برامج المقالب: اتهامات بالتنمر ووصم بالمرض النفسي.

4 دقائق
برامج المقالب

في طفولتنا اعتدنا على مشاهدة برامج المقالب والكاميرا الخفية التي تعتمد على صناعة موقف محرج، أو مضحك للضيف وهو لا يدري بوجود الكاميرا. مثلاً، في مصر عرفنا برامج مثل "اديني عقلك" و"الكاميرا الخفية"؛ والتي كانت تستضيف مواطنين في الشارع وتضعهم في مواقف محرجة، وتقوم الكاميرا المثبتة في مكانٍ ما بتسجيل ردود أفعالهم، ثم يعلن مقدم البرنامج عن شخصيته الحقيقة، ويسأل الضيف ما إذا كان يود إذاعة الحلقة.
كما عرفت الدول العربية برامج المقالب، ففي لبنان ظهر برنامج "هدي قلبك"، وفي السعودية برنامج "مو معقول"، وعرفت الدول الخليجة أيضاً برامج الكاميرا الخفية مثل برنامج "حقك عليا" الذي عُرض على قناة "سما دبي".

ولا تقتصر هذه البرامج على شهر رمضان فقط؛ إنما يمتلئ اليوتيوب بقنوات تخصصت في برامج المقالب لبعض المؤثرين؛ مثل قناة "بتوع مقالب" التي تحصد الكثير من المشاهدات.

أحياناً تحمل هذه المقالب رسائل جيدة، فيقوم شاب بارتداء ثياب فتاة ليكتشف بنفسه كم التحرش الذي تتعرض له الإناث في الشارع، وقد تتسبب في شجارات وصراخ قبل أن يخرج مقدم المقلب ليعلن بأنه كان يمزح قبل أن يتطور الأمر.

وقد تعدّت برامج المقالب المواقف البسيطة التي تنتزع البسمات التي كنا نشاهدها في السابق إلى حد التسبب في المآزق والتلذذ بحالات الهلع التي تصيب الضيف.

فوفقاً للكاتب ستوارت هيرتاتج في موقع "ذي غارديان"؛ سُحب مسلسل مقالب عراقي بسبب تمثيله لكمائن وهمية لداعش. ويتساءل الكاتب: "من يعتقد أن هذا الأمر مضحك؟ هل يعد مقبولاً اختطاف أشخاص، أو إيهامهم بوقوع طائرة هم على متنها؟".

وقد تطورت نوعية هذه البرامج لتستضيف الفنانين مثل برنامج "حيلهم بينهم"، وبرنامج "حسين على الهوا"، والبرامج التي يعدّها الفنان رامز جلال كل عام، وهو أحد أشهر مقدمي برامج المقالب، والذي قدم عدة مواسم منها، ويُشتهر أيضاً بين أصدقائه بصناعة المقالب في حياته العادية، حتى أنه ظهر في أحد المواسم بشعار أنه مجنون بحب أصدقائه، لذا يصنع بهم المقالب.

ويعد نموذج البرامج التي يعدّها رامز جلال نموذجاً متطوراً من المقالب؛ حيث يعتمد البرنامج على ميزانية إنتاج ضخمة وأفكار مبتكرة، فلم تعد المقالب بسيطة؛ وإنما أصبحت تعرّض الضيوف لمواقف تسبب لهم الهلع أو الصدمة، والتعذيب أحياناً؛ مثل تعرض الطائرة التي هم على متنها لهبوط مفاجئ -وهميّ بالطبع- أو تعرضهم لمواجهة عقارب وثعابين، ثم يظهر رامز في الخلفية وهو يضحك على لحظات رعبهم.

وقد وصل الأمر إلى الجهات القضائية بعد أن رفعت الفنانة آثار الحكيم دعوى قضائية على البرنامج لتعرضها للترويع بعد اشتراكها في حلقة من برنامج "رامز قرش البحر".

وقد طالب أعضاء البرلمان المصري بإلغاء برنامج رامز جلال في أحد مواسمه الذي عرّض فيه الضيوف للكهرباء والصعق، وذلك وفقاً لموقع "ديلي نيوز".

وقد اتهمته مبادرة "خريطة التحرش" (Harrassmap) باستخدام عبارات تروج للتحرش الجنسي وفقاً لموقع "إيجيبت توداي". أما البرنامج اللبناني "هدي قلبك" فقد اتُهم بالإساءة للسوريين بعد استضافة شاب سوري وإهانته.

كيف يؤثر العنف على الشاشات فينا؟

لا يمكن إلقاء اللوم على برامج المقالب في التسبب في انتشار العنف مجتمعياً؛ لكن تظل المقالب واحدة من الأسباب المؤيدة لتطبيع العنف من خلال عرضه على الشاشات بصورة مستمرة.

ووفقاً لإحدى الدراسات التي أجرتها الباحثة كايتيلين بيترانوفيتش؛ والتي تعمل في كلية الطب بجامعة نيو ميكسيكو ونُشرت في مجلة كلينيكال بيدياتريكس (Clinical Pediatrics)، فإن السلوكيات العنيفة على الشاشات تساهم في ظهور التنمر. وأوضحت الدراسة أن السلوكيات العدوانية على الشاشات أحد العوامل التي تساهم في انتشار العنف مجتمعياً.

