في أثناء خوض رحلة الحياة، تمر علينا جميعاً أيام صعبة نشعر خلالها بالكثير من الحزن والإرهاق والتوتر، نحس بأن المشاكل تحيط بنا من كل جانب، وأحياناً يداهمنا شعور ثقيل بأن هذا الوضع لن ينتهي أبداً. وفي مثل هذه اللحظات نظن أن الخيارات محدودة وأن الحلول تبدو مستحيلة، لكن ثمة طريقة تفكير يمكنها تغيير منظورك للأيام الصعبة؛ وهي طريقة التفكير المرن، ويمكن القول إن هذا التفكير لن يزيل مشاكلك، أو يخفي أصعب أيامك، إنما عوضاً عن ذلك سوف يساعدك على تجاوزها، فما هو التفكير المرن؟ وكيف تواجه أصعب الأيام من خلاله؟ الإجابة عبر هذا المقال.
ما هو المقصود بالتفكير المرن؟
يرتكز التفكير المرن بالأساس على فكرة المرونة النفسية، وتوضح أستاذة الطب النفسي في جامعة نيويورك، راشيل غولدمان، أن المرونة النفسية هي البقاء حاضراً في اللحظة الراهنة، مع الانفتاح على الأفكار والمشاعر التي تطرأ، ومن ثم اتخاذ إجراءات تتماشى مع قيمك الأصلية. وفي حياتك اليومية، تتيح لك المرونة النفسية تعديل سلوكياتك وفقاً لمتطلبات الموقف.
وتعد المرونة النفسية جزءاً أساسياً من العلاج بالقبول والالتزام، وهو نوع من العلاج مصمم لمساعدة الناس على التوقف عن صراعهم مع مشاعرهم والبدء بعيش حياة إيجابية، الفكرة هي أن محاولة التحكم في الأفكار والمشاعر غير المريحة أو تجنبها تزيدها سوءاً، لكن إذا تعلمت تقبل هذه التجارب دون السماح لها بالسيطرة عليك، ستجد أن من الأسهل عليك المضي قدماً.
اقرأ أيضاً: ما تريده لا يريدك؟ إليك خطة الإنقاذ النفسية
ومن خلال ممارسة المرونة النفسية والتفكير المرن، يمكنك تحسين قدرتك على إدارة التوتر، والتعامل مع عدم اليقين، والتعافي من النكسات. علاوة على ذلك، سوف يساعدك التفكير المرن على عيش حياة ذات معنى، بدلاً من الخوف، ويمكن القول إن التفكير المرن يشبه جهاز المناعة، تخيل معي أن جهاز مناعتك ضعيف، حينها سوف تستغرق الكثير من الوقت حتى تتعافى من نوبة برد، والأمر نفسه ينطبق على صحتك النفسية؛ حين تكون مرونتك منخفضة سوف تتعثر في طريقك وتشعر بالإرهاق والتوتر بسهولة. بالإضافة إلى ذلك، يساعدك التفكير المرن على:
- التكيف مع المواقف الجديدة والتغيرات الكبرى سواء في العمل أم الحياة الشخصية.
- إدارة مشاعر القلق والتوتر والتحرك نحو الأمام حتى في وجود المشاعر غير المريحة.
- مواجهة الخوف من التجارب الجديدة، مثل بدء هواية أو مشروع جديد.
- التعامل مع الصراع في العلاقات، سواء كانت علاقة مع صديق أم مع أحد أفراد العائلة.
- تعزيز الصحة النفسية عبر زيادة مشاعر الرضا والشعور بالسلام الداخلي.
كيف تواجه أصعب الأيام بالتفكير المرن؟
إذا كنت أكثر حساسية للضغوط النفسية، وتجد صعوبة في التعامل مع المصاعب أو الشدائد، فمن المهم ألا تعتبرها عيباً في شخصيتك، وتذكر دائماً أن التفكير المرن هو مهارة يمكنك تطويرها، وحين تواجه أياماً صعبة جرب استخدام الاستراتيجيات التالية:
1. تقبل فكرة وجود الأوقات الصعبة
لا تسير الحياة على وتيرة واحدة، سوف تواجه أياماً جيدة ثم ستأتي أيام صعبة، عليك تقبل هذه الفكرة أولاً، والحقيقة أنني في الماضي، عندما كنت أواجه مواقف صعبة، غالباً ما كنت أقاوم لأنني لم أرغب في مواجهة المصاعب، بل أردت زوالها؛ لكن مع مرور الوقت، أدركت أن المقاومة تطيل الألم. استغرق الأمر بعض الوقت، لكنني بدأت أتقبل فكرة اللحظات الصعبة بدلاً من الهروب منها. لا أقول إنني استمتعت بها، لكنني توقفت عن مقاومة الواقع.
وفي كل مرة شعرت فيها أن الحياة لا تطاق، بذلت جهداً لأفهم أن المصاعب جزء من الرحلة، لم يكن الأمر سهلاً، لكنه مع ذلك ليس مستحيلاً، وخاصة أن الإنكار سيمنعك من البحث عن حلول أو اتخاذ إجراءات، ويعوق عملية الشفاء والتجاوز.
2. اسمح لمشاعرك بالظهور
قد تظن أن أفضل طريقة لتجاوز الأيام الصعبة هي التظاهر بالشجاعة وتجاهل مشاعرك المؤلمة، لكن هذا غير صحيح، مشاعرك المؤلمة ستظل موجودة سواء اخترت الاعتراف بها أم لا، وكل محاولاتك لمنع مشاعرك من الظهور سوف تؤدي إلى تفاقمها وستصيبك بالتوتر، كما ستمنعك من المضي قدماً.
