ما الذي يكشفه دخولنا المتكرر في العلاقات السامة؟

الضحية والجلاد
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ملخص: “لا أعتقد أني شخص شرير، غير أني على مدى سنوات طويلة وفي غفلةٍ منّي كنت أبدي سلوكيات سامة”. إنها مقتطف من خطاب ألقته مؤلفة كتاب “حين أدركت أني أنا الشخصُ السام ” (Jour où j’ai réalisé que la personne toxique c’était moi)، كريستين بيرو (Christine Berrou). حيث يدعو الكتاب إلى الخروج من دائرة “الضحية والجلاد” وتسليط الضوء على الذات عوضاً عن ذلك.

لعله من الحكمة حين تكتشف أنك تدخل في علاقات مؤذية واحدة تلو الأخرى أن تضع نقطة نظامٍ؛ وعوضاً عن أن تندب حظّك، ربما عليك أن تقف وقفةً صارمة مع نفسك وتسألها: لِمَ يتكرر حدوث ذلك معي؟

دائرة “الضحية والجلاد”

“لا أعتقد أني شخص شرير، غير أني على مدى سنوات طويلة وفي غفلةٍ منّي كنت أبدي سلوكيات سامة. وقد تبيّن لي لاحقاً أنها لم تكن في عمقها سوى دفاعات نفسية كنت أتبناها تعود بجذورها إلى طفولتي المُعنفة؛ إذ في الوقت الذي انتظرتُ فيه من أهلي أن يوفروا لي الحماية فضلوا الوقوف في صف مُعنِّفي. هي تفاصيل قد تبدو تافهة؛ لكن بالنظر إلى الآثار التي حفرتها في نفسيتي أجدها عميقة للغاية إذ ترتّب عليها فيما بعد إخفائي الحقيقة والتعامل مع الناس مدفوعة بالخوف منهم، لا سيما في محيط العمل. وبسلوكياتي تلك، كنت أجذب نحوي دون وعي مني أشخاصاً يشبهونني؛ كنتُ ضحيةً ولا بد لي أن أجد جلّاداً. قضيت 3 سنوات من حياتي مع رجلٍ مُتّهَم في قضية عنف، واشتغلت مع مدير كان يسيء معاملتي ويمطرني بوابل من الشتائم، ومن الطبيعي القول في حالتي هذه إن المشكلة في الآخرين. بقيت جرّاء ذلك الاعتقاد حزينة بل مكتئبة معظم الأوقات، وترددت بعدها على أطباء نفسيين وقرأت كتباً كثيرة تتناول ما أمر به؛ لكن من انتشلني حقاً من ذلك الجحيم كان تسخير طاقتي كلها في العمل، فقد ولّد نجاحي فيه لدي شعوراً بالتحسن وأخرجني من حالتي تلك إذ بدأت أشعر بقيمتي؛ تماماً كما فعلت بي الأمومة. ما إن نفطن إلى آلياتنا الدفاعية وسُمّيّتنا كذلك، تتفتح أعيننا على الحقيقة ونتحرر من القالب الذي حُشرنا داخله، وحينئذ فقط نستعيد حياتنا”.

ما سبق كان مقتطفاً من خطاب ألقته مؤلفة كتاب “حين أدركت أني أنا الشخصُ السام ” (Jour où j’ai réalisé que la personne toxique c’était moi)، كريستين بيرو (Christine Berrou). قد يبدو العنوان مستفزاً غير أنه في حقيقة الأمر يدعو إلى الخروج من دائرة “الضحية والجلاد” وتسليط الضوء على الذات عوضاً عن ذلك.

التخلُّص من السُّمّية

تؤكد المعالجة النفسية إيلويز بوتيجون (Éloïse Petitjean): “على المرء أن ينتبه، فنحن حين نكون داخل الأزمة لا نتقبل أبداً أن يُقال لنا أو حتى أن نفكر: ’لعلكَ أنت نفسك المخطئ في هذا كله‘، فمن شأن كلام كهذا أن يمثل بالنسبة لنا عنفاً هائلاً. إلا أن أولى خطوات الشفاء تبدأ بالتوقف عن اعتبار أنفسنا ضحية ثم الوقوف على الأنماط التي تتكرر؛ إذ يُعد طرحنا السؤال: ’لِمَ يحصل لي ذلك وحدي دون غيري‘؟ مؤشراً دالاً”.

لِمَ لمْ يبدر عنا أي رد فعل فور ملاحظتنا أول إشارة تحذيرية؟ لِمَ يا ترى فضلنا الانصياع للآخر وقطع كل علاقة تربطنا بمحيطنا عوضاً عن الإنصات إلى ما يمليه علينا حدسنا وصوتنا الداخلي وهو يقول لنا: “أنت تؤذي نفسك. توقف!”؟ لمَ تتعسنا فكرة إنهاء علاقتنا السامة أكثر بكثير مما يؤذينا الاستمرار فيها؟ هل نتطلع إلى الشفاء من الآخر وتجاوز تلك العلاقة حقاً؟ هل قوة هذه العلاقة ودفقات الأدرينالين التي تولدها فينا تجعل العلاقات الأخرى تبدو في نظرنا هزيلة؟

وفي هذا الصدد تستطرد إيلويز بوتيجون قائلة: “أن تتحمل مسؤوليتك، ذلك لا يعني بأي شكل من الأشكال تبييض صحيفة الطرف الآخر، فلست أنتَ من ألحق الأذى بنفسك ولا أنت من ألَحّ على الآخر في طلب الأذى. غير أن دخولك المستمر والمتكرر في علاقات سامة يُعد مؤشراً إلى أن شيئاً ما داخلك لا يرى مشكلة في ذلك أو أن جزءاً منك يعتقد أن العلاقات لا يمكن سوى أن تأخذ هذا الشكل”.

يجب ألا يكون الحب مؤذياً؛ كما أن العلاقة الهادئة ليست مملة. علينا أن نعيد النظر في طريقة رؤيتنا لأنفسنا وتصوّرنا حول العلاقات. ينبغي لعملية التخلص من السُّميّة أن تمر أولاً بمساءَلة الذات، وتلخصها إيلويز بالقول: “كيف أحمي نفسي من جانبها الذي يوافق على تعرضي لهذا الأذى؟ هنا مربط الفرس. لا يتعلق الأمر بلوم النفس وإشعارها بالعار أو تحميلها الذنب ولا باعتبار نفسك ’مريضاً‘ بل بطرح الأسئلة الصائبة. إن بناء علاقات صحية تدخل البهجة على النفس وتضفي السعادة على الحياة، ليس مرهوناً بصب الاهتمام على الآخر بقدر ما هو مرتبط بمعرفة الذات”.

المحتوى محمي !!