في زحام مهام العمل التي لا تنتهي، والاجتماعات الطويلة، وثقافة تقديس العمل الدائم؛ والتي تتوقع أن يكون المدير متاحاً في الأوقات جميعها طوال اليوم، حتى بعد انتهاء ساعات العمل أو في أيام العطل، وسط كل هذا يجد المدير نفسه عالقاً في دوامة لا تنتهي أبداً من الانشغال الدائم، إذ يحمل أعباء الفريق، وأهداف المؤسسة فوق كتفه، ولكن الحقيقة هي أن الانشغال الدائم لم يعد علامة على النجاح والإنجاز، بل أصبح تهديداً للإبداع والصحة النفسية، ومن هنا تحديداً تكمن أهمية تحديد التوازن بين العمل والحياة الشخصية؟ فهل يمكن تحقيق هذا التوازن بالفعل؟ الإجابة عبر هذا المقال.
محتويات المقال
كيف يمكن للمدير المشغول أن يحقق التوازن بين الحياة والعمل؟
تحقيق التوازن بين العمل والحياة الشخصية يختلف من مدير إلى آخر، وعلى الرغم من ذلك هناك قائمة استراتيجيات سوف تساعدك على تحقيق الانسجام بين مسؤولياتك المهنية باعتبارك مديراً وحياتك الشخصية:
1. اعمل على تقييم وضعك الحالي بصدق
الخطوة الأولى من أجل تحسين التوازن بين العمل والحياة الشخصية هي تقييم وضعك الحالي بصدق؛ اسأل نفسك: كيف تقضي وقتك، وتبذل طاقتك ومواردك؟ ما هي أولوياتك وأهدافك وقيمك؟ كيف تتعامل مع التوتر والتحديات والصراعات؟ ما رأيك في عملك وحياتك؟ كيف تبدو علاقتك مع أفراد أسرتك وأصدقائك؟ يمكنك استخدام أدوات مثل سجلات الوقت، والتقويمات، والاستطلاعات، لجمع البيانات والرؤى حول وضعك الحالي.
2. ضع حدوداً واضحة
بصفتك مديراً، من المهم أن تضع حدوداً واضحة بين وقت العمل، وحياتك الشخصية. على سبيل المثال، حدد وقتاً تنتهي فيه من مهام عملك لا يمكنك بعده التحقق من بريدك الإلكتروني، أو التفكير في مواعيد التسليم النهائية، إذ يساعد الانقطاع عن العمل خلال ساعات الراحة على إعادة شحن عقلك والاستعداد لليوم التالي.
3. فوض المهام
يعد تفويض المهام مهارة أساسية ينبغي السعي إليها بصفتك مديراً، إذ ليس عليك إنجاز المهام جميعها بنفسك، لهذا حدد المهام التي يمكن للآخرين في فريقك العمل عليها وفوضها، ومع مرور الوقت سوف يتيح لك هذا الأمر التركيز على مهام أخرى مع توفير بعض الوقت للراحة الشخصية، وعلى الجانب الآخر، سوف يساعد أيضاً على تطوير مهارات أعضاء فريقك، ويعزز رضاهم الوظيفي.
4. قل "لا" للعمل الإضافي
حين تبدأ في وضع الحدود مع عبء العمل، كن حازماً، وارفض المهام الإضافية التي قد تعرض توازنك بين العمل والحياة للخطر، وعلى الرغم من أن الرفض قد يكون صعباً، فإنه مهارة مهمة، سوف تؤتي ثمارها في جودة بقية عملك وإنتاجيتك، وقدرتك على الإبداع.
اقرأ أيضاً: كيف تنجح في تحقيق التوازن النفسي بين الولاء للشركة والولاء لنفسك
5. خذ إجازاتك بانتظام
حاول قدر الإمكان استخدام إجازتك المدفوعة للاسترخاء واستعادة نشاطك، جسدياً ونفسياً، حيث تعد تلك الإجازة خطوة مهمة ومحورية نحو تحقيق توازن صحي بين العمل والحياة؛ وذلك لأنها تساعدك على الانفصال عن العمل، وتجديد نشاطك، والعودة إلى وظيفتك بكل نشاط وحيوية، وفي هذا السياق، يؤكد المعالج النفسي، أسامة الجامع، أن الإجازة ليست ترفاً، ولهذا لا تنتظر نهاية السنة بل خذ إجازة قصيرة كل 4 أسابيع، وخطط لمكافأة نفسك في عطلة نهاية الأسبوع.
