صاحَب انتشار فيروس "كوفيد-19"، والمعلومات المنتشرة حوله، والإجراءات الاحترازية التابعة له، عددٌ من الآثار النفسية التي لا زالت قيد البحث؛ مثل زيادة معدلات الخوف والاكتئاب، وتفاقم أعراض بعض الأمراض والاضطرابات النفسية مثل الوسواس القهري.
وأبرز تلك الآثار النفسية التي أثّرت في كل من الذكور والإناث؛ هو اضطراب القلق المعمم الذي تناولته دراسة حديثة من جامعة "تورنتو" بكندا، وسلّطت الضوء على اختلاف تأثيره بين الجنسين؛ حيث وجدت أن انتشاره كان أعلى بشكل ملحوظ لدى النساء مقارنة بالرجال بنسبة 17.2% مقابل 9.9%.
الإجراءات الاحترازية وزيادة الضغوط النفسية
وفقاً لدراسة برازيلية أجراها باحثون من الجامعة الفيدرالية في كاريري وجامعة جوازيرو دو نورتي؛ في حين نجحت تلك الإجراءات الاحترازية غير المسبوقة في إبطاء انتقال عدوى الفيروس بدرجة كبيرة؛ كانت هناك مخاوف واسعة النطاق بشأن تحدّيات الصحة العقلية التي تصاعدت بسبب الضغوط الناتجة عن تلك الإجراءات؛ مثل الحجر الصحي الإلزامي، والتباعد الاجتماعي، وفقدان الوظيفة بشكل غير متوقع، والخوف من العدوى، بالإضافة إلى ارتفاع عدد الوفيات.
أشارت مراجعة منهجية من جامعات تورنتو وسنغافورة إلى أنه نتيجةٌ لهذه الأزمة الصحية العامة واسعة النطاق؛ تعرَّض عامة السكان في مناطق مختلفة من العالم لضغط هائل، وعانوا من أعراض نفسية تتراوح ما بين الاكتئاب (14.6% إلى 48.3%)، واضطراب ما بعد الصدمة (7% إلى 53.8%)، والقلق (6.33% إلى 50.9%).
كذلك؛ وجدت دراسة صينية من جامعة بكين أن المشاركين الذين خضعوا لإجراءات الحجر الصحي لديهم معدلات قلق أكبر من أولئك الذين لم يخضعوا له.
كما أظهرت دراسة أخرى من جامعة فودان بالصين أن التعرُّض المتكرر لوسائل التواصل الاجتماعي ارتبط إيجابياً باحتمالات أكبر للقلق خلال فترة الوباء.
من هنا كان سعي الباحث في الدراسة الكندية الحديثة؛ شين لين، لتحديد عوامل الخطر الشائعة لاضطرابات القلق لكلا الجنسين؛ من حيث التعرُّض للمعلومات المضلِّلة حول الفيروس، وعدم استقرار الوظائف، بالإضافة إلى معدلات تناول المشروبات الكحولية، والأطعمة غير المرغوب فيها ذات السكريات المرتفعة خلال تلك الجائحة.
تقييم القلق
حلّلت الدراسة الحالية بيانات من مسح كندي شمل 1,753 رجلاً و2,016 امرأةً، تتراوح أعمارهم بين 15 عاماً وما فوق.
تم تقييم أعراض القلق من خلال المقياس المعياري لاضطراب القلق العام؛ والذي يقيِّم أعراضاً مثل: الشعور بالتوتر، وعدم القدرة على التحكم في القلق، وصعوبة الاسترخاء، بالإضافة إلى الانزعاج بسهولة في الفترة الأخيرة.
وباء المعلومات المغلوطة والقلق
تشير الدراسة الحالية؛ والتي نُشرت في فبراير/شباط 2022 في مجلة الاضطرابات العاطفية، إلى وجود علاقة بين مدى تكرار التعرُّض للمعلومات الخاطئة حول الوباء، واضطراب القلق المعمم بين الرجال، فمع زيادة التعرُّض لتلك المعلومات بين الرجال؛ تصاعدت احتمالات الإصابة باضطرابات القلق.