لماذا يحب الناس المقالب؟

فكرة المقالب ليست بجديدة؛ إنما هي متوغلة في القدم. وهذه البرامج ليست حكراً على منطقتنا العربية فحسب؛ لكنها شائعة في العالم كله. لكن لماذا نحب المقالب بدايةً من كذبة أبريل/ نيسان، حتى برامج المقالب في رمضان؟

تقول الكاتبة كوني سونغ في موقع "ميديوم" أن الناس يحبون برامج المقالب لعدة أسباب؛ أولها التنافس بين الأصدقاء، والاتحاد ضد الخصم، وربما أيضاً الانتقام، أو بسبب شعور مريح بالترابط عند رؤية رد فعل الصديق على المقلب. لكن دعنا نؤكد على وجود خيط رفيع بين المقلب والتنمر، فإهانة الضيف، أو الإساءة له، أو التحدث بشكل سيئ عن جسده يدخل في نطاق التنمر.

كيف تؤثر علينا برامج المقالب؟

ماذا ستفعلون إذا صادفكم غريب يسألكم المساعدة؟ ربما تقدمون له المساعدة وهو الاحتمال الأغلب حدوثه؛ لكن مع انتشار برامج المقالب قد يشكك البعض أنه أحد برامج الكاميرا الخفية أو المقالب.

بحثت إحدى الدراسات التي أجراها الباحث أوتينو إسحاق من جامعة دياستر في تأثير برامج المقالب على مدى استجابة الشباب لمساعدة الغرباء. وفحصت العلاقة بين تكرار مشاهدة برامج المقالب، والاستعداد لمساعدة الغرباء في الشارع.

وبينت النتائج أن النساء كنّ أقل تعاطفاً من الذكور مع الغرباء، وقد أوصت الدراسة بضرورة تضمين رسالة للجمهور بعد كل مقلب لتخفيف الآثار السلبية على المُشاهد.

أحد الآثار السلبية أيضاً: في ظل محاربة وصمة المرض النفسي؛ يأتي برنامج رامز جلال في أحد مواسمه الذي حمل اسم "رامز مجنون رسمي" ليربط المرض النفسي بالسادية والعنف؛ الأمر الذي أثار غضب المسؤولين في وزارة الصحة، والأطباء في مستشفى العباسية للصحة النفسية، وفقاً لموقع "دايلي نيوز" .

بينما صرّح الطبيب النفسي الشهير ومستشار الرئيس عبد الفتاح السيسي؛ أحمد عكاشة، بعدم رضاه عن اسم البرنامج، وذلك وفقاً لموقع "إيجيبت إندبندنت". وبالتأكيد تؤثر مشاهد التنمر والعنف التي نراها على الشاشة على الأطفال والمراهقين؛ لكنها ليست السبب الوحيد الذي يدفع الأطفال للتنمر في الواقع على زملائهم إنما أحد الأسباب.

وإذا نحينا المواقف المرعبة، فقد حظيت برامج المقالب بشعبية كبيرة قبل أن تنتشر برامج التوعية بالأثر النفسي للتنمر الذي تعرّض معظمنا له في مرحلة من حياته، وكذلك انتشار الحملات التي تنادي بإيجابية الجسم؛ ويقصد بها تقبل كل الناس لأجسامهم، وتحدي معايير الجمال التي يفرضها المجتمع، ومساعدة الناس على فهم كيف تدخلت وسائل الإعلام في علاقتهم بأجسامهم وغذائهم ولباسهم.

لكن ذلك لم يعد مقبولاً اليوم، فلا يجب أن ندعو الأطفال للتوقف عن التنمر من ناحية ونحتفي به على الشاشة من ناحية أخرى!

اقرأ أيضاً: كيف يؤثر التنمر على الأطفال المصابين بمتلازمة داون؟

لماذا قد يجد البعض خوف الآخرين ممتعاً؟

تطرح هذه البرامج سؤالاً للمهتمين بعلم النفس وهو: لماذا يشعر البعض بالسعادة لجرح الآخرين أو السخرية منهم؟ هل ينطوي الأمر على نوع من أنواع السادية أو الاستمتاع بمعاناة الآخرين؟

وصفت إحدى دراسات الماجستير التي أجراها الباحث في علم النفس إيرين بوكليس في جامعة بريطانيا الكولومبية، بعض السلوكيات التي يمارسها البعض يومياً؛ مثل التلذذ بقتل الحشرات، بأنها نوع من أنواع السادية.

ربما يشبه الأمر كثيراً متعة مشاهدة الضيف وهو في حالة هلع من السقوط من الطائرة، والسخرية من هذا الهلع. وهو ما يتفق معه الطبيب النفسي محمد الشامي؛ استشاري الطب النفسي في جامعة قصر العيني، وفقاً لموقع "إيجبشان ستريتس" فقد وصف أحد البرامج بأنها تنطوي على صفة السادية.

أما الطبيب النفسي فادي صفوت؛ نائب رئيس العلاقات العامة بمستشفى الصحة النفسية بالعباسية، فقد وصف هذه البرامج بأنها تشجع على التنمر وعدم احترام الآخرين وإهانتهم وفقاً للمصدر السابق ذكره، كما صرّح بأن إذلال الضحايا والسخرية منهم أمر غير مضحك أو مقبول.

وختاماً؛ ربما علينا إعادة النظر في هذه البرامج ونقاش مدى تأثيرها علينا، وإخراجها بطريقة لا تقتضي تعذيب الضيوف وتسبب لهم الهلع أو تعرّضهم للخطر، ووضع تصنيف عمريّ لهذا النوع من البرامج.

المحتوى محمي