هل سبق لك أن وجدت نفسك في موقف بالعمل أردت فيه قول "لا" لمهمة ما ولكنك لم تستطع؟ الحقيقة أنك لست وحدك، خاصة في ظل بيئة عمل تتسم بالكثير من الضغوط المتزايدة وتعدد المهام، حيث تجد نفسك أحياناً عالقاً في دوامة من المهام المتراكمة، ولكن ماذا لو أخبرتك أن قدرتك على قول "لا" بذكاء تعد واحدة من أهم المهارات المهنية التي تعزز إنتاجيتك؟ وذلك لأن الموظف الذي يكرر كلمة "نعم" ويوافق على المهام جميعها ينتهي به المطاف مثقلاً بأعباء العمل، ومليئاً بالتوتر، علاوة على الإحساس بالإرهاق والاحتراق الوظيفي، وفي هذا المقال سوف نستكشف معاً كيف يمكنك أن تقول "لا" في العمل دون أن يؤثر ذلك الأمر في تقييمك وتطورك المهني.
محتويات المقال
لماذا يجد بعض الأشخاص صعوبة في قول "لا" بالعمل؟
حين تدرك الأسباب الكامنة وراء صعوبة قول "لا"، يمكنك البدء بتغيير سلوكك وبناء المزيد من الثقة بقراراتك، والحقيقة أنك تواجه صعوبة في رفض المهام الإضافية بالعمل للأسباب التالية:
1. السعي إلى إرضاء الآخرين
قد تواجه صعوبة بالغة في قول "لا" للمهام الإضافية بالعمل لأنك ترغب في إرضاء الآخرين، ولهذا فإنك تقول نعم كثيراً خوفاً من الشعور بالاستبعاد أو القلق من أن تبدو أقل التزاماً، وعلى الجانب الآخر، أنت تخشى أن تسبب الخذلان لمديرك أو زملائك في الفريق.
2. الرغبة في الظهور بمظهر الشخص الكفء والموثوق
غالباً ما يرغب الموظفون في أن ينظر الآخرون إليهم على أنهم أكفاء وجديرون بالثقة، وإذا كنت واحداً من هؤلاء فقد تفضل الشعور بالضغط وتتحمل المزيد من المسؤوليات أو المهام لإثبات جدارتك أو إثبات نفسك، وفي هذه الحالة قد يبدو قول "لا" علامة ضعف أو اعترافاً بالعجز، ما يؤدي إلى التردد في رفض الطلبات.
3. الشعور بالذنب والالتزام
في الكثير من الأحيان قد يصعب الشعور بالذنب والالتزام قول "لا"، ومن ثم تحس بواجب مساعدة الآخرين وتلبية توقعاتهم، حتى لو كان ذلك على حساب أولوياتك ومشاريعك وصحتك النفسية، وهنا ينبثق الشعور بالذنب من الاعتقاد بأن قول "لا" هو أنانية أو علامة على رفض المساعدة.
4. الخوف من العواقب
إذا كنت تعمل في بيئة ضاغطة أو سامة فقد تخشى قول "لا" خوفاً على فرصك المهنية، خاصة إذا كان مديرك شديد الصرامة وسوف يسيء معاملتك إذا رفضت المهام الإضافية، وقد يستبعدك من الترقيات والحوافز، في هذه الحالة قد تواجه صعوبة بالغة في الرفض.
5. رواسب التربية والتنشئة الاجتماعية
إذا ربتك أسرتك على الاعتقاد بأنك لست جيداً بما يكفي، ولا تستحق الاحترام إلا إذا أفرطت في العطاء، ففي هذه الحالة سوف تكبر وأنت تضع احتياجاتك ورغباتك وأهدافك في آخر القائمة، ومن ثم، سوف توافق دوماً على تلبية مطالب الآخرين، لأنك تظن أن قول "لا" سوف يجعلك منبوذاً وغير محبوب.
6. الخوف من الصراع
قد يؤدي قول "لا" في العمل إلى حدوث بعض المشاحنات والخلافات بينك وبين مديرك أو زملائك، لهذا أنت تقرر أن تقول "نعم" وتوافق على المهام الإضافية جميعها خوفاً من المواجهة، وتجنباً لنشوب الصراعات.
