هل للوظيفة الحكومية ضغوط نفسية مختلفة عن باقي الأعمال؟

9 دقائق
الوظائف الحكومية
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: عبد الله بليد)

حتى الوظائف الحكومية التي تبدو مستقرة وآمنة قد تحمل في طياتها تحديات خفية مثل البيروقراطية والاحتراق الوظيفي وضغط التدقيق الإعلامي. التوازن بين المزايا والمخاطر يتطلب استراتيجيات عملية تحافظ على صحتك النفسية ومهنيتك، إليك أهمها:

  • التعرف المبكر إلى مؤشرات الإنهاك: راقب عل…

عندما قوبل طلبي للعمل في إحدى الوظائف الحكومية بالموافقة، اعتقدت أنني أستطيع الآن الاطمئنان بشأن مستقبلي المهني، فبالمقارنة مع الوظائف في القطاع الخاص أو الأعمال الحرة، لا يوجد خوف من تقليص في عدد الموظفين أو تغييرات جذرية في الهيكل التنظيمي، فهي توفر الاستقرار والأمان الوظيفي، إنها حلم كل موظف، أو هذا ما ظننته، فقد كان الواقع مختلفاً بعض الشيء، وما اعتقدت أنه سيحقق له الراحة النفسية والرضا الوظيفي تبين أن له جانباً مخفياً لا يراه الآخرون.

في الحقيقة، لا توجد وظيفة خالية من التوتر والضغوط حقاً، ولكن غالباً ما تنطوي المناصب الحكومية، من الموظفين في الخطوط الأمامية إلى كبار المسؤولين، على ضغوط نفسية تختلف في طبيعتها وعمقها عن تلك التي يواجهها العاملون في القطاع الخاص أو الأعمال الحرة. فما هي هذه الضغوط؟ وما السبيل للتعامل معها؟ إليك ما تحتاج إلى معرفته في هذا المقال.

ما هي الضغوط النفسية التي تتضمنها الوظيفة الحكومية؟

غالباً ما يعاني موظفو القطاع العام من مستويات أعلى من الضغوط النفسية مقارنة بنظرائهم في القطاع الخاص بسبب عوامل مثل:

1. الاستقرار الوظيفي مقابل الروتين والبيروقراطية في الوظيفة الحكومية

يشعر كثير من موظفي الحكومة بالاستقرار مقارنة بزملائهم في القطاع الخاص، حيث تقل احتمالية التسريح المفاجئ، ويضمن الموظف دخلاً ثابتاً وإجازات رسمية وتأميناً صحياً، فضلاً عن مزايا التقاعد. مع ذلك، غالباً ما يكون الموظفون الحكوميون غارقين في البيروقراطية؛ من روتين إداري وبروتوكولات صارمة، ومركزية في اتخاذ القرار، وقلة المرونة في تغيير النمط الإداري. فيجد الموظف الحكومي نفسه مقيداً بمهام ثابتة لا تتحدى قدراته أو مواهبه، ما قد يسبب شعوراً بفقدان الحافز والشغف، وعدم الفاعلية، ويسبب الإحباط بمرور الوقت.

في المقابل، يعاني موظفو القطاع الخاص من ضغوط مرتبطة بسرعة الإنجاز والمنافسة العالية والأفكار الإبداعية، خاصة في بيئات الشركات الناشئة أو القطاعات التكنولوجية. أي أن الضغط هنا يأتي من وتيرة العمل المتسارعة وليس من الروتين والبيروقراطية.

اقرأ أيضاً: تعرف إلى الوظائف الأكثر ارتباطاً بالاكتئاب وفقاً للدراسات

2. الاحتراق الوظيفي في القطاع العام يفوق وظائف القطاع الخاص

كشف بحث أجرته شركة إيجل هيل للاستشارات الإدارية عن أزمة إرهاق حادة تهدد استقرار القوى العاملة في المؤسسات الحكومية، حيث أظهرت الدراسة أن 65% من الموظفين الحكوميين يشعرون بالإرهاق والاحتراق الوظيفي، مقارنة بـ 44% فقط في القطاع الخاص.

