نتعرض على مدار الساعة إلى وابل من الإشعارات ورسائل البريد الإلكتروني وتحديثات وسائل التواصل الاجتماعي، وضغوط للبقاء ضمن فضاء العالم الرقمي باستمرار، ولمثل هذا التدفق المستمر للمعلومات تأثير سلبي في الرفاهية النفسية يُعرف بـ "الإرهاق الرقمي" (Digital Burnout)، وتتراوح عواقبه ما بين تراجع الرضا عن الحياة وتدني الإحساس بالقيمة الذاتية إلى أعراض جسدية ملحوظة قد تصل إلى الإصابة بمشكلات صحية خطيرة. فكيف نتجنب فخ الإرهاق الرقمي ونحقق التوازن بين التقدم التكنولوجي ورفاهيتنا النفسية؟
محتويات المقال
ما هو الإرهاق الرقمي؟
الإرهاق الرقمي هو ظاهرة عدم رضا الموظفين عن توازن حياتهم الشخصية والمهنية، بسبب الاستخدام المتواصل لوسائل الاتصال الرقمية، ما يؤثر سلباً في رفاهية الأفراد وصحتهم النفسية. وقد تفاقمت هذه الظاهرة خصوصاً خلال جائحة كوفيد-19، حيث انتقل العديد من الموظفين إلى نمط العمل عن بُعد.
تعود أسباب الإرهاق الرقمي إلى زيادة ساعات العمل التي يقضيها الموظفون في التفاعل عبر البريد الإلكتروني، والمكالمات المرئية، والدردشات الفورية، بالإضافة إلى الاجتماعات المتكررة. هذا الإفراط في التواصل يحرمهم من فترات التركيز اللازمة لإنجاز مهامهم بكفاءة، إضافة إلى أن غياب فترات الراحة المناسبة وعدم استغلال الإجازات يزيد حدة المشكلة.
اقرأ أيضاً: ما مخاطر العالم الرقمي على صحتنا النفسية وحياتنا الاجتماعية؟
هل أنت مصاب بالإرهاق الرقمي؟ إليك أهم العلامات
في الإرهاق الرقمي، ثمة علامات تشير إلى أنك تقضي الكثير من الوقت في العالم الرقمي، وقد تتجاوز مجرد عدم الرضا الوظيفي وتراجع إنتاجية الفرد وأدائه في العمل إلى التأثير في صحته النفسية والجسدية، حيث يسبب الانخراط المتكرر والمطوَّل في استخدام الأجهزة الإلكترونية:
- مشكلات في التركيز: الأشخاص الذين يتعرضون باستمرار لمحفزات جديدة، سواء كانت رسائل واردة أو إشعارات السوشيال ميديا، يواجهون صعوبة في التركيز على شيء واحد فترات طويلة. يمكن تشبيه ما يحدث بالضغط على زر الإيقاف المؤقت للدماغ مع كل مقاطعة للتركيز، وهو ما يُطلق عليه الباحثون بـ "تكلفة التبديل" (Switch Cost)، حيث تستنزف الإيقافات المتكررة قدرة الدماغ على العودة إلى المهمة الأصلية.
- الشعور بالإجهاد والتوتر: يتسبب الخضوع لسيطرة الأجهزة الرقمية في إثارة مشاعر القلق والتوتر والإجهاد لعدة أسباب:
- تتزايد المهام غير المنجزة بسبب الانقطاعات المتكررة وقلة التركيز.
- يعتاد الدماغ على نبضات قصيرة وسريعة من الدوبامين (هرمون السعادة) مع تكرار الإشعارات.
- يعيش الشخص ضغط الاستجابة السريعة ويحاول متابعة كل ما يصل إليه من إشعارات رقمية، بالتوازي مع إنجاز المهام المطلوبة منه كلها.
ووفقاً للطبيب النفسي، باسل علوظي، يعد التوتر رد فعل طبيعياً من الجسم على المؤثرات القوية التي لا يحتملها، لكن عندما يستمر المؤثر الخارجي فترات طويلة، ويصبح التوتر مزمناً، فإنه قد يسبب أعراضاً جسدية، بما فيها:
- اضطراب ضربات القلب.
- ارتفاع ضغط الدم.
- تصلب الشرايين.
- السكري.
- آلام في الظهر أو بين الكتفين.
- آلام المفاصل.
