كيف تشارك حدادك مع الآخرين؟

مجموعات المساعدة الذاتية
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

تسمح مجموعات المساعدة الذاتية لمساندة المفجوعين واحتواء حزنهم، للآباء الذين فقدوا أطفالهم بمشاركة معاناتهم من خلال الاستماع إليهم وتقديم الدعم لهم وفهمهم، وذلك لمحاولة دمجهم وتقديم الإحاطة اللازمة لهم كخطوة أولى بعد الفجيعة.
في هذا السياق تحدثت دومينيك دافوس؛ المؤسسة المشاركة لفرع جمعية منطقة “إيل دو فرانس”، عن الدعم الذي تقدمه جمعيتها لهؤلاء الآباء الثكلى.

ما الذي يبحث عنه الآباء المفجوعون عندما يطرقون باب جمعيتك؟

دومينيك دافوس: إنهم يبحثون عن الأمل قبل كل شيء. تقدم جمعيتنا ما هو ممكن لكي يتخلص الشخص المفجوع من معاناته ومن حالة الذهول التام التي يعيشها. من الطبيعي أن تشعر بالحزن العميق عند فقدان طفلك، فأنا أيضاً توفيت ابنتي منذ 19 عاماً وكنت أماً ثكلى. ومع مرور الوقت من الصعب أن نتذكر أننا عشنا هذه الحالة.

ما هو الغرض من مجموعات المساعدة الذاتية لمساندة المفجوعين واحتواء حزنهم؟

دومينيك دافوس: أولاً ينبغي الالتزام بتلبية الحاجة الرئيسية للآباء المفجوعين، فهم يتوقون إلى التحدث عن طفلهم المفقود. كل هذا وهم بين أشخاص مروا بنفس الألم والفجيعة. فوفقاً للآباء الثكلى؛ فقط أولئك الذين عاشوا الفقدان يمكنهم استيعاب صدمتهم وألمهم.

كما تساعد المجموعة على محاربة الحاجة إلى العزلة والانزواء بالنفس وتطويق الشعور بعدم الفهم والرفض الذي يتعرض له الآباء الثكلى من جانب الآخرين.

على نطاق أوسع؛ إنها عبارة عن غرفة معادلة الضغط الاجتماعي فهي تساعد على إعادة روح الاندماج للآباء المفجوعين مع الآخرين والاهتمام بهم، بالإضافة إلى الاستماع إلى آلام كل فرد منهم من خلال إعادة تكوين بُنيان مجموعة بشرية صغيرة؛ ما يسمح تدريجياً باستعادة التوازن.

التقاء مجموعات من الآباء الذين فقدوا أطفالهم بسبب المرض أو الحوادث أو الانتحار: هل هذا التنوع ميزة أم عائق؟

دومينيك دافوس: نحن مقتنعون تماماً بأن الشيء الوحيد الذي يهم هو وفاة الطفل وضرورة تقبل حقيقة هذه الخسارة مهما كان السبب. لكن شعور الحزن سيختلف اعتماداً على ما إذا كان الشخص قد فقد طفله بعد مرض طويل؛ حيث ربما يكون قادراً على الاستعداد لموته نوعاً ما -حتى لو لم يستعد أبداً لذلك- أو أثناء حادث سيارة وحشي، أو إذا كان الطفل انتحر تاركاً رسالة أم لا.

فهذه الاختلافات الرئيسية تفيد أن هناك أوقاتاً لن يتمكن فيها الناس من الاجتماع مع بعضهم البعض. لكن هذا يشكل ثراءً بين المجموعات. غالباً ما يقول الآباء عند الاستماع لعائلات أخرى مفجوعة: “ما حدث لي أقل أهمية مما رأيتموه”. لا يوجد تسلسل هرمي في الخسارة أو المعاناة؛ لكن هذا التنوع يساعد على النسبية وإعادة الانفتاح على الآخر.

يقود مجموعات المساعدة الذاتية شخصان مُتدرّبان على دعم الشخص المفجوع. ما هو دورهما؟

دومينيك دافوس: في الحقيقة لا يتعلق وجود المُدَرّبين بإعطاء النصيحة وبث الطمأنينة؛ بل بالأحرى بتقديم التعزية، وقبل كل شيء تعزيز التجاوب بين المشاركين من خلال ضمان أن يتمكن كل شخص من قول ما يرغب في أن يعبر عنه، لا سيما عندما يتعلق الأمر بالغضب والشعور بالذنب، وهما أكثر المشاعر عنفاً التي يجب التعامل معهما بعد هذه الفجيعة.

على سبيل المثال؛ سنحاول التأكد من أن الآباء يمكنهم التعبير عن غضبهم تجاه أطفالهم، خاصة في حالة الانتحار، بقولهم: “ألوم ابني على تركه لي” فنحن عادةً لا نعتقد أننا نستطيع أن نقول هذا.

تماماً مثل السعادة؛ عندما تفقد طفلًا نعتقد أنه لم يعد لدينا الحق فيها. ولذلك تسعى المجموعة لإحياء شعور السعادة مرة أخرى في نفس الآباء الثكلى من خلال التأكيد على أن الشعور بالفرح من جديد لا يفيد خيانة أي شخص.

