الملخص
المشكلة
كشفت دراسة حديثة نشرتها دورية جاما نيتورك عن وجود صلة واضحة بين فقدان أحد الأحبة ومعاناة الشيخوخة قبل الوصول إلى مرحلة منتصف العمر؛ حيث تَبين أن الضغط النفسي والعبء العاطفي الناجمَين عن الفجيعة يمكن أن يؤديا إلى حدوث تغييرات بيولوجية تسرِّع الشيخوخة.
السبب
يزيد التعرض إلى التجارب الحياتية المرهقة إفرازَ هرمونات التوتر التي تسهم في حدوث تغييرات ينتج عنها الإصابة بالأمراض المزمنة. علاوة على ذلك، يؤثر اضطراب ما بعد الصدمة في اختلال أنظمة الجسم؛ ما يؤدي إلى تسريع الشيخوخة.
الحل
ينصح الباحثون الأشخاص الذين فقدوا أحباءهم بالعمل على تقبل مشاعرهم والتحلي بالصبر وطلب الدعم العاطفي، وعدم إهمال النوم الجيد وممارسة النشاط البدني باستمرار، إلى جانب الالتزام بالتغذية السليمة ومراقبة حالاتهم الصحية واستشارة المختص النفسي عند الحاجة.
محتويات المقال
كشفت دراسة حديثة منشورة في دورية جاما نيتورك أوبن (JAMA Network Open) في آخر شهر يوليو/تموز 2024، عن وجود صلة بين فقدان أحد الأحبة وحدوث الشيخوخة قبل الأوان؛ إذ تَبين أن خسارة أحد أفراد الأسرة المقربين يسبب ظهور علامات الشيخوخة البيولوجية في وقت أبكر من المفترض؛ ما قد يُفاقم خطر الإصابة بأمراض مزمنة في وقت مبكر من الحياة. وإليك ما تحتاج إلى معرفته.
اقرأ أيضاً: ما أهمية مشاعر الحزن المرافقة لفترة الحداد؟
حللت الدراسة بيانات 4 آلاف شخص على مدى 25 عاماً، فما النتائج؟
حلل الباحثون بيانات مستمدة من دراسة وطنية طولية في الولايات المتحدة الأميركية؛ التي تتبعت مجموعة متنوعة من الأشخاص تضم نحو 4 آلاف شخص تقريباً، من مرحلة المراهقة إلى مرحلة الرشد؛ أي امتدت قرابة 25 عاماً تقريباً.
وقد اكتشف الباحثون أن فقدان أحد أفراد العائلة المقربين يسرِّع الشيخوخة البيولوجية قبل حلول منتصف العمر حتى! لنوضح الأمر قليلاً: المقصود بالشيخوخة البيولوجية هو الخسارة التدريجية لسلامة الخلايا والأنسجة والأعضاء ومرونتها مع التقدم في السن؛ إذ يشير العمر البيولوجي إلى مدى تقدّم الجسم في العمر بناء على العديد من العلامات البيولوجية وليس بناء على العمر الزمني؛ أي قد يكون الإنسان في منتصف العمر بناء على عدد السنين؛ لكنه صحته ووظائف جسمه تعاني الشيخوخة بيولوجياً.
بالإضافة إلى ذلك، بينت الدراسة أن فقدان الأحبة الذي يصيب الشخص في مرحلة الرشد (قرابة منتصف العمر) يسرّع الشيخوخة البيولوجية على نحو أكبر مقارنة بأثر الفجيعة التي يتعرض إليها المرء في أثناء الطفولة أو المراهقة. قد يُعزى ذلك إلى أن الصدمات في مرحلة الرشد قد تسبب رد فعل أشد وطأة على الإنسان من الناحية البيولوجية مقارنة بالمراحل العمرية السابقة، أو أن التعافي الجيني من الخسائر التي يتعرض إليها الشخص في وقت مبكر من حياته يكون أفضل.
