاضطراب النفسي الذي بمقدوره الظهور بهيئات وأشكال عديدة.
فحسب منظمة الصحة العالمية (WHO)؛ تشير التقديرات العالمية التي نُشِرَت خلال الثلث الأخير من 2021 إلى أن اضطرابات القلق تصيب نحو 3.6% من الأطفال بعمر 10-14 عاماً و 4.6% من المراهقين بعمر 15-19 عاماً.
ويتضخم الأثر السلبي لهذا الاضطراب عندما يُترك دون تدخل علاجي؛ ما قد يتسبب في خلق عدد من المشاكل الصحية التي قد تقلل من جودة حياة صغار السن وتجعلهم أكثر عرضة لما من شأنه التأثير في مستويات صحتهم الجسدية والنفسية والعقلية.
ما مسببات القلق بالنسبة لهذه الفئات العمرية؟ ما علاماته المرضية؟ وما طُرُق إدارته بأسلوب صحي؟
ما مسببات القلق لدى الأطفال؟
بالنسبة للأطفال الصغار تُعد حالات الضغط العصبي التي تظهر في بيئة المنزل مصدراً شائعاً للقلق؛ حيث قد ينزعج هؤلاء الصغار من حوادث الخلافات الأسرية مع مقدمي الرعاية أو الوالِدين أو طلاقهم أو انفصالهم مثلاً.
وقد يُعزى القلق إلى عدد من التغييرات الكبيرة في الحياة كالانتقال إلى مدرسة مختلفة أو منزل جديد أو مدينة أخرى؛ ما يخلق صعوبات وتحديات أيضاً للطفل. على النقيض؛ قد تحمل بعض التغييرات السعيدة أثراً مشابهاً يساهم في ظهور حالات من القلق كوصول مولود جديد.
وتحتل بيئة المدرسة مرتبة متقدمة بعد المنزل؛ حيث تُعد مصدر قلق متكرراً آخرَ لصغار السن، فقد يتعرض الأطفال الصغار للقلق من أمور عديدة كتكوين صداقات جديدة أو مجابهة المتنمّرين أو إنجاز المشاريع المدرسية وتخطي الاختبارات وإحراز الدرجات الجيّدة أو حتى التعامل مع معلميهم.
ما مسببات القلق لدى المراهقين؟
بصورة طبيعية؛ تتعدد مصادر التوتر والقلق مع تقدم الأطفال في السن، فقد يكون المراهقون أكثر عرضة من الأطفال الصغار للتوتر نتيجة الأحداث أو المواقف التي يواجهونها خارج المنزل.
ولكن كما هو الحال بالنسبة للأطفال الأصغر سناً؛ تظل المدرسة مصدراً رئيسياً مُسبِّباً للقلق لدى الكثير من المراهقين، إلى جانب الاندماج في العلاقات الاجتماعية أو العاطفية وضغط الأقران وتأثير القضايا الاجتماعية المحلية المستمرة كالعنف الجسدي أو اللفظي أو التحرش الجنسي.
علامات القلق المرضية لدى الأطفال والمراهقين
قد تختلف العلامات المرضية باختلاف البيئة المحيطة والعمر والجنس وتوفّر دعم الوالِدين أو غيابه وعدد من المحددات التي قد تصعّب تطابق الأعراض المرضية للقلق من شخص لآخر.
إجمالاً؛ بالإمكان التعرّف إلى القلق من خلال العلامات المرضية التالية:
- التهيّج والغضب: فلا يمتلك الأطفال دائماً الكلمات لوصف شعورهم وأحياناً تتحول حالات التوتر إلى حالة من المزاج السيئ حيث يكونون أقل صبراً أو أكثر جدليةً من المعتاد.
- التغييرات السلوكية: فقد يتبنّى الطفل فجأة سلوكيات سلبية ومختلفة عن العادة؛ كأن يصبح عنيداً بعد أن كان مستمعاً جيداً أو يرغب بالخروج من المنزل لأي سبب.
- الأرق أو صعوبة النوم: فقد يشكو صغار السن من الشعور بالتعب طوال الوقت أو النوم أكثر من المعتاد أو صعوبة النوم في الليل.
