مبدئياً هذا واحد من أكثر المقالات التي تحمست لكتابتها، فبين حين وآخر أقابل شخصاً في دائرتي الاجتماعية يقحمني بسؤال: لماذا تحدث لي كل تلك الأحداث السلبية بهذا التتالي المزعج؟ هل السبب يتعلق بجيناتي أم بأخطاء الآخرين؟ وغيرها من التساؤلات التي في الحقيقة لا أتمكن من الإجابة عنها إجابة شافية، وغالباً ما ألجأ إلى محاولة مدّه بالتفاؤل في المطلق دون حلول عملية محددة الملامح. وهذا ما يجعل ذلك الشخص ينصرف عني محبطاً؛ نتيجة أنه لم يجد أي بصيص نور في الظلام الحالك الذي يزداد سواده مع تكرار سؤال في دماغه: "لماذا أنا؟"، لذا أتمنى أن تكون السطور القادمة محاولة مثمرة ليجد كل شخص وقع في مأزق السؤال السابق المخرج منه.
لماذا قد تشعر بأن العيب فيك؟
يشير الطبيب النفسي رالف لويس (Ralph Lewis) إلى أن أدمغتنا مبرمجة تلقائياً على البحث عن تفسيرات منطقية يمكن وفقاً لها فهم ما يدور حولنا، وهذا قد يصل إلى حد الوقوع في فخ التفسيرات الخاطئة مثل الاعتقاد بأننا سبب كل السوء الذي وقع في حياتنا، فأدمغتنا لا ترضيها حالة عدم اليقين أو الاستسلام للأسئلة المتروكة بلا إجابات. وإلى جانب تأثير أدمغتنا، يؤدي العديد من العوامل الأخرى دوراً مؤثراً في انسياقنا وراء البحث عن إجابة لسؤال: "لماذا يحدث لي كل هذا؟"، أهمها:
1. معاناة الإرهاق
عندما تنخفض طاقتنا ويزداد شعورنا بالإرهاق، حينها سنكون فريسة سهلة للوقوع بين أنياب الأفكار السلبية، ونفقد قدرتنا على التفكير وفقاً لأنماط سليمة ونندفع وراء الأسئلة والتفسيرات غير المنطقية، ونرى أن الصعاب التي نواجهها بالغة التعقيد ولا يمكن تخفيفها أو التخلص منها.
اقرأ أيضاً: 5 أنماط لشخصيات هي الأكثر عرضة للإرهاق: هل أنت منها؟
2. عيش حياة مكررة
نمر أحياناً بصعاب في حياتنا، مثل الانفصال عن شريكنا أو عملنا في وظيفة نكرهها، غالباً ما يترافق معها شعورنا بأن حياتنا ليست سوى عبارة عن أيام مكررة ليس بها أي شيء جديد أو مثير للاهتمام، وهذا يقودنا إلى معاناتنا الملل وعدم الرضا وإحساسنا بأننا نعيش حياة غير مرضية، لذا قد نستسلم إلى تفسير كل هذا بأنه نتيجة جانب غامض يتعلق بنا.
اقرأ أيضاً: لماذا تشعر بأن حياتك متوقفة؟ وكيف تدفعها إلى الأمام؟
3. الشعور بالوحدة
يمكن القول إن عبارة "الوحدة قاتلة" ليست جملة مجازية، إنما هي واقع يثبته العلم يوماً بعد يوم، وعندما نكون وحيدين سيكون من السهل أن نميل إلى تبني أي فكرة سلبية، ومنها أننا السبب في معاناتنا.
اقرأ أيضاً: كيف يمكن للوحدة أن تقتلك؟ دراسة حديثة تخبرك
4. التعرض للصدمات
عندما نعيش صدمة مؤلمة في حياتنا مثل فقدان أحد الأعزاء علينا، أو نتعرض لظروف مأساوية مثل الكوارث الطبيعية أو الأمراض المزمنة أو الحروب غالباً سنميل بعدها إلى مراجعة حياتنا للوصول إلى تفسير ما حدث، وهذا يرتبط بآلية عمل دماغنا مثلما ذكرنا في البداية، وحينما لا نجد أي تفسير قد نلقي باللوم على أنفسنا.
اقرأ أيضاً: هل تؤدي الصدمات النفسية إلى فقدان الذاكرة؟
5. انخفاض تقدير الذات
تُحدد تصوراتنا حول ذواتنا كيفية تعاملنا معها، لذا من المنطقي أنك إذا كنت لا تقدر ذاتك وتعطيها حقها ستشعر بأنك لا تبلي بلاءً حسناً في حياتك، ومن ثم عندما تقع في أي مأزق ستفسر على الفور ما يحدث بأنك السبب وراءه.
اقرأ أيضاً: كيف أحب نفسي؟
6. إساءة المعاملة في مرحلة الطفولة
يربي بعض أولياء الأمور أبناءهم على توجيه الاتهامات إليهم دائماً عند ارتكابهم أي أخطاء من قبيل أنه لا فائدة مرجوة منهم، وأنهم السبب الرئيسي وراء كل المصائب، وهكذا يستمر صدى ذلك الصوت المؤذي في أدمغتهم حتى عندما يكبرون ويواجهون أحداثاً صعبة، فيفسرونها بأنهم حتماً يستحقون ذلك لأنهم السبب الرئيسي في وقوعه.
