التواصل اللاعنفي (NVC) هو نهج للتواصل؛ يهدف إلى تأسيس علاقات بين البشر تقوم على الانسجام والتعاون فيما بينهم، واحترام الذات والآخرين. وفقاً لنظرية غاندي حول اللاعنف؛ يوصى باستخدام وسيلة التواصل اللفظي هذه لحل النزاعات، وتطوير علاقة أفضل مع الذات، ويتمحور أسلوب التواصل اللاعنفي بصورة رئيسية حول التواصل بمصداقية مع الآخرين.
نشأة أسلوب التواصل اللاعنفي
طوّر مارشال روزنبرغ مفهوم التواصل اللاعنفي في الولايات المتحدة الأميركية، في ستينات القرن الماضي، وهو مستوحى بشدة من أعمال كارل روجرز (1902-1987)؛ الذي كان روزنبرغ طالباً لديه.
وعلى خطى غاندي؛ سنحت الفرصة لمارشال روزنبرغ كمتحدث باسم اللاعنف، لاختبار فعالية أسلوبه مع مختلف المجتمعات الأميركية (المدارس، والمؤسسات العامة)؛ استجابةً للصراعات العرقية، والاجتماعية، والاقتصادية في ذلك الوقت، وأدى نجاحه إلى إنشاء مركز التواصل اللاعنفي في شيرمان، تكساس.
يعود الفضل في ظهور مفهوم التواصل اللاعنفي في فرنسا، إلى المؤتمرات التي عقدها المحامي السابق توماس دانسمبورغ؛ مؤلف كتاب "توقف عن كونك لطيفاً، كن صادقاً" (Cessez d'être gentil, soyez vrai)، ومنذ ذلك الحين؛ كان لهذه الطريقة تأثير كبير بسبب تطبيقاتها ضمن الوساطة في حل النزاعات.
التواصل اللاعنفي: التعريف والمبادئ الأساسية
هو أداة تواصل لفظية بصورة رئيسية تهدف إلى تحويل النزاعات إلى حوارات بسيطة. نصطدم في علاقتنا بالآخرين باحتياجاتنا؛ لكن بما أننا لا نعرف كيفية التعرف عليها والاستماع لها، فإننا نميل إلى كبت هذه الاحتياجات، فكيف ندّعي أننا نستمع جيداً للآخرين إذا كنا لا نعرف كيف نستمع لأنفسنا؟ لنتمكن من ذلك؛ يعلمنا أسلوب التواصل اللاعنفي أبجديةً للتواصل خالية من كل أشكال العنف، بدءاً من التواصل مع الذات. تعتمد التقنية على تطبيق أربعة مبادئ أساسية وهي:
- ملاحظة أي موقف دون أن نحكم على الآخرين.
- أن يكون كل شخص قادراً على التعبير عن مشاعره.
- أن يكون كل شخص قادراً على التعبير عن احتياجاته.
- أن يكون كل شخص قادراً على صياغة توقعاته من الآخر.
تتيح ممارسة هذه المبادئ عدم الحكم على الآخرين، وملاحظة ما يحدث بأنفسنا، مع تعزيز التعاون المتبادل. وفي حين أنه لا يُمثل طريقةً علاجيةً، فإنه يمكن لأسلوب التواصل اللاعنفي أن يكون ذا تأثير إيجابي في معرفة الشخص لذاته.
كيف تسير جلسة التدريب على التواصل اللاعنفي؟
يجلس المتدربون على كراسيهم ضمن دائرة مع المُيسِّر، ثم يأخذون وقتاً للحديث عن توقعاتهم، ويمارسون مع بعضهم البعض تمارين التواصل، والتفاوض، والبحث عن حلول لمواجهة حالات الأزمات، وأساليب تعامل المرء مع مشاعره.
وتجري التدريبات في مجموعات فرعية (من 2 إلى 4 أشخاص)، ليتمكنوا من مشاركة الصعوبات التي واجهتهم خلال التواصل، ثم يتم التركيز على تحديد كل شخص لاحتياجاته، وإعادة صياغة طلبه.
هناك تمارين أخرى أكثر مرحاً؛ مثل ذلك الذي يتضمن الاستعانة بـ"استعارات الحيوانات"؛ حيث يستخدم المعالج الدمى لاكتشاف ما تخفيه أنماط التواصل لدينا. الأداة بسيطة؛ لكنها مختلفة تماماً عن أساليب التواصل المعتادة، ولهذا السبب تتطلب ممارسةً منتظمةً؛ يصبح استخدام أسلوب التواصل اللاعنفي بعدها، تدريجياً، بصورة يومية أمراً طبيعياً.
مَن يمكنه استخدام أسلوب التواصل اللاعنفي؟
قد يكون استخدام أسلوب التواصل اللاعنفي مناسباً لأي شخص يريد التواصل بطريقة أكثر مصداقية وفعالية في سياق العلاقات الشخصية، أو العائلية، أو المهنية. ويمكن للأشخاص الذين تسيطر عليهم مشاعرهم بسهولة؛ مثل الشعور بالذنب، والغضب، والحكم على الآخرين، أن يجنوا فوائد فورية من هذه الممارسة. كما قد يستخدمه بعض المتخصصين في مجال الصحة والتعليم، وحتى المدراء، لتسهيل العلاقات داخل شركاتهم، أو منع وقوع النزاعات.
يبقى أن نذكر أن ممارسة أسلوب التواصل اللاعنفي تتطلب قدراً من التصميم والاجتهاد؛ وهما أمران ضروريان لتجنب العودة إلى ممارسة أساليب التواصل السابقة.