- إهمال المسؤوليات: قد يتقاعس الطفل أو المراهق فجأة وبأسلوب متعمّد عن القيام بالواجبات أو الالتزامات المنزلية أو حتى نسيانها بصورة مغايرة للمعتاد.
- تغييرات في نمط الأكل: قد يتناول الكثير من الطعام أو يتجنّبه؛ حيث يشير هؤلاء في أغلب الأحيان إلى شعور متكرر بحالات الصداع أو آلام المعدة نتيجة أنماط أكلهم السلبية.
طُرق مقترحة لإدارة القلق لدى الأطفال والمراهقين
بصفة عامة؛ لن تخلو حياة الأطفال والمراهقين من الظهور المستمر لمصادر القلق؛ ما يحفّز على تبنّي استراتيجيات يمكن أن تساعد صغار السن في إدارة تلك الحالات بدلاً عن السعي للتخلّص منها، والاقتراحات التالية من الممكن تطبيقها بإشراف الوالِدين أو مقدمي الرعاية:
- النوم الجيّد: يمثّل النوم بجودة عالية سبباً رئيسياً في تحسين الصحة الجسدية والنفسية والعقلية والعاطفية.
- النشاط البدني الصحي: قد تساعد ممارسة نشاط بدني لمدة ساعة على الأقل يومياً على تخفيف حدة حالات القلق وتحسين المزاج.
- التحدث عن حالات القلق: الحديث مع إنسان راشد عن المواقف العصيبة اليومية قد يساعد على وضع الأمور في نصابها وإيجاد الحلول العملية التي يمكن تبنّيها للتخلص من بعض مصادر القلق.
- وقت للمرح أو الهدوء: قد يساعد تخصيص وقت معيّن بصورة يومية للأنشطة المحببة على خلق توازن صحي بين أوقات الأنشطة المفضلة وأوقات الانهماك في إنجاز المهام اليومية أو حتى الفراغ؛ ما يعزز صحة الطفل أو المراهق ويجدد حيويته ونشاطه.
- قضاء الوقت في الطبيعة: تُعد هذه طريقة فعالة لتخفيف حالات القلق، فقد ينعكس الذهاب في رحلة برية أو جبلية أو زيارة مساحات خضراء في ذلك.
- التعبير عن الذات بالكتابة: يمكن أن تساعد الكتابة عن المشاعر الإيجابية؛ كسرد الأشياء التي تُشعر الطفل أو المراهق بالامتنان، على تخفيف الحالة النفسية السلبية التي يحفّزها القلق.
- ممارسة التأمل أو اليقظة الذهنية: فقد تساهم ممارسة تقنيات الاسترخاء في خفض معدلات القلق وتعزيز الحالة الذهنية والنفسية لدى صغار السن.
بصورة مشابهة؛ يستطيع الوالِدان أو مقدمو الرعاية تقديم المساعدة من خلال الاستماع الجيّد والتحدّث عن مصادر القلق فور ملاحظتها. كما ينبغي تعزيز مهارات حل المشكلات لديهم؛ ما يساعدهم على تطوير حلول عملية تتناسب مع سياق حياتهم.
بالإضافة إلى ما سبق؛ يمكن للوالِدين أو مقدمي الرعاية تثقيف صغار السن حول ما يمكن مواجهته على وسائل التواصل الاجتماعي وما تبثّه من محتوىً رقمي يمكن أن يسبب لهم الأذى، إلى جانب مساعدتهم على التصدي للأفكار السلبية التي تتمحور حول ذواتهم وتسيطر على تفكيرهم.
ختاماً؛ يجب أن يعي الجميع أن القلق يؤثر في الصغار كما الكبار، حتى وإن اختلفت حدّته وآثاره وعلاماته المرضية ومسبباته ومصادره. كما يجب أن يتصرف الوالِدان أو مقدمو الرعاية بسرعة عند ملاحظة حالات القلق؛ ما يعزز إمكانية إدارتها بصورة سليمة في وقت مبكر.