قد لا تصدق ذلك؛ لكنك تتخذ يومياً نحو 35,000 قرار مختلف؛ بدءاً مما ستأكله على الإفطار إلى لون الملابس التي سترتديها للذهاب إلى العمل، وحتى القرارات المصيرية؛ مثل المسار الوظيفي الذي تتبعه أو تخصصك الدراسي. في الواقع، تعد القدرة على اتخاذ القرارات مهارة أساسية في الحياة، ومع ذلك، بالنسبة إلى بعض الأفراد، يمثل الاختيار تحدياً شاقاً.
محتويات المقال
يختلف الأفراد في الوقت الذي يحتاجون إليه لحسم قراراتهم؛ لكن ثمةّ فرق بين أن تأخذ وقتك في تقييم قراراتك، وأن تسيطر عليك حالة من القلق الشديد إلى الحد الذي يجعلك تتجنب هذه العملية تماماً. تدعى حالة الخوف من اتخاذ القرار هذه باسم "الديسيدوفوبيا" (Decidophobia). ما الذي يعنيه هذا المصطلح؟ وما أسبابه؟ وكيف يمكن علاجه؟
ما هو رهاب اتخاذ القرارات "الديسيدوفوبيا"؟
صاغ مصطلح "الديسيدوفوبيا" الباحث والأستاذ في جامعة هارفارد، والتر كوفمان (Walter Kaufmann). من وجهة نظر نفسية، يُعرف الديسيدوفوبيا على أنه خوف شديد وغير عقلاني من اتخاذ القرارات، حتى عندما يتعلق الأمر بأصغر الخيارات؛ مثل ما يتناوله الشخص على الغداء أو ما يرتديه. يمكن وصف الحالة بشلل التحليل؛ حيث تسيطر على المصاب بالرهاب أسئلة مثل "ماذا لو؟".
وفقاً للدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية في طبعته الخامسة (DSM-5)؛ يعاني الأشخاص المصابون برهاب اتخاذ القرار الأعراض التالية:
- الخوف والقلق الشديدين بشأن عملية اتخاذ القرارات.
- الخوف والقلق غير المتناسبين مع الخطر الحقيقي من وجهة نظر المصاب والمتمثل في اتخاذ القرار.
- الانخراط في سلوكيات التجنب، للابتعاد عن المواقف التي تتطلب اتخاذ القرار. على سبيل المثال؛ قد يحولون مسؤولية اتخاذ القرار إلى الآخرين من أصدقاء وزملاء، أو يتجنبون الذهاب إلى الأماكن أو الانخراط في المواقف التي قد يضطرون فيها إلى اتخاذ قرار.
اقرأ أيضاً: هل يقيدك ترددك في اتخاذ القرارات؟ إليك 3 نصائح ستفيدك
تعرف إلى الأسباب النفسية لرهاب اتخاذ القرارات
يمكن أن ينبع رهاب الديسيدوفوبيا، أو الخوف من اتخاذ القرارات، من أسباب نفسية مختلفة؛ وإليك أهمها:
- الاستجابات المكتسبة: غالباً ما يكون رهاب اتخاذ القرار مكتسَباً من البيئة التي نشأ فيها الفرد. على سبيل المثال؛ إذا كان أحد الأبوين يخشى اتخاذ القرارات الخاصة فقد ينقل هذا السلوك إلى أبنائه. وفي السياق نفسه، إن الطفل الذي يتعرّض إلى الانتقاد أو السخرية من قراراته قد يكبر معه الشك في صحة قراراته والقلق من عواقبها من انتقاد وسخرية.
- الكمالية: للأفراد ذوي الميول الكمالية معاييرٌ عالية يسعون دائماً إلى تلبيتها. لذا؛ قد يخشون اتخاذ القرارات بسبب الاعتقاد بوجود خيار "مثالي"، وعندما لا يجدون خياراً مثالياً فقد لا يتمكنون من اتخاذ القرار.
- تدني احترام الذات والافتقار إلى الثقة بالنفس: قد يشك الأفراد الذين يعانون تدني احترام الذات في قدراتهم على اتخاذ قرارات سليمة؛ ما يؤدي إلى زيادة القلق والتجنب عند مواجهة الاختيارات.
- التجارب السلبية السابقة: قد يعمم البعض تجارب الماضي التي اتخذ فيها قرارات أدت إلى نتائج سلبية يمكن أن تخلق تأثيراً دائماً يشمل الخوف من القرارات كافة.
- العوامل الوراثية: للعوامل الوراثية دورها في تطور الرهاب، فقد تنتقل اضطرابات القلق في بعض العائلات وراثياً.
- القلق الاجتماعي: يمكن أن يؤدي الخوف من أحكام الآخرين إلى تجنب مواقف اتخاذ القرار والقلق في حال الوقوع فيها.