علاوة على ذلك، تبين أن الأعمار البيولوجية للأشخاص الذين فقدوا شخصين أو أكثر من الأحبة تكون أكبر على نحو ملحوظ مقارنة بالآخرين الذي فقدوا شخصاً واحداً فقط؛ ما يزيد خطر الإصابة المبكرة بالأمراض المرتبطة بالشيخوخة والوفيات المبكرة.
اقرأ أيضاً: كيف تتعامل مع مشاعرك المزعجة بعد خسارة كل شيء؟
كيف يرتبط فقدان الأحبة بالشيخوخة البيولوجية؟
إذاً، تشير النتائج الصحية التي لوحظت عند الأفراد الذين فقدوا أحبائهم إلى أن الضغط النفسي والعبء العاطفي الناجمَين عن الفجيعة يمكن أن يؤديا إلى حدوث تغييرات بيولوجية تسرِّع الشيخوخة. لكن كيف؟ في الواقع، يمكن القول إن الآليات الدقيقة لهذه العلاقة معقدة ومتعددة الأوجه، وإليك بعض الأسباب المحتملة:
التوتر المزمن (أو الإجهاد المزمن)
أشارت مراجعة علمية منشورة في دورية الدماغ والسلوك والمناعة (Brain, Behavior, and Immunity) عام 2023، إلى أن التعرض المزمن إلى تجارب حياتية مرهقة، أو ما سمته بـ "الإجهاد النفسي الاجتماعي المزمن"، ينشِّط استجابة التوتر العصبي البيولوجي في الجسم؛ ما يؤدي إلى إطلاق هرمونات التوتر مثل النورإبينفرين والأدرينالين والكورتيزول.
تسهم هذه الهرمونات على المدى الطويل في الإجهاد التأكسدي وتلف الحمض النووي والالتهابات؛ ما يؤدي إلى تسريع عمليات الشيخوخة الخلوية. يُضعِف الإجهاد المستمر قدرة الجسم على إصلاح الحمض النووي ويعزز الالتهاب الجهازي؛ ما يؤدي إلى تسريع الشيخوخة البيولوجية. في نهاية المطاف، تزيد هذه التغييرات الناجمة عن التوتر المزمن خطر الإصابة المبكرة بأمراض الشيخوخة؛ مثل أمراض القلب والسكري والتدهور المعرفي وارتفاع ضغط الدم.
اقرأ أيضاً: هل يخفف البكاء من الضغط النفسي؟
اضطراب ما بعد الصدمة
مثلما هي الحال مع التوتر المزمن؛ كذلك فإن الصدمات النفسية، وخصوصاً اضطراب ما بعد الصدمة، ترتبط بالشيخوخة البيولوجية المُعجّلة من خلال آليات مختلفة؛ إذ يمكن أن يؤثر الإجهاد الناجم عن الصدمة في الأنظمة فوق الجينية والمناعية والالتهابية؛ وهي مؤشرات رئيسة إلى الشيخوخة الخلوية؛ التي تتجلى بأمراض القلب والأوعية الدموية والأمراض الالتهابية وضعف المناعة وغيرها.
التغيرات السلوكية
يمكن أن يؤدي ألم الفجيعة إلى إهمال النفس وتغيير السلوكيات الصحية؛ مثل اتباع نظام غذائي غير صحي، وقلة ممارسة الرياضة، واضطراب النوم؛ وهي جميعها عوامل من شأنها أن تسرِّع الشيخوخة البيولوجية.
اقرأ أيضاً: تجربة الحداد بين فقدان الحياة ومحاولة استعادتها من واقع فيلم وثائقي
10 نصائح قد تساعدك على التعامل مع ألم فقدان الأحبة
جدير بالذكر إن الشيخوخة البيولوجية المُعجّلة تسهم في تفاقم خطر الإصابة بالاكتئاب والقلق، وذلك بغض النظر عن العمر الزمني والاستعدادات الوراثية، وفقاً لدراسة منشورة في دورية نيتشر (Nature) عام 2023.