اقرأ أيضاً: بعد كشف شوق الموسوي تعنيفها في صغرها: كيف تتجاوز صدمات الطفولة؟
7. معاناة بعض الاضطرابات النفسية
تتداخل أعراض العديد من الاضطرابات النفسية مع التحيزات المعرفية، ومنها الوقوع في فخ اعتبار الشخص نفسه السبب في مواجهته أحداثاً مأساوية، فمثلاً يؤدي الذهان ونوبات الهوس إلى إفراط المريض في إيجاد مبررات منطقية لكل ما يحدث حوله، وكذلك في حالات الذهان يميل المصاب إلى اعتناق أوهام تجعله يعتقد أن الأحداث التي يمر بها لها صلة مباشرة بشخصه.
كيف تخرج من هذا المأزق بسلام؟
بعدما استعرضنا الأسباب المحتملة التي قد تدفعك للتفكير بأنك السبب عند مواجهة أي حادث صعب في حياتك، سيكون من المهم أن نقدم حلولاً عملية للخروج من هذا المأزق، وإليك أهمها:
1. تقبل واقعك
يوضح المعالج النفسي أسامة الجامع أنك كلما رفضت واقعك ازدادت حالتك سوءاً، فلا يمكنك مهما اجتهدت أن توقف ضغوط الحياة؛ لذا تحلَّ بالمرونة التي تسمح لك بتقبل الواقع دون فزع من مشاعرك السلبية، وبدلاً من التفكير حول سبب الأحداث الصعبة ابحث عما يجعلك تتجاوزها.
اقرأ أيضاً: كيف تتقبل الأمور الخارجة عن نطاق سيطرتك وتستمتع بحياتك؟
2. ركّز في دائرتك
المقصود هنا أن تتحرك في نطاق الأفعال الواقعة تحت سيطرتك، مثلاً في حال مرضك سيكون الأولى حينها أن تجيب عن أسئلة أخرى بدلاً من سؤال: لماذا أنا؟، مثل: هل أتابع الطبيب باستمرار؟ هل أعيش نمط حياة صحياً متناسباً مع مرضي؟ هل أحيط نفسي بالأشخاص الداعمين الذين يمكنهم التخفيف عني؟ الإجابة عن الأسئلة السابقة ستكون أكثر جدوى من الانسياق وراء الأفكار السوداوية التي تزيد حالتك سوءاً.
3. فكر في الاستفادة الممكنة
تعلمنا أن وراء كل محنة منحة، ويؤكد ذلك استشاري الطب النفسي سعيد عبد الوهاب عسيري بإشارته إلى أهمية التحول من سؤال: "لماذا يحدث هذا لي؟"، إلى "ماذا يحاول أن يعلمني هذا؟"، موضحاً أن هذا التحول يعزز الشعور بالمرونة ويفتح الباب أمام النمو الشخصي وفهم الأحداث على نحو أكثر عمقاً، ومن ثم الوصول إلى حالة من الطمأنينة النفسية تجعل الفرد أكثر قدرة على التعامل مع المشكلات والتحديات التي تواجهه بإيجابية، مشيراً إلى أن ذلك يتطلب تطبيق استراتيجيات مثل ممارسة التأمل والتمارين الرياضية والاهتمام بالنفس والتواصل مع الآخرين، بالإضافة إلى تطوير مهارات التأقلم والتفكير الإيجابي.
اقرأ أيضاً: ما هي عقلية التفكير الإيجابي؟ وكيف ترسخها في حياتك اليومية؟
4. ابحث عن الحلول الوسط
يرشدنا إلى هذا الحل المعالج النفسي أسامة الجامع؛ إذ يرى أن ميل البعض للوصول إلى الحلول الكاملة في الأيام الحالكة قد يزيد حالتهم سوءاً، لذا الأفضل عدم المكابرة والعناد، والقبول بالحلول الجزئية التي تخفف عن الشخص آلامه في المراحل الصعبة من حياته.
اقرأ أيضاً: 7 حلول فعالة تمدك بالأمل في فترات عدم اليقين
5. توقف عن المقارنة
حسناً، لنكن صرحاء بما يكفي ونشير إلى أن أحد جذور سؤال: لماذا أنا؟ هو تلك المقارنات التي نجريها بين حياتنا وحيوات الآخرين، ولأن حيواتنا بطبيعتها مختلفة فببساطة سنجد في حياتنا ضلعاً ناقصاً في جانب ما، وهذا سيجعلنا نظن أن معاناتنا حصرية وخاصة بنا فقط ولا يمكن للآخرين أن يتعرضوا لها، نتيجة العينة الضئيلة التي نقارن حياتنا بها.
اقرأ أيضاً: كيف يمكن أن يدمر المؤثرون حياتك؟ وماذا تفعل لتحد من ذلك؟
6. أحط نفسك بمحيط داعم
واحدة من الحقائق التي يعدّ إدراكها مهماً هي أن هناك بعض المشكلات لن تتمكن من أن تحلها بمفردك لقوّتها، وفي هذه الحالة يجب عليك طلب المساعدة الخارجية والدعم من أحد المقربين في دائرتك الاجتماعية، أو باستشارة المعالج النفسي عند الحاجة.