كيف تواجه ثقافة الإنجاز وضغط العيب الاجتماعي في بيئة العمل العربية؟

7 دقائق
ثقافة الإنجاز
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: عبد الله بليد)

نحن العرب في جوهرنا، شعب يقدر التميز؛ وهو ما تشهد له الهندسة المعمارية للبيوت الدمشقية، والبلاغة الشعرية لامرئ القيس وأبي الطيب المتنبي وأحمد شوقي، وأول خريطة للعالم للإدريسي، واكتشافات ابن الهيثم التي مهدت الطريق لأول كاميرا. لقد تربينا على قصص العلماء والمبتكرين والقادة الذين تجاوزوا الحدود في إنجازاتهم. وهذا ما غرس فينا دافعاً داخلياً قوياً ورغبة عميقة في النجاح ليس فقط لأنفسنا، بل لعائلاتنا ومجتمعاتنا. ولكن بينما تجتاح كل شاب طموح ومكافح رغبة عارمة في التفوق، والخروج عن الأطر السائدة، وترك بصمة حقيقية، تختلف عما سبقه، فإن ثمة صوت يهمس داخله: "ماذا سيقول الناس؟".

الأمر لا يتعلق دائماً بالفشل الصريح، بل قد يكون بالانحراف عن توقعات المجتمع، أو المخاطرة فيما هو غير مألوف، أو حتى باختيار مسار أقل شيوعاً لا يفهمه كبار السن أو الأقران فوراً. فكيف تستطيع أن توازن في بيئة عملك العربية بين ثقافة الإنجاز وضغوط العيب الاجتماعي؟

عندما يتحول النجاح إلى عبء: عن العار الاجتماعي وثقافة الإنجاز

في المجتمع العربي، ينظر إلى النجاح الفردي غالباً من منظور مدى فخر الأسرة والمجتمع، فالأهل، منذ أول يوم لك في هذه الحياة، يحلمون ويخططون لليوم الذي ترتدي فيها قبعة التخرج من التخصص الذي يرغبون فيه هم، والذي غالباً ما يتماشى مع معايير المجتمع. وعلى مدار السنوات، يحاولون توجيه جهودك نحوه. لذا لا يعد الإنجاز في العمل نجاحاً شخصياً فقط، أو مجرد وسيلة لكسب الرزق، بل هو جزء من بناء الهوية الاجتماعية، وفخر جماعي ينعكس على الأسرة والجماعة، مثل قصة تروى في تجمعات العائلة والمجتمع، تعكس التقدم الجماعي والكرامة المشتركة.

في الواقع، إن هذا أحد الجوانب التي تميز مجتمعنا وثقافتنا المتجذرة بالأخلاق والقيم الراسخة، إلا أن التركيز على احتياجات المجموعة على حساب الرغبات الفردية، وهو خيط مشترك في الثقافة العربية، يمكن أن يؤثر أيضاً في كيفية إدراكنا للنجاح والفشل، إذ قد تطغى الالتزامات العائلية والمجتمعية على الالتزامات المهنية وحتى الشخصية. يشير المعالج النفسي أسامة الجامع إلى أن بعض الأشخاص لا يتقدمون على الرغم من مؤهلاتهم، بسبب خوفهم من الفشل، والذي نتج عن التربية في بيئة تجرم الفشل، أو لا تسمح بالخطأ.

على سبيل المثال، قد يكون من المخجل الاعتراف بالضعف أو الفشل، أو الحاجة للمساعدة، أو التعرض لضغوط العمل، حيث يقترن هذا الخجل بـ "العيب" الذي يجب إخفاؤه. أشارت دراسة نشرتها دورية بي إم سي للطب النفسي إلى أن لدى العرب مواقف سلبية من طلب المساعدة المتخصصة على الرغم من وجود ضائقة نفسية، خوفاً من "العار الاجتماعي".

اقرأ أيضاً: كيف يساعد التشخيص الذاتي في مواقع التواصل على التخلص من وصمة عار الأمراض النفسية؟

لماذا يعد ضغط العيب الاجتماعي مهدداً للموظف العربي؟

إن تأثير العيب الاجتماعي في الموظف يتجلى في سلوكياته وأدائه بطرق مختلفة، بما فيها:

