هل تمر عليك بعض اللحظات والأيام الصعبة التي تجعلك تشعر بأنك غير قادر على أداء المهام اليومية؟ هل تمر بتحديات مختلفة تخص مواجهة مديرك في العمل أو التحدث أمام جمهور عريض؟ ماذا لو أخبرتك أن التحول إلى شخصية بديلة يمكن أن يعزز ثقتك بنفسك، ويحسن تركيزك، ويجعلك أكثر مرونة تحت الضغط؟
قد يبدو الأمر خيالياً بعض الشيء، لكن هناك أداة نفسية فعالة يطلق عليها اسم "تأثير باتمان"، إذ يسمح لك هذا التأثير بتقمص شخصية باتمان من أجل تحسين أدائك، فما هي قصة هذا التأثير؟ وكيف يمكن استخدامه في تنظيم مشاعرك والتعامل مع التحديات التي تواجهك؟ الإجابة عبر هذا المقال.
ما هو تأثير باتمان؟
هو عبارة عن أداة نفسية تمكنك من مواجهة تحديات الحياة المختلفة عبر الخروج من ذاتك وتبني شخصية بديلة قوية مثل شخصية "باتمان" والفكرة هي أنك عبر رؤية نفسك شخصاً آخر؛ شجاعاً، ومنضبطاً، ومثابراً؛ سوف تغير عقليتك وتتجاوز الشك الذاتي.
وقد ظهر مصطلح تأثير باتمان في عام 2016 وذلك من خلال دراسة بحثية نشرتها دورية "تنمية الطفل" وأجراها باحثون من جامعة مينيسوتا وجامعة ميشيغان، وكشفت نتائجها أن أداء الأطفال يمكن أن يتحسن تحسناً ملحوظاً إذا تخيلوا أنفسهم في شخصية أخرى مثل "باتمان". وشملت الدراسة 180 طفلاً تتراوح أعمارهم بين 4 و6 سنوات، وطلب منهم أداء مهمة مملة مدة عشر دقائق مع إغراء التوقف للعب لعبة فيديو جذابة. وأظهرت النتائج أن الأطفال الذين تظاهروا بأنهم شخصيات خارقة استمروا في العمل أطول من غيرهم.
ومن أهم النتائج التي أظهرتها الدراسة أن وجود مسافة بين الشخص وذاته، أو ما يعرف باسم "التباعد النفسي"، يقلل عملية التأثر بالعواطف ويجعل الشخص أكثر تحكماً في سلوكه، ويمكن القول إن التباعد النفسي هو مصطلح يصف قدرتك على فصل نفسك عن الموقف الذي يمثل تحدياً بالنسبة لك، وذلك حتى تتعرف إلى البيئة المحيطة جيداً ثم تبني منظوراً أوسع، وذلك عوضاً عن الانغماس في دوامة من الأفكار والمشاعر السلبية.
وفي سياق متصل، يشرح الطبيب النفسي الناجي من الهولوكست، فيكتور فرانكل، في كتابه "بحث الإنسان عن المعنى" أن ثمة مسافة بين المحفز والاستجابة، وداخل هذه المسافة تكمن حريتك وقدرتك على النمو، ويمكن القول إن "التباعد النفسي" يوفر لك هذه المسافة.
جدير بالذكر أن تأثير باتمان يمكن أن يستخدم من أجل أداء المهام المملة والصعبة في العمل، أو يمكنك اللجوء إليه في حالة الخوف أو القلق، وفي هذا السياق، صرحت المغنية الأميركية الشهيرة بيونسيه، في لقاء لها مع أوبرا وينفري، أنها تملك شخصية بديلة، وعادة ما تستدعي بيونسيه تلك الشخصية من داخلها حين تحس بالتوتر أو القلق قبل الصعود للغناء، وتشرح بيونسيه أن شخصيتها التي أطلقت عليها اسم "ساشا فيرس" هي شخصية واثقة من نفسها ومتمكنة وبارعة، وقد ظلت بيونسيه تستدعي تلك الشخصية التي تشبه "باتمان" في صفاتها المثالية من أجل تخفيف حدة مشاعر القلق والتوتر.
اقرأ أيضاً: تأثير بقعة الضوء: لماذا قد تشعر بأن العيون مسلطة عليك؟
في هذا السياق، تؤكد أستاذة علم النفس في كلية هاميلتون بنيويورك، راشيل وايت، أن التباعد النفسي يمنحك مساحة إضافية للتفكير بعقلانية في الموقف، كما أنه يساعدك على تنظيم المشاعر السلبية مثل القلق والتوتر والخوف، ويزيد مثابرتك في أداء المهام الصعبة، ويحسن انضباطك الذاتي، بالإضافة إلى ذلك، فإن تأثير باتمان أو ما يعرف باسم التباعد النفسي، يمكن أن يساعدك على:
- بناء المرونة وتعزيز قدرتك على تجاوز النكسات.
- تعزيز ضبط النفس والقدرة على التوقف والتفكير من أجل اتخاذ قرارات أفضل.
- تشجيع الإبداع عبر تخيل سيناريوهات مختلفة ورؤية الأمور من زاوية بطل خارجي مثل باتمان.
