رحلة التسامح تبدأ بمسامحة نفسك وإليك كيفية فعل ذلك

4 دقيقة
التسامح
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)

ملخص: هل تسامح نفسك على الأخطاء التي ترتكبها أم تعاقبها باستمرار وتوبخها؟ توجد العديد من الأسباب التي تجعلك تواجه صعوبة في مسامحة نفسك منها تفكيرك المفرط في الأخطاء واجترار الأفكار والمشاعر السلبية حولها، وكذلك شعورك بالقلق من ارتكاب نفس الخطأ مرة أخرى، أو اعتقادك بإن مواجهة أفعالك السلبية قد تضر بتقديرك لذاتك، إلى جانب التنشئة في بيئة مليئة بالنقد، والإصابة ببعض الاضطرابات النفسية مثل متلازمة المحتال أو الوسواس القهري أو الاكتئاب، أو الاتسام بالكمالية. والشخص الذي لا يسامح نفسه يخسر فوائد عديدة أهمها انخفاض معدل إصابته بالقلق والاكتئاب وزيادة تركيزه وإنتاجيته وتقوية علاقاته بمن حوله، وأيضاً تحسن صحته الجسمانية. وحتى تنجح في مسامحة نفسك فعليك أولاً التعاطف معها مثلما تتعاطف مع المقربين إليك، فتخاطبها بكلمات لينة داعمة، ثم تتحمل المسؤولية عن أخطائك وتحاول إصلاحها في حدود استطاعتك، مع تفريقك بين الشعور بالذنب والخجل فالأول يعني أنك شخص جيد ارتكبت فعلاً سيئاً، بينما الثاني يجعلك ترى نفسك شخصاً سيئاً، وأخيراً انظر إلى الماضي باعتباره محطة تأخذ منها إلى مستقبلك الدروس المفيدة فقط.

سامح نفسك على كل أخطاء الماضي التي ارتكبتها دون قصد، وعن قلة وعي. وسامح أولئك الذين تعاملوا مع أخطائك وقتها بقسوة كما لو كانت متعمدة أو ظنوها نتيجة استهتار أو لا مبالاة أو ضعف مسؤولية. هم كذلك قالوا هذا عن قلة وعي وعنفوك على قلة إدراك. فإن تسامح يعني أن تتحرر من قيود الماضي وتنطلق.

كتب الطبيب النفسي محمد اليوسف التغريدة السابقة وهي متصلة بما دار في ذهني صباحاً منذ عدة أيام عندما تفكرت في سعي معظم البشر إلى معرفة التفاصيل الوافية عن كيفية مسامحة الآخرين بطريقة صحيحة، لكنهم يتجاهلون غالباً التعرف إلى الأسباب المهمة التي قد تدفعهم إلى مسامحة أنفسهم، والطرائق الفعالة لتحقيق ذلك، ومن هنا ولدت فكرة هذا المقال.

ما الذي قد يجعل البعض يواجهون صعوبة في مسامحة أنفسهم؟

"لو حدث هذا فلن أسامح نفسي أبداً"، سمعت هذه الجملة مرات عديدة على أرض الواقع وفي بعض الأعمال الدرامية، وهي تعكس ميل بعض الأشخاص إلى معاملة أنفسهم بقسوة وتشدد يقتضي معاقبتها على أبسط الأخطاء.

وقد يرتبط ذلك بميلهم إلى التفكير المفرط في الأخطاء واجترار الأفكار والمشاعر السلبية حولها، ما ينتج عنه معاناتهم ندماً شبه مستمر على ارتكاب الأخطاء. إلى جانب شعورهم بالقلق من ارتكاب نفس الخطأ مرة أخرى، أو اعتقادهم أن مواجهة أفعالهم السلبية في طريق مسامحتهم لأنفسهم قد تضر بتقديرهم لذواتهم.

وتسهم في الوصول إلى حالة عدم القدرة على مسامحة النفس أسباباً أخرى، منها انخفاض احترام الذات وانتقادها باستمرار، وكذلك النشأة في بيئة مليئة بالنقد والإساءة، إلى جانب الإصابة ببعض الاضطرابات النفسية مثل متلازمة المحتال، أو الوسواس القهري أو الاكتئاب.

بالإضافة إلى الاتسام بالكمالية التي تجعل الفرد يضع لنفسه معايير مرتفعة غير منطقية يظن أنه قادر على تحقيقها، لذا عندما يفشل ينخرط في لوم ذاته على ما حدث دون أن يستوعب بأن الخطأ في المعايير التي وضعها، وأيضاً توسيع نطاق مسؤولياته إلى درجة تجعله يتحمل عبئاً يفوق قدراته الشخصية ودائرة تحكمه.