ووفقاً لاستشاري الطب النفسي وليد السحيباني، يتسبب الاحتراق الوظيفي بأعراض نفسية مثل الشعور بالضيق والقلق وفقدان الرغبة بالعمل. بالإضافة إلى أعراض جسدية مثل القولون العصبي، والصداع التوتري، والتي تستمر حتى خارج ميدان العمل.

وحسب الدراسة التي سبق ذكرها، توجد 3 أسباب رئيسية للإرهاق الوظيفي في الوظائف الحكومية:

  1. عبء العمل الزائد: تؤدي المهام الكثيرة وغير المتخصصة في القطاع الحكومي، والتي لا تتناسب مع عدد الموظفين وحجم مهامهم، إلى ضغط متواصل على الموظفين.
  2. صعوبة التوفيق بين الحياة الشخصية والمهنية: يسبب التضارب بين متطلبات العمل وحياة الموظف الخاصة إجهاداً نفسياً مستمراً، إذ غالباً ما يفتقر القطاع العام للمرونة في جداول العمل، وعدم مراعاة ظروف الموظف الخاصة، فيبقى الموظف أسير صراع دائم بين الالتزامات العائلية والشخصية والمهنية، ما يسبب ضغطاً نفسياً شديداً. وهذا ما يظهر في إشارة 57% من موظفي القطاع العام في دراسة أخرى أجرتها إيغل هيل إلى أن مدراءهم لم يتخذوا أي إجراء لمساعدتهم بعد أن أعربوا عن شعورهم بالإرهاق.
  3. ضعف الدعم والتواصل: في حين تركز مؤسسات القطاع الخاص على توفير بيئة داعمة للموظف وتشجعه على النمو، على اعتبار أنه أحد أهم أصولها، مثل التقييم الدوري والتدريب، لا يتلقى الموظف الحكومي الإشادة الكافية أو التغذية الراجعة من مديره، ولا يشعر بأن جهوده مرئية أو مؤثرة.

3. ارتباط مباشر بالقرارات والسياسات الحكومية: الموظف العام في مرمى التغييرات  

يعمل موظفو القطاع العام في بيئة تكون فيها السياسات الحكومية جزءاً من يومياتهم المهنية. فأي تغير سياسي أو تعديل في السياسات العامة، مثل تغيير وزاري أو توجيهات جديدة من البرلمان، قد يترجم فوراً إلى تعليمات جديدة أو تغييرات في المهام والهيكل التنظيمي، ما يولد شعوراً بالصراع الداخلي أو التوتر النفسي.

اقرأ أيضاً: ما الفرق بين الاحتراق الوظيفي والإرهاق العادي؟

4. كثافة التدقيق العام وضغط وسائل الإعلام

يخضع القطاع العام لمراقبة مستمرة من الجهات الرقابية والإعلام والرأي العام، ما يضع الموظفين تحت ضغط دائم لتفادي الأخطاء أو إساءة التقدير. وهنا يمكننا استذكار ما عاناه العاملون في مجال الصحة خلال جائحة كوفيد-19، حيث تعرض موظفو مؤسسات الصحة الحكومية لضغط إعلامي مع كل قرار تضعه السلطات العليا على الرغم من أنهم ليسوا مسؤولين بصورة مباشرة عن اتخاذ هذه القرارات، ما سبب لهم شعوراً بالضغط والذنب والتوتر.

5. غياب الاستقلالية الإدارية

غالباً ما يخضع الموظفون الحكوميون لتوجيهات سياسية مباشرة، بما يحد من استقلاليتهم المهنية ويشعرهم بأنهم مجرد منفذين دون صوت مؤثر. على سبيل المثال، قد يلغي أحد المسؤولين مشروعاً اقتصادياً مجدياً لأسباب معينة، ويطلب من الموظف إعداد تقرير بديل يروج لقرار لا يعكس رؤيته المهنية، ما يزيد شعوره بالإحباط وفقدان السيطرة.

في المقابل، غالباً ما يكون الموظفون في القطاع الخاص أكثر استقلالية في أعمالهم اليومية، ويقل تأثرهم المباشر بالتقلبات الحكومية، كما أن ثقافة العمل تكون مبنية على تحقيق أهداف تجارية بعيدة نسبياً عن الأجندات الخاصة بالحكومات.