اقرأ أيضاً: دليلك الكامل للحفاظ على صحتك النفسية في العمل
ما هي فوائد قول "لا" في بيئة العمل؟
تشرح المعالجة النفسية، سارة كابيزي، أن قول "نعم" باستمرار للعمل الإضافي له عواقب وخيمة وخطيرة، حيث يؤدي إلى الشعور بالإرهاق، وفقدان الحافز، والانفصال العاطفي عن العمل، علاوة على انخفاض الإنتاجية واضطرابات النوم، وصعوبة التركيز والميل إلى العزلة، وعلى الجانب الآخر، فإن قول "لا" يحقق لك بعض الفوائد النفسية والمهنية، منها على سبيل المثال:
1. الشعور بالسيطرة
عندما يصبح جدول العمل مزدحماً، قد تشعر بفقدان السيطرة على زمام الأمر، ولكنك في نهاية الأمر ستتمكن من ترتيب أولوياتك، والحقيقة أن تعلمك قول "لا" يجنبك الشعور بالإرهاق، ويساعدك على تحديد حدودك والالتزام بها. إضافة إلى أن القدرة على قول "لا" تساعدك على إدراك قيمك، وتظهر ذلك للآخرين من حولك.
2. تخفيف حدة التوتر والقلق
قد يكتسب الأشخاص الذين يجدون صعوبة في قول "لا" سمعة طيبة لقبولهم العمل الإضافي أو حضورهم الدائم، وعلى الرغم من أن هذا الأمر قد يساعدهم على التقدم في مسيرتهم المهنية على المدى القصير، إلا أنه قد يؤدي أيضاً إلى مستويات عالية من التوتر والإرهاق على المدى الطويل، ومن ثم، فإن التدرب على كيفية قول "لا" وتوقيته يمكن أن يساعدك على تخفيف حدة التوتر والقلق.
وفي هذا السياق، يوضح الطبيب النفسي، بندر آل جلالة، أن هناك 5 مراحل تواجهك في أثناء العمل على المهام:
- المرحلة الأولى عندما تكون المهمة عادية.
- المرحلة الثانية حين يزيد ضغط العمل ومن ثم يزيد أداؤك.
- المرحلة الثالثة وهي التي تعبر عن قمة الضغط وقمة الأداء الممتاز.
- المرحلة الرابعة والتي تشمل بداية الضغط النفسي وانخفاض الأداء والإنتاجية
- المرحلة الخامسة هي مرحلة الضغط النفسي الشديد، وانعدام الأداء والإصابة بالقلق والاكتئاب.
من المهم للغاية أن تمنع نفسك من الوصول إلى المرحلة الرابعة، لذا في حال طلب منك المدير أداء مهام إضافية، عليك أن تكون واعياً بالمرحلة التي تقع فيها، حتى تمنع نفسك من الاحتراق الوظيفي.
3. زيادة الإنتاجية وتحسين الصحة النفسية
حين تصبح قادراً على قول "لا" في العمل للمهام الإضافية، فإنك ستكون أكثر تركيزاً على أداء مهام عملك بكفاءة وفعالية، بالإضافة إلى ذلك، فإن إنجاز مهام عملك فقط سوف يسمح لك بتحقيق التوازن بين العمل والحياة الشخصية، لهذا حين تغادر مكتبك سوف تجداً وقتاً من أجل الاسترخاء وقراءة الكتب ومقابلة الأصدقاء، وقضاء الوقت بصحبة العائلة، وكل هذه الانشطة سوف تعزز صحتك النفسية، ومن ثم، تزيد إنتاجيتك في العمل.
اقرأ أيضاً: ما هي الإنتاجية السامة؟ وكيف تتجنب الوقوع في فخها؟
متى تقول "لا" لمهام العمل الإضافية حتى لا تؤثر في تقييمك؟
أحياناً قد يكلفك المدير بمهام عمل إضافية لأنه يرغب في تعليمك مهارات جديدة، وفي بعض الأوقات، يطلب منك زميلك في الفريق مساعدة لأنه بحاجة إليها حقاً، وفي هذه الحالات عليك الموافقة على مد يد المساعدة، وأداء المهام من أجل تطورك المهني، ولكن هناك بعض المواقف التي يجب عليك أن تقول فيها "لا" واضحة وصريحة دون تردد، ومن أهم هذه المواقف:
- المواعيد النهائية المتضاربة، وذلك حين يطلب منك مديرك في العمل مهمة إضافية، تشترك في الموعد النهائي نفسه مع مشروع آخر، وكلاهما بالأهمية نفسها.
- عندما يكون لديك الكثير من العمل، وخاصة إذا كان هذا العمل يفوق طاقتك وقدرتك على الإنجاز.
- حين تكون مرهقاً، وتعمل باستمرار حتى في أوقات الراحة، أو الإجازات الأسبوعية.
- عندما تفتقر إلى الموارد والدعم اللازم؛ بمعنى آخر، إذا كانت المهمة المطلوبة منك تتطلب الكثير من المجهود، ولم يكن هناك هيكل دعم جاهز لمساعدتك، فقد حان الوقت لرفضها دون الشعور بالذنب.
