كيف تتوقف عن خسارة نفسك في علاقات عاطفية من الماضي؟

4 دقيقة
مغالطة التكلفة الغارقة
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)

إنهاء علاقة عاطفية سامة أو غير مُرضية هو صراع يواجهه كثير من الناس، فحتى عندما يتلاشى الحب أو لا يتم تلبية الاحتياجات الشخصية، فإن قرار المغادرة يبقى معلقاً إلى إشعار آخر، لماذا؟ في الواقع، ثمة العديد من الأسباب النفسية والعاطفية والاجتماعية التي تعوق إنهاء علاقة غير سعيدة، لكن ما سنتحدث عنه في هذا المقال هو مغالطة التكلفة الغارقة (Sunk cost fallacy) وكيف تحول دون إنهاء العلاقات غير المرضية.

اقرأ أيضاً: ما هو تأثير الأسبقية؟ وكيف توظفه لتترك انطباعاً جيداً عنك؟ 

ما هو المقصود بمغالطة التكلفة الغارقة؟

هي تردُّد الشخص الذي استثمر المال أو الوقت أو الجهد أو الطاقة العاطفية في علاقة أو مسعى محدد في التخلي عنه، حتى لو تبين أن هذا المسعى خاسر أو أن التكاليف تفوق الفوائد. وتكون التكلفة الغارقة مدفوعة بالرغبة في عدم رؤية الاستثمارات أو الجهد المبذول يذهبان سدى؛ لذا فإن الشخص يواظب على بذل المزيد حتى لو كان دون جدوى.

وتعد مغالطة التكلفة الغارقة تحيُّز معرفي؛ أي خطأ في التفكير يجعلنا نسيء تفسير المعلومات ويؤثر في القرارات التي نتخذها، وكثيراً ما يجري استخدامه في النظرية الاقتصادية، فمن الشائع أن يواصل الأفراد أو الجماعات أو المنظمات أو حتى الحكومات إنفاق الأموال على مشروع أو فكرة ما، حتى عندما يكون واضحاً أن الأمور تأخذ منحى سيئاً.

5 أسباب تفسر لماذا تسجن التكلفة الغارقة الأشخاص في علاقات فاشلة

تمثّل مغالطة التكلفة الغارقة حاجزاً نفسياً قوياً غالباً ما يبقي الناس في علاقات غير مرضية، وإليك لماذا:

1. النفور من الخسارة

عندما يستثمر الشخص بعمق في علاقته، فإن قرار التخلي يجعل جهده يبدو كالهباء المنثور، وهو ما قد لا يطيق التعامل معه، أي أنه يتمسك بالعلاقة مهما كانت رديئة لأنه لا يود أن يشعر بالسوء الناجم عن الخسارة.

وقد توصلت دراسة منشورة في دورية الشخصية وعلم النفس الاجتماعي  (Personality and Social Psychology Review) عام 2021، إلى أنه عندما يستثمر الناس بعمق في العلاقات الرومانسية، فإنهم يميلون إلى الشعور باعتماد أقوى على شركائهم، وكلما زاد الاعتماد، زاد الالتزام بالعلاقة، أي أن الشخص سيستمر في استثمار الوقت والجهد والعواطف في العلاقة على الرغم من أنها لم تعد تلبي احتياجاته.

اقرأ أيضاً: تأثير الحرباء: لماذا قد نصير صورة طبق الأصل عمن حولنا؟

2. عدم الرغبة في إيذاء الشريك

وفقاً لدراسة منشورة في الدورية الآنفة الذكر، فإن الناس غالباً ما يظلون في علاقات غير مرضية خوفاً من إلحاق الأذى أو الألم بالشركاء؛ أي وعندما يتصور الشخص أن شريكه يعتمد عليه عاطفياً، فإن ميله إلى الشروع بالانفصال يقل. بالإضافة إلى ذلك، أشارت دراسة منشورة في الدورية نفسها، إلى أن الناس يشعرون بالامتنان تجاه الشركاء الذين استثمروا سابقاً في العلاقة، ما يزيد التزامهم بها حتى لو كانت غير مرضية.

3. الخوف من المجهول

يمكن للخوف من الوحدة أو المجهول أو عدم القدرة على التنبؤ بالمستقبل أن يزيد الالتزام بالعلاقة حتى لو كانت غير مرضية؛ إذ وبالنسبة لبعض الأشخاص، يكون عدم اليقين المرتبط بالتغيير أكثر خطورة من عدم الرضا الحالي. بكلمات أخرى، يصعب التخلي عما هو مألوف، حتى لو كان غير مُرضٍ.

اقرأ أيضاً: ما الذي يكشفه دخولنا المتكرر في علاقات سامة؟

4. المبالغة في تقدير السمات الإيجابية للشريك والتقليل من قيمة الآخرين

عندما يرى شخص ما أن فرصة الارتباط بشخص آخر قليلة، أو أن الأشخاص المتاحين ليسوا أفضل من شريكه، فمن المرجح أن يلتزم بشريكه الحالي حتى لو كانت العلاقة غير سعيدة. بالإضافة إلى ذلك، تبيّن أن الشخص غالباً ما يقع في فخ التحيزات عندما يقيّم سمات شريكه والأشخاص الآخرين، أي تراه يبالغ في تقدير السمات الإيجابية لشريكه الحالي ويتجاهل عيوبه أو يقلل من أهميتها، ما يجعل البدلاء يبدون أقل جاذبية مما هم أساساً.