6. رتب أولويات مهامك بفعالية
قدمت التكنولوجيا الكثير من الأدوات التي يمكن أن تساعدك على إدارة المشاريع، مثل مصفوفة أيزنهاور لترتيب الأولويات، وحين تستخدم هذه الأدوات سوف تتمكن من ترتيب مهامك بفعالية، وبهذا، يمكنك تجنب إضاعة الوقت في مهام ثانوية وغير مهمة، على سبيل المثال، يمكنك استخدام تطبيق تريللو لأنه يساعد في التذكيرات والتحديث.
وإلى جانب استخدام أدوات التكنولوجيا في ترتيب مهامك، يمكنك استخدام استراتيجيات أخرى في إدارة وقتك بفعالية، وذلك مثل استخدام تقنية بومودورو: حيث يمكنك تقسيم العمل إلى فترات محددة كل منها نحو 25 دقيقة، ثم أخذ فترات راحة قصيرة، وهذه التقنية تحسن الإنتاجية دون الشعور بالإرهاق.
7. ادمج الرعاية الذاتية في روتينك اليومي
خلال أيامك الأولى في محاولة تحقيق التوازن بين العمل والحياة الشخصية، قد تحس بالفراغ في وقتك الشخصي، ذلك الوقت الذي كنت تقضيه في تصفح بريد العمل والتفكير في المواعيد النهائية، لذلك حاول ملء هذا الوقت بأنشطة الرعاية الذاتية التي تعزز شعورك بالراحة والاسترخاء، مثل التأمل وممارسة اليقظة الذهنية، والخروج للمشي في الهواء الطلق، إذا كنت تحس بالإرهاق وتجد نفسك غير قادر على إنجاز المزيد من المهام، استرخ على أريكتك وحدق في السقف، أو اقرأ صفحات قليلة من كتابك المفضل.
8. اطلب المساعدة
لا تنس أبداً طلب المساعدة سواء من الإدارة العليا في الشركة، أم من الزملاء أو العائلة أو الأصدقاء، لا تتردد في طلب الدعم عند الحاجة، وذلك لأن التواصل المفتوح حول صعوباتك في إيجاد التوازن بين العمل والحياة يمكن أن يؤدي إلى إيجاد حلول عملية، مثل مواعيد العمل المرنة، أو تقاسم المسؤوليات، أو ببساطة الحصول على التعاطف والتفهم.
8 علامات تخبرك أنك في حاجة ماسة إلى تحقيق التوازن بين العمل وحياتك الشخصية
يختل توازن حياتك عندما يقتحم العمل الوقت الذي يجب أن تقضيه في أنشطة حياتك الشخصية، ما يؤدي إلى دوامة من التوتر والاحتراق النفسي والإرهاق الناجم عن ضغط العمل، ولهذا ركز جيداً على العلامات المهمة التالية التي تخبرك أنك بحاجة ماسة إلى التفكير في نمط حياتك الحالي:
- الإفراط في العمل باستمرار، والبقاء في المكتب ساعات طويلة بانتظام، بما في ذلك عطلات نهاية الأسبوع والعطلات الرسمية، دون راحة.
- إهمال المهام اليومية الشخصية مثل ترتيب البيت، وغسل الملابس، وإعداد طعامك الصحي، والاستعانة دوماً بمساعدة خارجية لأنك لا تملك الوقت أو الطاقة لإدارة حياتك الشخصية بنفسك.
- قلة التركيز على أنشطة العناية بالنفس؛ مثل ممارسة الرياضة، والنوم الكافي، والاستمتاع بوقت الفراغ، ما يؤدي إلى تدهور الصحة الجسدية والنفسية.
- عقلك منشغل على الدوام بتصفح رسائل العمل، أو التفكير في المهام أو الموعد النهائي التالي.
- توتر العلاقات الشخصية سواء مع زملاء العمل أم مع أفراد الأسرة.
- التعامل مع الإجازات كأنها ترف لا يمكنك تحمله، حتى عندما تكون منهكاً.