  • الخجل الاجتماعي: هل سبق لك أن قمعت فكرة ثورية حقيقية في اجتماع، ليس لأنها غير مجدية، بل لأنك خشيت أن تكون "مستهجنة"، أو أن تبدو غير كفء، أو قد تجلب العار على عائلتك في حال فشل مشروعك؟ إن هذا التردد والخجل هو ضغط الوصمة الاجتماعية المرتبطة بفشل الأعمال، ويتجلى في التهرب من المخاطرة وكبح الابتكار.
  • اضطرابات الصحة النفسية: تقدر المجتمعات العربية ثقافة الاعتماد على الذات والحفاظ على صورة مثالية، لذا قد يكون الاعتراف بالخطأ أو طلب المساعدة بمثابة اعتراف بالضعف، على وجه التحديد في مجالات الصحة النفسية؛ ففي المجتمعات العربية، يعتبر الاعتراف بالمشكلات النفسية أو حتى التعبير عن الضغوط النفسية وصمة عار، ومدعاة لخجل العائلة وتهديداً لسمعتها، وهو ما يجعل الموظف يخشى طلب المساعدة أو حتى الحديث عن معاناته، خشية أن ينظر إليه على أنه ضعيف أو غير قادر على تحمل مسؤولياته، فيعاني الموظف في صمت، خوفاً من أن يعرض مسيرته المهنية للخطر، أو أن يجلب العار لعائلته. نتيجة التردد في طلب المساعدة، قد تتفاقم الحالات، ما يؤدي إلى الإصابة بالاضطرابات النفسية، مثل القلق والتوتر والاكتئاب، بالإضافة إلى ما يرافقها من انخفاض في الإنتاجية، وضيق شخصي شديد.
  • آثار جسدية: يعبر الجسد عما يخجل العقل عن التعبير عنه، فينعكس كتم المشكلات والضغط النفسي على الجسم في أعراض جسدية، مثل متلازمة القولون العصبي أو الصداع المزمن، أو حتى أمراض مزمنة على المدى الطويل مثل أمراض القلب والأوعية الدموية.

اقرأ أيضاً: 80% من المشكلات النفسية في دول التعاون الخليجي غير مشخصة!

 كيف تحرر نفسك من قيود العيب الاجتماعي وتوجه طاقتك نحو الإنجاز؟

يمكنك تسخير قوة الثقافة العربية الموجهة نحو الإنجاز، وفي الوقت نفسه التخلص من قبضة العيب الاجتماعي المرافق للعمل من خلال النصائح التالية:

  1. إعادة تعريف النجاح الشخصي بما يتجاوز مجرد ثناء الآخرين: اسأل نفسك: "هل أنا فخور بهذا العمل بغض النظر عما يعتقده الآخرون؟"، ففي حين أن الثناء الخارجي من قبل أفراد العائلة يعد حافزاً قوياً للشعور بالنجاح في الثقافات العربية، فإنه لا يعني دائماً الانتصار العظيم الذي لا تشوبه شائبة، بل يكمن في الإنجازات الصغيرة يومياً، والدروس المستفادة، والمرونة المكتسبة، والشجاعة للمحاولة مرة أخرى.
  2. تبني عقلية النمو: انظر إلى التحديات والنكسات باعتبارها فرصاً للتعلم، بدلاً من أن تكون إخفاقات شخصية تدعو إلى الشعور بالخزي، وافهم أن النمو يأتي من تجاوز الحدود، وأحياناً يتضمن ذلك عدم النجاح من المحاولة الأولى. هنا قد يكون للأسرة الدور الأبرز في تمكين مثل هذه العقلية، حيث يؤكد المعالج النفسي أسامة الجامع أنه لا يكفي أن تعلم أبناءك كيف ينجحون، بل أيضاً كيف يتعاملون مع الفشل.
  3. ضع حدوداً صحية: تعلم أن تقول "لا" للمطالب التي ترهقك أو تهدد رفاهيتك، والتي تعلم يقيناً أنها خارج حدود قدراتك. قد يكون هذا صعباً في الثقافة العربية التي تقدر الامتثال بشدة، ولكنه ضروري للصحة النفسية على المدى الطويل. في المقابل، لا تخش من التجربة واعتبرها رحلة تعلم أو فرصة للتطور والنمو، بدلاً من التركيز على النجاح أو الفشل أو الخجل المرتبط بالنتائج غير المثالية.
  4. لا تبق وحيداً، عزز شبكة الدعم: ليس من الضروري مشاركة تفاصيلك الشخصية مع الجميع، اختر أشخاصاً تثق بهم من زملاء أو أفراد عائلة موثوق بهم يمكنك مناقشة التحديات معهم بصراحة دون خوف من الحكم.
  5. الاهتمام بالصحة النفسية: كن على قناعة بأن النجاح الحقيقي يشمل الصحة النفسية والجسدية، فإذا كان العمل يسبب لك ضغطاً كبيراً أو إرهاقاً بسبب الوصمة الاجتماعية (مثل إخفاء الصعوبات)، فاعترف بذلك واطلب دعماً نفسياً ولو في السر.

المحتوى محمي