اقرأ أيضاً: الجمهور أم الإعلام: من وراء زيادة التعصب الرياضي في السعودية؟ وما تأثيره في الصحة النفسية؟

كيف تجعل وظيفتك الحكومية ذات معنى؟

إن كنت موظفاً في القطاع العام، يمكنك منع الإرهاق الوظيفي ومقاومة ضغوط العمل في وظيفتك، باتباع الطرق التالية:

  1. ركز على رسالة العمل: رسالة العمل هي الغرض أو الهدف الأسمى الذي تسعى المؤسسة الحكومية لتحقيقه من خلال عمله، وهي ما يجذب الناس للعمل في الحكومة. إنها ميزة لا يملكها القطاع الخاص. ضع رسالة العمل وغايته نصب عينيك، ولتكن بوصلتك التي توجهك في العمل، لأنها تساعد الموظفين عموماً على الشعور بارتباط بعضهم ببعض وبشيء أكبر من أنفسهم، وتعزز إيمانهم بأن عملهم يحدث تأثيراً إيجابياً.
  2. حاول تطوير عملك: لا تتوقف عن حدود المتوفر، بل ابحث عن الأدوات التي تساعدك على التفكير على نحو نقدي في كيفية تطور العمل، ومن ذلك الانضمام إلى الدورات التدريبية لتطوير الموظفين.
  3. انضم إلى البرامج المتاحة للرعاية: تساعد هذه البرامج الموظفين على حل مختلف المشكلات الشخصية والتحديات الحياتية التي قد تؤثر سلباً في قدرتهم على العمل. وقد تشمل دعماً للصحة النفسية وجلسات لمعالجة الصدمات النفسية والاكتئاب. لذا فإن الانضمام إليها يساعدك على مواجهة المشكلات النفسية التي قد تواجهك في العمل أو حتى في الحياة الشخصية.

اقرأ أيضاً: ما الذي يؤدي إلى الملل المزمن؟ وكيف تتجنبه؟

6 نصائح لتعزيز الصحة النفسية لموظفي القطاع الحكومي

يمكن للموظف في القطاع الحكومي الاستعانة بالاستراتيجيات التالية لحماية صحته النفسية:

  1. تعرف إلى علامات الإرهاق الوظيفي: انتبه إلى أعراض مثل التعب المستمر والانفعال وصعوبة التركيز وقلة الحافز واضطراب النوم أو الشعور بالاستنزاف العاطفي، إذ يتيح الإدراك المبكر التدخل في الوقت المناسب قبل تفاقم المشكلات.
  2. ارسم حدوداً واضحة بين العمل والحياة: تجنب التحقق من رسائل البريد الإلكتروني الخاصة بالعمل أو الرد على المكالمات خارج ساعات العمل قدر الإمكان، واستغل أيام إجازتك للانفصال التام عن العمل وإعادة شحن طاقتك.
  3. حدد أولويات المهام وتفويضها: ركز على المهام ذات الأولوية، أو قسم المهام الكبيرة إلى خطوات سهلة، لتجنب الضغط الزائد، ولا تتردد في تفويض المهام أو طلب الدعم عند الضرورة.
  4. مارس العناية الذاتية بانتظام: مثل الحصول على قسط كاف من النوم وتناول نظام غذائي متوازن وممارسة نشاط بدني منتظم. علاوة على ذلك، أضف تقنيات الاسترخاء إلى روتينك، مثل اليقظة الذهنية وتمارين التنفس العميق والتأمل أو اليوغا.
  5. ابن شبكة الدعم الاجتماعي: وطد علاقاتك في العمل والمنزل مع الزملاء والأصدقاء والعائلة، إذ إن مشاركة الخبرات والحصول على دعم الأقران يمكن أن يخفف ضغوط العمل.
  6. حافظ على التطوير المهني المستمر: اغتنم فرص التعلم وتطوير المهارات، لأن الشعور بالكفاءة والنمو يزيد رضاك الوظيفي ويعزز قدرتك على مواجهة الضغوط.

المحتوى محمي