كان الرجال الذين تناولهم البحث؛ والذين أبلغوا عن تعرُّضهم لمعلومات مضلِّلة عدة مرات في اليوم - نحو ستّ مرات ونصف، أكثر عرضةً للإبلاغ عن قلق كبير، مقارنةً بأولئك الذين أبلغوا عن تعرُّضهم لمعلومات مضلِّلة مرة واحدة على الأقل في الأسبوع؛ والذين أبلغوا أنهم نادراً ما رأَوا أو لم يروا أبداً تلك المعلومات.
اختلاف استهلاك الأخبار بين الجنسين
بحسب دراسة من الجامعة الأميركية اللبنانية؛ قد يُعزى الاختلاف بين الجنسين إلى "الفجوة بين الجنسين في استهلاك الأخبار"؛ وهي ظاهرة تميل فيها النساء إلى استهلاك أقل للأخبار بسبب مسؤوليات الرعاية.
يقول المؤلف الرئيس للدراسة شين لين؛ طالب الدكتوراة في جامعة تورنتو: "من الأساسي أن نسعى جاهدين لفهم العوامل الاجتماعية التي ساهمت في هذه الاختلافات المذهلة. إن جائحة "كوفيد-19" هي الأولى التي تحدث بالتزامن مع الاستخدام واسع النطاق لوسائل التواصل الاجتماعي؛ ما يسهل نشر المعلومات الخاطئة؛ مثل شائعات اللقاح والعلاجات غير المثبتة، والمعروفة أيضاً باسم وباء "كوفيد-19" المعلوماتي. اكتشفت دراستي أن التعرض المتكرر لأخبار "كوفيد-19" المزيفة يرتبط بعواقب الصحة العقلية؛ خاصة بالنسبة للرجال".
هشاشة الوظائف والقلق بين النساء
على الجانب الآخر؛ أظهرت الدراسة أن مستويات القلق لدى النساء كانت أكثر عرضة للتأثُّر بزيادة هشاشة الوظائف، والعمل غير المستقر بسبب إغلاق الأعمال، وتسريح العمال، والحجر الصحي الإلزامي، بالإضافة إلى انتشار العدوى.
تضاعف احتمال تعرُّض النساء اللواتي عانَين من ضعف في العمل لاضطراب القلق العام خلال الوباء ثلاث مرات، مقارنة بالنساء اللواتي عملن بوظائف ثابتة.
يضيف لين في هذا السياق: "يؤدي الفصل المهني القائم على النوع الاجتماعي إلى زيادة تمثيل النساء في القوى العاملة في مجال الرعاية الصحية كالتمريض، والاجتماعية كمجال الفندقة والطعام؛ حيث غالباً ما يتقاضَين أجوراً منخفضة، ويكون لديهن مخاطر أعلى للتعرض لمسببات الأمراض؛ بما فيها فيروس كوفيد-19".
يشير لين إلى أن ذلك يستدعي تحقيق عدالة مهنية لمواجهة التمييز القائم منذ فترة طويلة بين الجنسين، والطبيعة الجنسانية للعمل غير المستقر الكامن وراء هشاشة العمل.
يقول لين: "يجب أن تكون تدخلات الصحة العقلية مستجيبة للنوع الاجتماعي. يجب عليهم أيضاً معالجة المحددات الاجتماعية الأولية للصحة في حالة الطوارئ الصحية العامة تلك".
وأخيراً؛ أوضحت الدراسة رابطاً مشتركاً بين العزلة الاجتماعية خلال فترة الجائحة وارتفاع معدلات استهلاك الوجبات السريعة ذات السعرات الحرارية المرتفعة، وكذلك الكحوليات، لكلا الجنسين.