- يمكنك أن تقول "لا" للمهمة الإضافية إذا كان قول "نعم" سيجعلك تحس بالاستياء والغضب، ولا تحاول بأي حال من الأحوال أن تتجاهل هذه المشاعر السلبية لأنها يمكن أن تتفاقم، وتؤدي إلى إصابتك بالأرق والقلق والاكتئاب.
- تعارضها مع الأنشطة المجدولة؛ وهي الأنشطة التي أعددت نفسك لها منذ مدة. على سبيل المثال، تخيل أنك سوف تحضر مباراة كرة قدم لطفلك الصغير وكنت قد أخبرت المدير بذلك، ولكنه نسي وطلب منك مهمة عاجلة قبل موعد المباراة مباشرة، وقتها يمكنك الرفض بكل أدب، لأن الموافقة سوف تخل بمسألة تحقيق التوازن بين العمل وحياتك العائلية والشخصية.
كيف تقول "لا" في العمل دون أن يؤثر ذلك في تقييمك؟
هناك بعض الخطوات البسيطة التي يمكنك اتباعها إذا كنت تود قول "لا" في العمل دون أن يؤثر ذلك في تقييمك، ومن أهم هذه الخطوات:
1. عبر عن تقديرك
حين يطلب منك مديرك في العمل، أو أحد أعضاء الفريق، تولي مهمة إضافية، ابدأ بالتعبير عن امتنانك للفرصة أو للطلب نفسه، اشكر ثقة الشخص بك أو اهتمامه بالتواصل معك، وتأكد أن هذا التقدير يسهم في الحفاظ على نبرة إيجابية، ويظهر تقديرك للعمل بروح الفريق.
2. كن صادقاً ومباشراً
بعد أن تعبر عن تقديرك وامتنانك، عليك أن تقول "لا" بصورة صادقة ومباشرة، لأن هذا يساعد على تجنب سوء الفهم ويظهر أنك، إلى جانب احترامك لحدودك، تحترم أيضاً وقت الطرف الآخر، لهذا لا تراوغ ولا تقل كلمات من قبيل "سوف أفكر في الأمر" وتأكد أن الآخرين سوف يحترمون قرارك حين تكون صادقاً.
3. استعد لشرح أسبابك
خذ خطوة إلى الوراء وقيم مسؤولياتك الحالية. افهم نطاق مشاريعك الحالية وأولوياتها ومواعيدها النهائية، سيساعدك هذا التقييم على تقديم شرح موجز لسبب رفضك، بالإضافة إلى ذلك فإن المدير أو زميلك سوف يتفهم الموقف، ومن ثم لن يتأثر تقييمك بالسلب، وفي أثناء شرح أسبابك انتبه جيداً لنبرة صوتك واحرص على استخدام نبرة صوت محايدة، ولكن مقنعة؛ وذلك لأن الرد المتردد والمعتذر قد يدفع الطرف الآخر إلى الاستمرار في الضغط، بينما الرد المفرط في العدوانية قد يضر بعلاقتكما.
4. قدم خطة بديلة
إذا قررت أنك سترفض مهمة ما، وتقول "لا" فقد يتقبل الآخرون رفضك إذا عرضت خطة بديلة، على سبيل المثال، إذا طلب منك مديرك إنجاز مهمة صغيرة في اليوم التالي، ولكن لديك بالفعل مهام عديدة، يمكنك اقتراح التعاون مع زملاء آخرين من أجل إنجاز المهمة، أو يمكنك طلب تخفيف بعض أعباء العمل عنك من أجل إنهاء المهمة المطلوبة في أقرب وقت، قد يرفض المدير الخطة البديلة التي اقترحتها، لكنه سوف يقدر إعدادك السريع وتفكيرك في حل المشكلة.
اقرأ أيضاً: 7 خطوات للتغلب على التوتر المزمن في العمل
5. ضع حدوداً واضحة
أبلغ الآخرين حدودك مسبقاً، وعندما يعرف المدير والزملاء حدودك، سوف يقل احتمال تقديمهم طلبات إضافية غير منطقية. على سبيل المثال، أخبر زملاءك بأنك لا تتحقق من رسائل البريد الإلكتروني بعد ساعات العمل، إضافة إلى أنك لا تمكث في المكتب وقتاً إضافياً لأنك حريص على تحقيق التوازن بين العمل وحياتك الشخصية.
في النهاية، يجب القول إن تعلم قول "لا" ورفض المزيد من العمل لا يعني التهرب من المسؤوليات، بل يعني الحفاظ على توازن صحي بين العمل والحياة الشخصية وتحقيق نتائج عالية الجودة، لذلك تذكر جيداً أن رفض العمل الإضافي مهارة مهمة تمكنك من التركيز على أولوياتك، والتفوق في عملك، وتحسين إنتاجيتك، وتعزيز بيئة عمل أكثر استدامة.