حضرت منذ عدة أعوام تجمعاً عائلياً في أحد الأعياد بصحبة أسرتي، وبعد انتهائه وعودتنا إلى المنزل أخبرتني أختي الكبرى أن زوجها يعاني صداعاً حاداً مع تراجعاً في حالته النفسية دون سبب مباشر، إلا أن ذلك -على حد تفسيرها- يعود إلى احتدام النقاش خلال ذلك اللقاء العائلي وتحوله إلى معركة يريد كل طرف فيها الانتصار لنفسه دون مراعاة الطرف الآخر.
محتويات المقال
لم يكن هذا الموقف حالة فردية، فقد تكرر في لقاء آخر، وعلى ما أظن أنه يشيع في نطاقات مختلفة، وهذا ما يطرح سؤالاً مهماً يتصدر المشهد، ألا وهو: كيف نخوض النقاشات بذكاء ووعي اجتماعي دون أن نحولها إلى ساحات حرب؟ الإجابة في هذا المقال الذي يستعرض عدة استراتيجيات للنقاش أثبتت نجاحها.
1. لا تكتف بالفكرة السطحية!
أحد الأخطاء الشائعة التي يمكن ملاحظتها في الكثير من المناقشات هو تحولها إلى جدالات سطحية فارغة من المعنى مع فهم محدود للقضايا المطروحة. لذا فالخطوة الأساسية لتفنيد الحجج التي تطرح على طاولة الحوار هي أن تطلب من الشخص الآخر تقديم المزيد من التفاصيل التي توضح إذا ما كانت فكرته موضوعية ومُحقة أو لا. ويمكنك في هذا السياق أن تفتح له صدرك وتسأله بهدوء: كيف يمكن لوجهة نظره أن تسهم في تحقيق تغييرات إيجابية؟ وحاول قدر الإمكان ألا تحاصره في زوايا شخصية ضيقة، مثل: لماذا أنت مؤيد لهذه الفكرة؟ أو: ما هي مصلحتك من تأييد هذا التيار؟
2. قدم طرحاً متماسكاً
قبل أن تحاول دحض نظرية أو فكرة معينة أنسج رؤيتك بإحكام لتجعلها متماسكة خالية من الثغرات، ويساعدك على ذلك تقديم حقائق ووقائع محددة الملامح لا تصورات نظرية أو افتراضات تخيلية. مثلاً، إذا كنت تؤيد استخدام علبة البيئة الملحقة بنظام العادم في السيارات لتقليل تلوث الهواء، فاستعرض أرقاماً تعكس الفرق الذي تحدثه في البيئة، إلى جانب أثر هذا الفرق في صحة السكان، وبذلك ستزيد قوة فكرتك وتفرضها بأقل جهد.
اقرأ أيضاً: كيف تتعامل مع شخص دائم الاعتراض على كل شيء؟
3. لا تحول النقاش إلى مسألة شخصية
أحد الكوارث المتكررة في المناقشات أن يظن جميع أطرافها أنهم يستهدفون بعضهم بعضاً شخصياً، ولا يناقشون أفكارهم، لذا حاول توضيح أن النقاش لا يهدف إلى الانتقاص من أحد أو الإشادة بأفضلية شخص دون الآخر. واحرص أيضاً على الفصل بين الأشخاص والأفكار، بمعنى ألا تربط فكرة معينة بسمة شخصية لدى من طرحها، وسيكون من المفيد الدعوة إلى اتباع استراتيجية بسيطة تتمثل في تخيل النقاش من وجهة نظر شخص آخر في ظروف مختلفة كي يستوعب الجميع جوانب الموضوع المطروح بالكامل ويتعاملوا معها بموضوعية.
أيضاً هناك خطوة قد تعمل على وضع حد فاصل يقيك من تحول النقاش إلى مسألة شخصية، وهي أن تترك للطرف الآخر مخرجاً للاستفادة منه، مثل دعوته إلى القراءة أكثر عن الموضوع وإفادتك بما يجد، فهذا سيساعده على التوقف عن الجدال دون أن يشعر بالهزيمة.
4. راقب مشاعرك
هل تذكر ذلك النقاش الذي أشرت إليه في المقدمة؟ ربما كان أحد الأسباب المهمة لتحوله إلى نقاش مدمر هو أن الغضب والاحتقان قد سيطر على النفوس، وهذا يوجهك إلى مراقبة مشاعرك خلال النقاش كي لا تسمح لها بالسيطرة على تصرفاتك؛ ففي حال كنت منفعلاً ربما سيتسارع نبض قلبك وإيقاع أفكارك، ما يجعل طرحك في النهاية غير متزناً.
اقرأ أيضاً: هل تفشل نقاشاتك مع شريك حياتك؟ تعرَّف إلى سلوك الجدار وكيفية التعامل معه
5. كن لطيفاً
واحدة من القواعد الأساسية للنقاش التي عليك معرفتها أن الإنسان يكون أكثر عقلانية واستعداداً للاعتراف بحدود معرفته وفهمه إذا عومل باحترام ولطف. لذا في حال كان غرضك هو تغيير الآراء وليس إظهار تفوقك الشخصي، فغالباً ما ستحظى بفرصة أكبر لأن تكسب النقاش؛ مثلما يقولون: "اللباقة لا تكلف شيئاً لكنها تشتري كل شيء"!
أخيراً يرشدك المعالج النفسي إلى نصيحة ثمينة وهي أنه إذا كنت مهتماً بصحبة الطرف الآخر في النقاش فقدم له رأيك دون أن تدخل في جدال معه، كي لا تتصدع علاقتكما. وفي السياق نفسه يوضح استشاري الطب النفسي محمد اليوسف أنه من علامات النضج تغير أولوياتك من الرغبة في كسب النقاش إلى الرغبة في معرفة المزيد عن الأشخاص، لذا تعامل بذكاء خلال المناقشات واعمل على تحويلها إلى حوارات مثمرة لجميع الأطراف.