ومن المفهوم أن يعاني الإنسان الذي فقد عزيزاً ألماً كبيراً، وأن تفقد الحياة في نظره معناها ومغزاها؛ فالتعامل مع فقدان أحد أفراد العائلة يُعد من أصعب التجارب التي نمر بها في حيواتنا. ومع ذلك، ثمة بعض الاستراتيجيات الأساسية التي قد تساعدك على تجاوز هذه الفترة الصعبة؛ مثل:
اقرأ أيضاً: من الإنكار إلى القبول: دليلك للتعامل مع ألم الفقد
- تقبّل مشاعرك: يقول الطبيب النفسي، طارق الحبيب، إن فقدان شخص عزيز هو عبارة عن صدمه نفسية، تتخللها لحظات من الحزن والحسرة والشعور بالألم، ولا بُدّ أن يحتاج الشخص خلال هذه الفترة إلى التنفيس عن مشاعره. لذا؛ عليك أن تتعرف إلى المشاعر التي تمر بها، سواء كانت الغضب أو الحزن أو الإرهاق، وأن تقبلها وألا تتجنبها. فلا بأس أن تبكي؛ أن تصرخ، أو أن تبوح بمشاعرك هذه لأحد الأشخاص الذين تثق بهم، أو أن تدونها في يومياتك.
- تحلَّ بالصبر: افهم أن الحزن هو شعور طبيعي، ولا بُد أن يستغرق الأمر بعض الوقت للتكيف مع الخسارة والمضي قدماً في النهاية.
اقرأ أيضاً: كيف يمنعك تأجيل الحداد من المضي قدماً في حياتك؟
- اطلب الدعم العاطفي: من الأصدقاء المقربين أو مجموعات الدعم عبر الإنترنت أو على أرض الواقع، وشاركهم مشاعرك وتجربتك.
- ركِّز على التغذية السليمة: ابذل جهدك لتناول وجبات متوازنة ومغذية حتى لو كانت شهيتك منخفضة. أيضاً، يمكنك أن تخطط لتناول الطعام مع الأصدقاء بين الحين والآخر؛ ما يُبقيك على المسار الصحيح ويعزز استقرارك النفسي.
- حافظ على نشاطك البدني: مارس التمارين الرياضية بانتظام، حتى لو كانت مجرد أنشطة خفيفة مثل المشي؛ لأن التمارين الرياضية حتى لو كانت بسيطة، فهي ستساعدك على الشعور بالتحسن وتعزز حالتك المزاجية وجودة نومك.
- أعطِ الأولوية للنوم الجيد: حاول أن تنال قسطاً كافياً من النوم، ومن المهم أن تنشئ جدول نوم ثابتاً وروتيناً مريحاً قبل وقت النوم؛ مثل الاستحمام أو قراءة كتاب أو التأمل أو ممارسة الامتنان.
- شارك في أعمال تطوعية: يُعد التطوع طريقة نبيلة لتكريم أحبائك وتخليد ذكراهم؛ الأمر الذي قد يساعدك على إيجاد المغزى من جديد، بالإضافة إلى أنه يحسِّن الحالة المزاجية ويقلل مستويات التوتر.
- تجنب آليات التكيف غير الصحية: حاول ألا تعتمد على الإفراط في الطعام أو الكحول أو التدخين بغية تخدير الألم؛ لأن ذلك لن يحل المشكلة من جذورها؛ وإنما قد يسهم في تفاقم الوضع لاحقاً.
- استشر مختصاً في الصحة النفسية: إذا كان الحزن يؤثّر كثيراً في حياتك اليومية أو صحتك الجسدية أو النفسية، فلا تتردد في طلب المساعدة المتخصصة.
- راقب صحتك: حافظ على إجراء الفحوصات الدورية وأبلغ مقدم الرعاية الصحية الخاص بك عن أي مخاوف صحية جديدة أو تغييرات تطرأ على صحتك الجسدية.