ألم تفترض يوماً أن شخصاً عزيزاً يتجنبك عمداً لأنه انشغل عنك في الآونة الأخيرة؟ أو توقعّت اندلاع حرب هوجاء بناء على تصريحات بعض الزعماء السياسيين؟ أو اعتقدت أنك غير كفؤ في العمل ولسوف تطرَد بسبب انتقاد وجّهه مديرك؟ إن فعلت ذلك أو ما يشابهه، فقد قفزت إلى الاستنتاجات، وهو نوع من أنواع التشوهات المعرفية؛ إذ ينطوي على افتراض نتيجة متسرعة بناء على أدلة قليلة أو غير موجودة، ولا شك أنه أمر قد نفعله جميعاً من حين لآخر؛ لكنه قد يفضي في بعض الأحيان إلى قرارات سيئة ومشكلات عديدة. فلماذا نفعل ذلك؟ وكيف يمكن التوقف عن ذلك؟ إليك التفاصيل.
محتويات المقال
اقرأ أيضاً: 6 أنواع للتشوهات المعرفية قد تشل تفكيرك، اعرفها لتتجنبها
ماذا يعني أن يقفز دماغك إلى الاستنتاجات؟
القفز إلى الاستنتاجات هو تشوّه معرفي كما سلف آنفاً، والتشوّه المعرفي عموماً هو نمط تفكير سلبي وغير عقلاني، ينطوي في حالة القفز إلى الاستنتاجات على وضع افتراضات أو إطلاق أحكام متسرعة بناءً على أدلة غير كافية أو محدودة، واتخاذ قرارات بسرعة دون تحليل كافٍ للموقف. ويمكن القول إن هذا التحيز جزء من ميل الدماغ الطبيعي لتوفير الوقت والطاقة في اتخاذ القرار.
غالباً ما يتم القفز إلى الاستنتاجات وفق إحدى طريقتين؛ الأولى هي "قراءة الأدمغة" (Mind-Reading)؛ أي افتراض أنك تعرف ما يفكر فيه الآخرون أو ما يشعرون به نحوك، وافتراض أنهم يقيّمونك على نحو سلبي أو يمتلكون نوايا سلبية تجاهك، وذلك دون وجود دليل يدعم هذه الافتراضات. على سبيل المثال، الاعتقاد بأن أحد زملائك غاضب منك لأنه لم يحيّيك هذا الصباح.
الطريقة الأُخرى هي "التكهن" (Fortune-Telling)؛ وهي توقع نتائج سلبية مستقبلية وأيضاً دون دليل يدعم هذه التوقعات. وقد يكون لهذه الافتراضات تأثير سلبي في السلوك، إذ وبما أن الشخص يفترض أنه قادر على التنبؤ بالمستقبل، فقد يشعر بعدم جدوى محاولة تغييره، الأمر الذي ينعكس سلباً على دافعه وأدائه.
اقرأ أيضاً: التشوهات المعرفية: كيف نقع أحياناً ضحية أفكارنا؟
لماذا قد تتسرع في الوصول إلى الاستنتاجات؟
بالإضافة إلى ميل الدماغ إلى تنفيذ تلك الاختصارات الذهنية بغية توفير الوقت والجهد عند معالجة المعلومات، فإن ثمة عوامل أُخرى قد تسهم في حدوث مثل هذا التشوّه المعرفي، مثل:
- الحالة العاطفية: يمكن للمشاعر مثل الخوف أو الغضب أو الضيق أو التوتر أن تؤثر في التفكير بطريقة تؤدي إلى التوصل إلى استنتاجات متسرعة؛ إذ تدفع المشاعر السلبية الشخص إلى تفسير المواقف بطريقة متحيزة. على سبيل المثال، قد يدفعك التوتر بشأن الامتحان إلى افتراض أنك ستفشل به.
- الخبرات السابقة: تسهم التجارب الشخصية في تكوين التوقعات والافتراضات حول الحاضر، فإذا ما تعرّض شخص للخيانة أو خيبة الأمل في الماضي، فقد يتسرع الشكّ بأن الآخرين سيخونونه ويخيّبون ظنّه. على سبيل المثال، الاعتقاد بأن صديقك يكذب لا محالة لأن أصدقاء آخرين كذبوا عليك من قبل.
- الرغبة في اليقين: غالباً ما ينفر الناس من مشاعر عدم اليقين ويفضّلون الحصول بسرعة على إجابات واضحة حول المواقف الغامضة، وذلك حتى لو كان على حساب دقتها أو صحتها. بكلمات أُخرى: يكون التسرع في إصدار الأحكام أسهل من الشعور بعدم اليقين أو الارتباك الذي يحدث في حالات الترقّب.
- الضغوط الاجتماعية: قد يتبنى الشخص أحكام الآخرين بسرعة لتقليل مشاعر عدم اليقين أو لنيل القبول في المواقف الاجتماعية المختلفة. وقد يؤدي هذا إلى افتراضات جماعية دون تفكير نقدي. مثال: تصديق الشائعات المتعلقة بفعالية لقاحات فيروس كورونا وسلامتها لأن الجميع كانوا يصدقونها.
- حالات الصحة النفسية: يمكن لحالات مثل القلق أو الاكتئاب أو الفصام أن تفاقم القفز إلى الاستنتاجات. على سبيل المثال، قد يبالغ الشخص القلق في تقدير التهديدات، وقد يسيء الشخص المصاب بالفصام تفسير الأدلة.