لذلك تعلم أن تتقبل مشاعرك، واسمح لها بالظهور. على سبيل المثال، غالباً ما تنطوي الأيام الصعبة على خسارات، مثل خسارة وظيفة أو فرصة عمل كنت تحلم بها، وفي مثل هذه المواقف، اسمح لنفسك بالحزن، واعترف بخسارتك.
3. أعد صياغة أفكارك السلبية
أفكارك تشكل واقعك، ولهذا فإن إعادة الصياغة المعرفية تمنحك القدرة على تغيير منظورك واستعادة السيطرة على حالتك النفسية، وحتى تعيد صياغة أفكارك السلبية، حددها أولاً وارصد التشوهات المعرفية داخلها، مثل فكرة الكل أو لا شيء، وفكرة التهويل، بعدها حاول بناء وجهة نظر جديدة متوازنة وواقعية، وتعلم أن تتحدى التفكير الكارثي من خلال كتابة اليوميات وتسجيل أفكارك أولاً بأول خلال أيامك الصعبة.
اقرأ أيضاً: هل تفكر دوماً في أسوأ السيناريوهات؟ إليك كيفية التغلب على ذلك
4. انتبه جيداً إلى كلماتك
تجنب استخدام الكلمات التي تشير إلى خيار أو نتيجة جيدة واحدة فقط، ولا تقل لنفسك أو للآخرين كلمات مثل "لن أستطيع" أو "دائماً" أو "أبداً" فهذه الكلمات تؤثر في طريقة تفكيرك، وأحياناً تعوق التفكير المرن. على سبيل المثال، لا تقل "إذا لم أحصل على هذه الوظيفة، فلن أتقدم في مسيرتي المهنية أبداً".
ولكن عوضاً عن ذلك يمكنك قول "سوف تكون هذه الوظيفة فرصة رائعة للارتقاء بمسيرتي المهنية"؛ في هذه الحالة أنت لم تقرر أن هذه الوظيفة هي الوسيلة الوحيدة للارتقاء بمسيرتك المهنية، وهذا هو جوهر التفكير المرن، أن يكون منظورك واسعاً للأمور؛ وحتى لو لم تحقق النتائج التي تتوقعها في أحد المسارات، هناك دوماً مسارات أخرى.
5. تواصل مع الآخرين
التواصل مع الأصدقاء والعائلة عندما تمر بأيام عصيبة يمكن أن يساعد على تخفيف التوتر، وتحسين مزاجك، وفهم كل التغييرات التي تمر بها، وبدلاً من الشعور بأنك تواجه مشاكلك وحدك، يمكنك استمداد القوة وبناء المرونة من وجود الآخرين الذين تعتمد عليهم، وليس من الضروري أن يكون لدى أصدقائك وأفراد عائلتك حلولاً للمشاكل التي تواجهها، بل يكفي أن يكونوا مستعدين للاستماع إليك دون إصدار أحكام.
6. تعاطف مع نفسك
جميعنا نرتكب أخطاء أو نواجه انتكاسات وأياماً صعبة، وفي مثل هذه الأوقات، من السهل الوقوع في فخ النقد الذاتي، لكن بدلاً من لوم نفسك، حاول ممارسة التعاطف مع الذات، هذا يعني أن تعامل نفسك باللطف والتفهم نفسهما اللذين تعامل بهما صديقاً.
وخلال الأيام الصعبة اعتن بنفسك بمختلف الطرائق المتاحة، مثل الحصول على قسط كاف من الراحة، وتناول طعام صحي، والخروج لاستنشاق الهواء الطلق. يمكنك أيضاً تجربة التأمل وتمارين التنفس العميق، ربما لن تحل هذه الأنشطة مشكلتك بطريقة مباشرة، لكنها ستجعل عقلك أكثر استقراراً حتى تفكر بهدوء.
اقرأ أيضاً: 8 نصائح لبناء المرونة استعداداً لمواجهة الشدائد
7. ركز على ما يمكنك التحكم به
في الأيام الصعبة والأوقات العصيبة، من السهل أن نقع فريسة للعجز، ونحس بأن الأمور خرجت عن سيطرتنا. في مثل هذه الأوقات، يجب أن تركز جيداً على الأمور التي تقع ضمن نطاق سيطرتك، أما الأمور الخارجة عن السيطرة فلا تقلق بشأنها، حدد ما يمكنك التحكم فيه وركز عليه جيداً.
على سبيل المثال، ضع قائمة بالجوانب في حياتك التي يمكنك اتخاذ إجراءات إيجابية فيها، مهما كانت صغيرة؛ سواء كان ذلك تنظيم مساحة عملك، أم إنشاء روتين للعناية الذاتية، أم تحسين عادات نومك، فإن التركيز على هذه الخطوات الصغيرة يمكن أن يساعدك على استعادة الشعور بالمسؤولية وتقليل مشاعر العجز.
في النهاية، تأكد من أن أصعب الأيام سيمر أيضاً، ويعتقد الطبيب النفسي، محمد اليوسف، أن صاحب التفكير المرن ينهض بعد كل وقوع، ويتماسك بعد كل تعثر، لأنه يدرك أن الفشل ليس نهاية المطاف، وأن الاستمرار في المحاولة نجاح، كما أن المرن نفسياً يعي أن كل إنسان يمر بلحظات ضعف وفترات انكسار، وأن هذا لا يجعله إنساناً ضعيفاً إلا إذا استسلم أو انهار.