اقرأ أيضاً: حارب الكمالية بالرضا وتحرر من شقاء المُثل العليا

لماذا من المهم أن تسامح نفسك؟

يمكن وصف التسامح مع النفس بأنه البوابة الذهبية التي ستعبر من خلالها إلى تقبل طبيعتك البشرية والتكيف معها، إلى جانب أنك ستحصل على العديد من الفوائد الثمينة في مقدمتها تحسن صحتك النفسية، إذ أثبتت دراسة علمية نشرتها مجلة علم النفس الإيجابي (The Journal of Positive Psychology) أن الأشخاص الذين يسامحون أنفسهم ينخفض بينهم معدل الإصابة بالقلق والاكتئاب، إلى جانب أن التعاطف مع الذات يعزز قدرتك على التركيز ويضاعف إنتاجيتك.

أما على صعيد العلاقات الاجتماعية فتسامحك مع نفسك يعد عنصراً أساسياً من أجل نجاح علاقاتك بمن حولك، إذ إنه يجعلك أكثر مرونة ويضاعف قدرتك على إصلاح علاقتك بأحدهم عندما تتوتر، أو استئنافها بنجاح حال اعترضتها بعض العراقيل.

ولا تتوقف الفوائد عند الجانب النفسي والاجتماعي إنما تمتد إلى الصحة الجسدية، وهذا ما اكتشفته دراسة علمية أجرتها جامعة ماونت رويال الكندية (Mount Royal University) أكدت أن التسامح مع الذات يحسن مستويات الكوليسترول في الجسم ويقلل من آلامه، ويحد من ارتفاع ضغط الدم، وأيضاً يخفض احتمالية الإصابة بالنوبات القلبية.

اقرأ أيضاً: متى يصبح التسامح سلوكاً ساماً؟ وكيف تسامح بطريقة صحيحة؟

4 إرشادات فعالة لتنجح في مسامحة نفسك

دعني أخبرك من واقع تجربتي الشخصية أن رحلة مسامحة النفس ليست سهلة، وتتطلب الكثير من الجهد والمحاولة والوقت، لذا إليك عدة إرشادات ستساعدك على إتمامها بنجاح:

1. انطلق من تعاطفك مع ذاتك

تذكر معي آخر موقف مر فيه أحد أصدقائك أو أقربائك بمشكلة كيف كانت كلماتك معه؟ غالباً ستكون كلمات طيبة هينة تستهدف من خلالها التخفيف عنه والتعاطف معه، على الناحية الأخرى هكذا يجب أن يكون موقفك تجاه نفسك عندما ترتكب الأخطاء فلا تقسوا عليها أو تلومها بكلمات سامة، إنما عليك منحها الرحمة والعطف.

2. تحمل المسؤولية عن أخطائك

تعد مسامحة النفس عملية متكاملة ومن أهم أعمدتها اعترافك بما فعلته لنفسك أو للشخص الذي أخطأت في حقه، فهذا سلوك صحي سيمكنك من تقبل ما حدث وتؤسس تسامحك على أسس واضحة راسخة لا يصحبها القلق من أنك دفنت أخطائك دون معالجتها، ويرتبط بذلك عملك على إصلاح التأثيرات التي تنتج عن أخطائك في نطاق استطاعتك.

3. فرّق بين الشعور بالذنب والخجل

قد تجد نفسك عندما تتحمل المسؤولية تشعر بالذنب تجاه ما فعلته، وهذا رد فعل طبيعي للغاية ويعد نقطة انطلاق للتغيير من السلوك السلبي إلى الإيجابي، والشعور بالذنب يعني أنك شخص جيد فعلت أمراً سيئاً، بينما الخجل يجعلك ترى نفسك شخصاً سيئاً، ما يقودك إلى الشعور بانخفاض تقدير الذات، والإصابة باضطرابات نفسية مثل الاكتئاب والعدوانية والإدمان.

4. تعلم من ماضيك ولا تتوقف عنده

الشيء الوحيد الذي يفيد أن تأخذه معك من ماضيك إلى مستقبلك هو الدروس المستفادة من أخطائك، فالحديث السلبي مع الذات لن يؤدي إلى تقدمك بأي حال من الأحوال، وهذا يجعلك تهتم باستثمار الوقت الذي تضيعه في التحسر على ما فاتك بالنظر إلى الأمام بوعي نابع من تجارب الماضي، مع الوضع في الاعتبار أنك سترتكب أخطاء أخرى، لكن ذلك يعني أنك ستضيف دروس جديدة إلى خبراتك، وهكذا تستمر رحلة تعلمنا في الحياة حتى آخر يوم فيها.

اقرأ أيضاً: كيف يساعدك التحدث إلى نفسك على تنظيم أفكارك وإدارة عواطفك؟

المحتوى محمي