- تلبك معوي (الإسهال أو عسر الهضم).
اقرأ أيضاً: اتبع هذه الخطوات العملية لتتخلص من السموم الرقمية
- اضطرابات النوم: عندما يكون هاتفك الذكي في متناول يدك حتى في الليل، ويضيء عند كل رسالة صغيرة، فمن الصعب أن تسترخي. إذ تصدر الأجهزة الرقمية ضوءاً أزرق يحفز الدماغ على إيقاف إنتاج هرمون الميلاتونين (هرمون النوم)، ما يؤثر سلباً في إيقاع النوم والاستيقاظ الطبيعي.
كما قد تؤدي مجموعة الإشعارات المستمرة والضغط للبقاء على اتصال إلى زيادة التوتر والقلق، ما قد يتداخل مع القدرة على الاسترخاء والنوم. ليس ذلك فحسب، بل قد يسبب انخفاض جودة النوم الإصابة بالصداع ويُضعف الجهاز المناعي وما يرتبط به من أعراض فيزيولوجية.
- الاكتئاب: يمكن للإجهاد المستمر للعمل الرقمي والضغط النفسي أن يزيد خطر الإصابة بنوبات الاكتئاب، علاوة على ذلك، يمكن أن يؤدي التعرض المستمر للأخبار السلبية والمقارنات الاجتماعية والصراعات عبر المنصات الرقمية إلى تعزيز مشاعر اليأس والحزن.
اقرأ أيضاً: كيف توقعنا شبكات التواصل الاجتماعي في فخ الاكتئاب؟
5 نصائح لحماية صحتك النفسية وتجنب الإرهاق الرقمي
إذاً، ومما سبق، يتضح أن أفضل طريقة لتخفيف الإرهاق الرقمي هي الانفصال عن الأجهزة وأخذ قسط من الراحة. ومع ذلك، في عالمنا الذي لا يتوقف عن العمل، قد يبدو الابتعاد عن أجهزتنا مهمة مستحيلة. لذا إليك بعض الأساليب العملية لمساعدتك على كسر دائرة الإرهاق الرقمي وإدارة أعراضه:
- أوقف الردود الفورية: لإيقاف الشعور بالحاجة الملحة للرد الفوري على الرسائل، خصص أوقاتاّ محددة طوال اليوم للتحقق من الرسائل النصية والبريد الإلكتروني والرد عليها. ضع في اعتبارك أن معظم الاتصالات ليست عاجلة ويمكن أن تنتظر حتى تكون مستعداً.
- افصل بحزم بين عملك وحياتك الشخصية: تحدَّ نفسك بوضع هاتفك جانباً في أثناء الوجبات أو النشاطات الاجتماعية على أرض الواقع. وتجنب التحقق من رسائل البريد الإلكتروني الخاصة بالعمل قبل النوم لضمان حصولك على ليلة نوم مريحة.
- أعط الأولوية للتفاعلات الشخصية: على الرغم من أن الرسائل النصية ووسائل التواصل الاجتماعي قد تعد وسيلة مريحة للتواصل، فإنها لا يمكن أن تغنيك عن التفاعل وجهاً لوجه. لذا حاول كلما أمكن، مقابلة الأصدقاء أو العائلة أو الزملاء شخصياً، وتناول القهوة أو اذهب في نزهة. ولا تنس أن تضع هاتفك جانباً خلال هذه اللحظات.
اقرأ أيضاً: كل ما تريد معرفته عن إدمان العملات المشفرة أو الرقمية
- قنّن حضورك على الإنترنت: خذ بعض الوقت لمراجعة مساحاتك الرقمية والتخلص من الحسابات أو التطبيقات التي لم تعد تخدمك. سيساعدك هذا على تقليل الإشعارات والمشتتات، ويمنحك المزيد من الوقت وراحة البال.
- ابحث عن منفذ صحي لتفريغ الضغط: ينصح المعالج النفسي أسامة الجامع بأن يكون لدى الفرد مكاناً يمثل ملاذاً آمناً يلجأ إليه في أوقات الضغوط، مثل شخص داعم يمكن التواصل معه، أو هواية تمثل متنفساً يساعد على تخفيف التوتر. ويؤكد ضرورة تجنّب اللجوء إلى العادات السيئة، مثل الانعزال فترات طويلة، أو الجلوس المفرط أمام الشاشات، أو النوم الزائد.