- تقليل الضوضاء العقلية التي قد تعوق الوضوح والتركيز.
- تشكيل معتقدات جديدة عن نفسك والقدرة على التعامل مع ناقدك الداخلي الذي يعوق تقدمك.
- تعزيز الثقة بالنفس، وذلك بسبب قدرتك على تجاوز المواقف الصعبة.
اقرأ أيضاً: اكتشف هذه التقنية المبتكرة لاستعادة الثقة بالنفس
كيف تستعين بتأثير باتمان من أجل تحسين أدائك؟
حين تفكر في الاستعانة بتأثير باتمان، سوف يكون عليك في البداية إنشاء هويتك البديلة التي تتوافق مع أهدافك وتطلعاتك، وحتى تبدأ جرب النصائح التالية:
1. ابدأ بتحديد هدفك
حدد هدفك جيداً سواء كان تعزيز الثقة بالنفس، أو تحسين الإبداع، أو النجاح في مجال محدد من حياتك، تأكد منه تماماً قبل أن تبدأ بتجسيده. بعد ذلك اسأل نفسك ما الذي تريد العمل عليه؟ ما الذي تحتاج إلى تحسينه؟ ما هي جوانب شخصيتك التي تظهر عندما تشعر بالتوتر والقلق والخوف؟
2. اختر شخصيتك البديلة بناء على الموقف
شكل شخصية هويتك البديلة وفقاً للموقف الذي تواجهه أو وفقاً لأهدافك؛ فكر في سمات الشخص الذي يجسد الصفات التي ترغبها وعقليته، طور صورة وصوتاً وأسلوباً فريداً يعكس هذه الشخصية، ثم أطلق عليها اسماً يتردد صداها داخلك، وليس بالضرورة أن تكون الشخصية باتمان على اسم التأثير الذي نتحدث عنه، لكن باتمان يجسد هنا شخصية خارقة أو شخصية تراها مثالية لمواجهة الموقف الذي ترغب في التعامل معه.
3. جهز نفسك ذهنياً
قبل أن تقرر الاستعانة بتأثير باتمان، جهز نفسك ذهنياً؛ على سبيل المثال، لنفرض أن لديك عرضاً تقديمياً في العمل، وأنت تحس بالتوتر والقلق من التحدث أمام الجمهور، في هذه الحالة، عليك أن تجهز نفسك ذهنياً قبل الاستعانة بشخصيتك البديلة، اسأل نفسك: كيف ستتصرف الشخصية التي ابتكرتها في موقف العرض التقديمي؟ وامنح نفسك وقتاً للتفكير في هذا المنظور الجديد، وتدرب ذهنياً على العرض وفقاً لنمط الشخصية البديلة.
اقرأ أيضاً: كيف توقف الحلقة المفرغة لاجترار الأفكار السلبية بحسب خبير في علوم الأعصاب؟
4. تدرب في المواقف الأقل خطورة
حين تبتكر باتمان الخاص بك وتصنع شخصيتك البديلة من أجل ممارسة التباعد النفسي، جرب الاستعانة بها في المواقف الصغيرة والأقل خطورة، مثل اختيار ملابسك في الصباح قبل الذهاب إلى العمل، أو اختيار مشروبك المسائي أو حتى حين تنظم مساحتك في العمل.
5. استخدم التأثير عند الحاجة فقط
قوة التباعد النفسي تستخدم فقط في المواقف الصعبة وعند الحاجة، إذ لا يمكنك أن تكون شخصيتك البديلة طوال الوقت، على سبيل المثال، يمكنك استخدام تأثير باتمان في الليلة التي تسبق الموعد النهائي لتسليم مشروع مهم، وأيضاً تستطيع استخدام التأثير في المشاجرات العاطفية المشحونة، وذلك حتى تقف على مسافة كافية من الخلاف وتتمكن من النظر إليه عن بعد، بالإضافة إلى ذلك، يمكن استخدام تأثير باتمان في المواقف التي تجعلك تحس بالخوف والقلق والتوتر، فيما عدا ذلك لا تستخدم التأثير ولا تعيش وفق نمط شخصيتك البديلة.
في النهاية، تأثير باتمان ليس مجرد خدعة ذهنية، لكنه أداة نفسية تساعدك على الخروج من ذاتك بعض الوقت، من أجل اتخاذ قرارات فعالة والتغلب على مشاعر القلق والتوتر، وإليك المفاجأة: مع مرور الوقت، لن تحتاج إلى هويتك البديلة. فالصفات التي تستعيرها تصبح في النهاية جزءاً من شخصيتك الحقيقية.
ويمكن القول إن إحدى فوائد تأثير باتمان هو فصل الفعل عن الانفعال، أو أن تأخذ مسافة بينك وبين الشعور، وفي هذا السياق، يشرح المعالج النفسي أسامة الجامع أن هذه المسافة تعطيك حكمة في التصرف؛ فكلما تريثت في رد الفعل امتلكت مرونة نفسية أعلى، وينصحك الجامع بعدم بناء تصرفاتك على عاطفتك لأنك في هذه الحالة ستخسر.