اقرأ أيضاً: هل أنت مصاب بخلل التشوه المالي؟ إليك العلامات النفسية المؤكدة
ما هي الخطورة التي يمثلها القفز إلى الاستنتاجات؟
على الرغم من أن القفز إلى الاستنتاجات ليس خطِراً في حال حدث من حين إلى آخر؛ بل قد يكون مفيداً في مساعدة الأفراد على التعامل مع المواقف غير المؤكدة في بعض السيناريوهات؛ لكنه غالباً ما يؤدي إلى أحكام غير دقيقة ونتائج شخصية سيئة، كما يصبح مشكلة كبيرة عند الاعتماد عليه بصورة دائمة؛ خصوصاً عند اتخاذ قرارات تتعلق بالقضايا الاجتماعية والسياسية المعقدة التي تتطلب عادة تفكيراً أكثر دقة.
على سبيل المثال، قد يكون لاستخلاص النتائج السريعة عن الآخرين تأثير سلبي في العلاقات؛ إذ يؤدي إلى تبني مواقف سلبية أو تخمينات تجاه الآخرين، الأمر الذي قد يؤدي إلى تأزم العلاقة أو الشجار أحياناً ومن ثم معاناة الطرفين الانزعاج والقلق والتوتر.
علاوة على ذلك، يقول المعالج النفسي، أسامة الجامع، إن القفز نحو الاستنتاج هو أحد أخطاء التفكير التي تقود نحو لوم النفس بطريقة غير واقعية. على سبيل المثال، قد تسقط الكأس فينكسر، فتقول "أنا دائماً هكذا أفسد الأمور"، أي تستنتج عن نفسك خطأ محدوداً وتعممه على بقية حياتك دون دليل وتظلم نفسك.
كما قد يفاقم بعض المشكلات النفسية الموجودة، مثل الاكتئاب والقلق؛ إذ غالباً ما يتوصل هؤلاء إلى استنتاجات تزيد سوء أعراضهم، سواء من قلق أو حزن أو يأس. خلاصة الكلام، يصعِّب القفز إلى الاستنتاجات رؤية المواقف بوضوح وموضوعية، ويفاقم خطر اتخاذ قرارات سيئة، كما يؤثر سلباً في العلاقات مع الآخرين، ويضر في الثقة بالنفس، ويقلل الدافع لاتخاذ خطوات فعالة نحو التغيير.
اقرأ أيضاً: 6 إرشادات فعالة تخلصك من التفكير بطريقة "كل شيء أو لا شيء"
7 نصائح تساعدك على التوقف عن القفز إلى الاستنتاجات
لمنع ذهنك من القفز إلى الاستنتاجات المتسرعة، عليك النظر إلى نمط التفكير هذا بعدِّه تشوهاً معرفياً، ومن ثُمّ العمل على تحديه وإعادة صياغة طريقة تفكيرك. وإليك فيما يلي أهم النصائح لفعل ذلك:
- تعرّف إلى نمط التفكير الذي تنغمس فيه: مرة أُخرى، ميِّز طريقتك في القفز إلى الاستنتاجات؛ فهل تلجأ إلى قراءة أذهان الآخرين كما أسلفنا الشرح أو تتكهّن بالمستقبل؟ وتذكّر أن مثل هذه الافتراضات لا تكون في الحالات معظمها مدعومة بالحقائق والأدلة الكافية وقد تؤدي إلى أحكام خاطئة حتى لو أصابت مرة أو مرات قليلة.
- تحدَّ أفكارك: اسأل نفسك قبل أن تتسرع الاستنتاج والافتراض: "هل ثمة تفسير آخر يكون أكثر منطقية لهذا الوضع؟"، و"ما هي الأدلة التي أملكها لدعم اعتقادي أو دحضه؟ وهل هي كافية؟".
- اجمع الحقائق: للوصول إلى استنتاجات منطقية، اجمع أكبر قدر ممكن من الأدلة والمعلومات قبل اتخاذ أي قرار أو حُكم، وانظر في الاحتمالات جميعها، وتذكّر أن الحقائق شيء والآراء والمشاعر شيء آخر، وعليك ألا تخلط بينهما.
- تواصَل مع الآخرين واطرح الأسئلة: بدلاً من افتراض ما يفكر فيه الآخرون، تواصل معهم، ووضِّح مخاوفك لهم، فطرحُ الأسئلة المباشرة من شأنه أن يوضِّح سوء الفهم ويقلل الارتباك.
- غيِّر منظورك: حاوِل النظر إلى الموقف من منظور شخص آخر. على سبيل المثال، فكِّر كيف يمكن لشخص محايد أن يفسر هذا الوضع؟ وما هي المعلومات الإضافية التي قد يحتاجها للوصول إلى استنتاج مناسب؟
- مارس التأمل الذاتي: خصوصاً قبل اتخاذ أي قرار متسرع، وذلك بأن تفكر قليلاً مع نفسك لتحديد نيتك بوضوح فيما يتعلق بالنتيجة التي ترغب في تحقيقها. فكِّر في مدى توافق اختيارك واستجابتك في هذه اللحظة مع أهدافك وقيمك على المدى الطويل ومع الشخص الذي تريد أن تصبح عليه. تساعدك عملية التأمل الذاتي هذه على تجاوز ردود الفعل التلقائية التي تحركها المشاعر واتخاذ قرارات مدروسة وهادفة بدلاً من ذلك.
- خُذ وقتك: ربما تقول لنفسك عندما تستخلص استنتاجاً أو تتخذ قراراً متسرعاً، بأن حدسك يصيب كثيراً وأن عليك اتباعه هذه المرة أيضاً؛ لكن تذكّر أن المشاعر لا يمكن أن تحلّ محل الأدلة القاطعة، في حين أن التمتع بالصبر ومنحِ نفسك وقتاً إضافياً لمراقبة أفكارك وتحليل خياراتك قد يساعدك على اتخاذ قرارات أفضل.