المجموعة مغلقة: لماذا يأتي نفس الأشخاص كل شهر لمدة عام؟

دومينيك دافوس: تمثل المجموعة المغلقة التزاماً في وقت لم يعد فيه المرء قادراً على الالتزام على المدى الطويل. لا سيما عندما تفقد طفلك، فأنت تشعر بأنك لن تصل أبداً إلى نهاية اليوم أو الشهر أو السنة. لكن من خلال الانضمام إلى المجموعة؛ يعرف الآباء جيداً أنه سيتم تذكيرهم بهذا الالتزام، فنحن دائماً في انتظارهم.

في واقع الأمر؛ يعد العثور على نفس الأشخاص لمدة عام أمراً قوياً وداعماً، لأنها فترة يخذلك فيها الكثير من الأشخاص. ومن هنا يتكون فريق يرافق الأشخاص حتى النهاية.

نحن لا ننسى أبداً الأعضاء الآخرين في المجموعة. سنة واحدة تسمح لك أيضاً بتجاوز جميع التواريخ؛ مثل العودة للمدرسة، عيد الأم وعيد الأب وعيد ميلاد الطفل وتاريخ وفاته، فالسنة الأولى بعد الوفاة صعبة للغاية .

وبعد عام تتفرق المجموعة؟

دومينيك دافوس: نعم، ونبدأ في التحدث عن هذا ابتداءً من جلسة المجموعة السادسة. الأمر صعب، فالكل يريد تكرار العملية لكننا لا نكررها. إذا احتَاج الوالدان إلى ذلك، فيمكنهما الذهاب لرؤية أشخاص آخرين. هدفنا هو إيداع بعض الأمل في نفوس الآباء حتى تؤتي ثمارها.

في بعض الأحيان نشعر بالقلق إزاء بعض الآباء الذين يتركوننا؛ لكننا لسنا هنا لنجعلهم يتحركون. نحن هنا فقط للسماح لهم بالتحدث عن فقدانهم لفلذات أكبادهم، ومساعدة الناس على الاتصال من جديد بنقاط قوتهم من خلال استعادة ثقتهم بذلك.

أنت نفسك تابعت المجموعة، فماذا جنيت منها؟

دومينيك دافوس: توفيت ابنتي الثالثة كابوسين عن عمر يناهز 14 عاماً إثر خطأ طبي. كانت مصابة بسرطان الدم. شعرت بالكثير من الغضب بعد وفاتها وكنت أيضاً في حالة صعبة للغاية.

مما لا شك فيه أن قوة مجموعة المساعدة الذاتية هذه هي التي سمحت لي أن أؤمن بالمستقبل مرة أخرى. لقد انهَرنا جميعاً ودمرتنا هذه الفاجعة، وخلال عام واحد استطعنا استعادة قوتنا.

ساعدتني المجموعة في التواصل مع قدراتي لإيجاد نفسي من جديد. إذا أخبرتني قبل 19 عاماً من الوفاة بأنني سَأستطيع الوصول إلى ما أنا عليه اليوم فلن أصدق ذلك. نحن نتجاهل مصادرنا الداخلية، علماً بأن قوة المجموعة تكمن في مساعدتك على التعبير عنها. بعد عام أخذت بزمام الأمور وأصبحت لديّ خططي، ولم أعد أخاف من الخوض في الحزن. كنت أعلم أنه إذا كان الأمر مؤلماً للغاية، فيمكنني تجاهله لأنني من هنا سأستعيد قوتي.

هل لديك ذكريات قوية عن المجموعة؟

دومينيك دافوس: أتذكر أماً شابة فقدت طفلًا صغيراً جداً. ذات يوم أعلنت لنا أنها حامل. في الواقع؛ إنها واحدة من أفضل ذكرياتي عن المجموعة، ولهذا نقول أنه من الممكن العودة إلى الحياة مرة أخرى وبنفس القدر من الجمال.

كما كان لدينا أب فقد طفله منذ عشر سنوات. في البداية كان يخيف الآباء الآخرين قليلاً من إمكانية بقائهم على هذه الحالة حتى بعد مرور 10 سنوات. لكن في أحد الأيام قال له أب آخر: “لقد أخفتني في البداية؛ لكن الآن تشجعني كثيراً على أن أواجه هذا الفقدان وأحتويه، فهو لن يستمر إلى الأبد”.

ماذا تعني لك مساندة الآخرين واحتواء حزنهم بالتحديد؟

دومينيك دافوس: مساندة الآخرين واحتواء حزنهم يستغرق بعض الوقت ويتطلب حسن المعاملة. ورغم ذلك لن ينتهي الأمر أبداً. لكن هل يمكن أن نقول حقاً أننا قد قمنا فعلاً بمساندة الآخرين واحتواء حزنهم؟

في الحقيقة؛ من المؤكد أنه يمكن ترويض النفس على كل شيء؛ حتى ما نعتبره الأسوأ. علاوة على ذلك؛ يعطي الترويض معنى لهذه المحنة، ليس لموت الطفل بالتحديد ولكن للحياة بصفة عامة، لنبقى على قيد الحياة.

error: المحتوى محمي !!