- عدم القدرة على الحضور والتركيز في اللحظة الحاضرة، إذ تحس دوماً بأنه مهما كانت المهمة التي تنجزها حالياً، عليك أن تقوم بشيء آخر حالاً.
- انخفاض الكفاءة وانعدام الشعور بالإنجاز.
اقرأ أيضاً: هل إدمان العمل خيار صحي للتأقلم مع ضغوط الحياة
لماذا يعد تحقيق التوازن بين العمل والحياة الشخصية أمراً مهماً للمدير؟
التوازن بين العمل والحياة الشخصية هو القدرة على إدارة متطلبات حياتك الشخصية والمهنية بطريقة صحية، مع الحفاظ على علاقة متناغمة بين مهام عملك وباقي مناحي حياتك، ويمكن القول إن تحقيق التوازن يختلف اختلافاً كبيراً من شخص لآخر، فلكل منهما احتياجات وأولويات فريدة، ويعني تحقيق توازن صحي بين العمل والحياة إيجاد المزيج المناسب، بين العمل والأسرة والوقت الشخصي، الذي يسمح للمدير بأن يعيش حياة مرضية داخل المكتب وخارجه، ويعد تحقيق التوازن بين العمل والحياة الشخصية أمراً مهماً وذلك لأنه يؤدي إلى:
1. تحسين الصحة النفسية والجسدية
حين تقضي معظم ساعات يومك وأنت تحدق في شاشة حاسوبك، وتتابع سير العمل باستمرار، وتراقب تطور أعضاء فريقك، سوف تحس بالتوتر؛ ما يؤدي إلى رفع معدل هرمون الكورتيزول ومن ثم يرتفع خطر الإصابة بضغط الدم وأمراض القلب، وعلى الجانب الآخر، يتيح لك تحقيق التوزان بين العمل والحياة الشخصية تحسين صحتك النفسية عبر تخفيف حدة القلق والتوتر، والحفاظ على جسمك من الأمراض المزمنة.
2. زيادة الإنتاجية
التوازن الصحي والسليم بين العمل والحياة الشخصية، يجعلك تنجز مهام عملك بحماس وإبداع وتحفيز أكبر، ونتيجة لذلك، يمكنك أن تؤدي عملك بكفاءة أكبر وإنتاجية بجودة أعلى، وذلك لأنك تركز بصورة أفضل على مسؤولياتك المهنية، ما يؤدي إلى الشعور بالإنجاز.
3. الاستمتاع باللحظة الحاضرة
حين تنجح في تحقيق التوازن بين العمل والحياة الشخصية، سوف تكون قادراً على الاستمتاع بلحظتك الحالية؛ على سبيل المثال، تخيل أن ساعات عملك انتهت وعدت إلى البيت، وقتها يمكنك التركيز على هواياتك وحجب أي مشتتات متعلقة بالعمل، مثل رسائل البريد الإلكتروني، أو رسائل المحادثة مع الزملاء. ويمكن القول إن القدرة على التركيز على الأنشطة المهنية أو الشخصية ستساعدك على الاستمتاع بوقتك بصورة أكبر.
اقرأ أيضاً: 4 نصائح لتنجح في الفصل بين حياتك العملية والشخصية
4. تحقيق المزيد من النجاح
هناك فكرة منتشرة جداً في عالم الأعمال؛ وهي أن الإفراط في العمل يؤدي إلى تحقيق النجاح، وارتكزت هذه الفكرة على افتراض واضح ومحدد وهو أنك إذا عملت بجد كاف فترة طويلة، فستنجح. وعلى الرغم من ذلك فإن هذه الفكرة تغفل نقطة مهمة، وهي أن معظم الناس لا يفشلون بسبب نقص الجهد، بل لأن جهودهم لم توجه إلى أنفسهم بصورة صحيحة.
ولكن تحقيق التوازن بين العمل والحياة يسمح لك بتوزيع جهدك على النحو الصحيح؛ وذلك من خلال التركيز على النجاح دون التضحية بحياتك الشخصية وصحتك النفسية، ويمكن القول إن أسلوب الحياة المتوازن يعزز إنتاجيتك ويحسن تفكيرك الإبداعي ويجعلك قادراً على حل المشكلات، وكل هذه المهارات ستجعلك تحقق المزيد من النجاح دون الحاجة إلى إرهاق نفسك.