5. التعلق القلِق

غالباً ما يسعى الأشخاص الذين يعانون أنماط التعلق غير الآمنة إلى الاعتماد العاطفي الشديد، ما يدفعهم إلى الاستثمار بعمق في العلاقات بغية الشعور بالأمان. وقد يشعر الأشخاص الذين يعانون التعلق القلِق، على وجه الخصوص، بضيق شديد عند فكرة الانفصال، وذلك غالباً بسبب الخوف العميق من الهجر أو الرفض، ما يزيد احتمالية بقائهم في علاقات غير مرضية، حتى عندما تكون مسيئة.

اقرأ أيضاً: كيف تنجو بنفسك من علاقة سامة؟

6 نصائح للتحرر من مغالطة التكلفة الغارقة

للتغلب على مغالطة التكلفة الغارقة في العلاقات، لا بد من معالجة التحيزات المعرفية وقضايا التعلق العاطفي، وإليك أهم النصائح التي قد تساعدك.

1. انتبه إلى الوقوع في المغالطة: لأن إدراك وجود التكلفة الغارقة يساعدك على تجنبها، لذا فكِّر إذا كنت تتمسك بعلاقة ما لأنك استثمرت فيها الكثير من الوقت والطاقة، أو لأنها لا تزال صحية ومرضية، وتأمل فيما إذا كان الاستمرار يتماشى مع أهدافك المستقبلية أم أنه يعتمد فقط على الالتزامات السابقة.

2. أعد صياغة الموقف: بدلاً من النظر إلى الوقت الذي استثمرته في العلاقة على أنه وقت ضائع، عُدّه تجربة تعليمية أسهمت في نموك الشخصي. وحاول تحديد ما الذي يخيفك من إنهاء العلاقة، هل هو الخوف من الوحدة أو من آراء الآخرين؟ وهل من المحتمل أن تتغير العلاقة للأفضل، أم أنك تبقى على أمل ذلك؟

3. اتخذ قرارات مبنية على الأدلة: تعامَل مع مشكلات العلاقات بموضوعية، معتمداً على الأدلة وليس على المشاعر وحدها. يمكن أن يساعد التحدث مع الأصدقاء أو العائلة أو المختص النفسي في تغيير وجهة نظرك بشأن العلاقة، ويمنحك رؤية موضوعية من شأنها أن تخفِّف مشاعر الذنب أو الخوف.

4. ركّز على رفاهيتك الشخصية: حين أنه من الطبيعي أن تهتم بشريك حياتك، فمن الضروري أن تعطي سعادتك الأولوية، لأن التعرف إلى احتياجاتك قد يوضح إن كانت هذه العلاقة تلبيها أم لا.

ويؤكد استشاري العلاقات الأسرية جاسم المطوع، أن وضع الحدود أو الابتعاد عن علاقة سامة، حتى لو كان الشخص مقرباً مثل أخ أو أخت أو شريك حياة، يكون أفضل للصحة النفسية والجسدية. والشخصية السامة وفقاً لما يشرح المطوع هي مَن يكثر الاستهزاء أو النقد، أو يوجِّه الإهانات بكثرة، أو يثير الشعور بالذنب والتقصير عند الآخرين، أو يركّز دائماً على سلبيات الطرف الآخر ويهمل إيجابياته.

اقرأ أيضاً: ما تأثير العلاقات السامة في صحتنا النفسية والجسدية؟ وما الذي يجعلنا نستسلم لها؟

5. ركِّز على المستقبل: تذكر أنه ينبغي ألا تحدد الاستثمارات السابقة اختياراتك المستقبلية، ففي كل يوم تقرر فيه البقاء في علاقة غير مرضية، فأنت تفقد فرصة العثور على علاقة تجعلك سعيداً حقاً. لذا اسأل نفسك: ما هي الفوائد أو الفرص التي قد أفتقدها بالبقاء في هذه العلاقة؟ وهل أبقى هنا بسبب ما وضعته من وقت وطاقة عاطفية فقط، أم لأن المستقبل يحمل وعداً حقيقياً؟

6. استكشف أنماط التعلق: يمكن لفهم التعلق القلِق ومعالجته أن يساعدك على إدارة مخاوف الانفصال ومنع الاعتماد على الشريك للتنظيم العاطفي، وهو ما قد يسهم في تحسين علاقاتك المستقبلية أيضاً.

ختاماً، يتطلب تحرير نفسك من مغالطة التكلفة الغارقة التحلي بالشجاعة واختيار طريق يتماشى مع رفاهيتك بدلاً من التمسك بما هو مألوف، يمكن أن يؤدي هذا التحول في العقلية إلى علاقات أكثر إشباعاً ورضا في المستقبل.

المحتوى محمي