اقرأ أيضاً: لماذا نخاف من اتخاذ القرارات؟
5 أعراض للديسيدوفوبيا
تتجاوز الآثار النفسية للديسيدوفوبيا حالة التردد والحيرة التي يقع فيها من يحاول اتخاذ القرار، فقد يسبب رهاب اتخاذ القرارات وفقاً للطبيبة النفسية، إيمي داراموس (Aimee Daramus)، الأعراض التالية:
- نوبات الهلع والقلق: يدفع الخوف من اتخاذ القرار الخاطئ الشخص إلى الدخول بنوبات من القلق الشديد، مع ما يرافقها من أعراض أخرى مثل تسارع ضربات القلب وصعوبة التنفس والغثيان والتعرق والرعشة وألم الصدر أو المعدة. مع مرور الوقت، يمكن أن تؤدي النوبات المتكررة إلى إجهاد نظام القلب والأوعية الدموية.
- التسويف والمماطلة: غالباً ما يؤدي الخوف من اتخاذ قرار خاطئ إلى التردد والمماطلة؛ حيث يجد المصاب بالديسيدوفوبيا أنه من الأسهل له أن يؤخر اتخاذ القرارات؛ لكن ذلك يسبب تفويت العديد من الفرص والشعور بالذنب والندم؛ ما يؤدي بدوره إلى حلقة مفرغة من الخوف والتسويف.
- تدني احترام الذات: تولّد صعوبة اتخاذ القرار أو تحديد القرار الصحيح، شعوراً بعدم الكفاءة أو تدني ثقة الفرد بقدرته على إصدار أحكام سليمة.
- الإفراط في التفكير: يبالغ المصاب الديسيدوفوبيا في تحليل الخيارات وعواقب كل منها. يمكن أن تكون دورة التفكير المستمرة هذه مرهقة وتسهم في الشعور بالعجز.
- الاكتئاب: يمكن أن تؤدي الآثار التراكمية للقلق والشعور بالذنب والندم وسلوكيات التسويف والتجنب إلى الشعور باليأس والاكتئاب.
اقرأ أيضاً: أتقرأ هذا المقال أم لا؟ إليك كيف تتغلب على التردد في اتخاذ القرارات
كيف يمكن علاج الديسيدوفوبيا؟
نظراً إلى أن الديسيدوفوبيا من أنواع الرهاب، فمن الممكن علاجه بالطرائق التالية:
1. العلاج النفسي
يمكن علاج الديسيدوفوبيا من خلال العلاج المعرفي السلوكي؛ الذي يساعد على تحديد الأفكار والمشاعر والسلوكيات التي تغذي الرهاب، والعمل على تغييرها وتطوير عادات أكثر صحة لمواجهة الرهاب. ومن أكثر أساليب العلاج المعرفي السلوكي فعالية لعلاج الرهاب هو العلاج بالتعرض، وفيه يُعرَّض المصاب تدريجياً إلى المواقف التي تتسبب في خوفه أو قلقه؛ ما يقلل استجابته العاطفية السلبية لها.
2. العلاج الدوائي
يسبب العلاج بالتعرّض أحياناً زيادة أعراض القلق والتوتر؛ لذا قد يصف الطبيب النفسي مضادات الاكتئاب لعلاج اضطرابات القلق؛ مثل مثبطات امتصاص السيروتونين الانتقائية (SSRIs) ومثبطات امتصاص السيروتونين والنورأدرينالين (SNRIs). ولإدارة أعراض نوبات الهلع الجسدية، يمكن أن يصف الطبيب مهدئات البنزوديازيبينات وحاصرات بيتا.
اقرأ أيضاً: كيف يمكنك اتخاذ القرارات بثقة؟
5 استراتيجيات للتغلب على الخوف من اتخاذ القرار
بالنسبة إلى الأفراد الذين يعانون رهاب اتخاذ القرار، يمكن استخدام استراتيجيات مختلفة لإدارة خوفهم، والمساعدة على تحديد اتخاذ القرار؛ ومنها:
1. قلل عدد قراراتك
نظراً إلى أنك تعاني مشكلة في اتخاذ القرارات؛ حاول تقليل عدد المواقف التي تضطر فيها للاختيار. على سبيل المثال:
- تناول وجبات محددة مسبقاً.
- ارتدِ ملابس محدودة التنوع.
- اتبع روتيناً يومياً ثابت.
2. توقف وفكر بعمق
إذا كنت تعاني شلل التحليل، وتخشى اتخاذ القرارات الصغيرة منها والكبيرة، فيمكنك أخذ بعض الوقت للتفكير في أبعاد الموقف وسلبياته وإيجابياته، ثم رسم خريطة ذهنية لملاحظاتك، وتحديد الخيارات المتاحة؛ وبذلك تصبح أقرب إلى معرفة القرار الصحيح.
3. ابدأ بخطوات صغيرة
قبل أن يسيطر عليك الشعور بالقلق، ابدأ بتحديد إيجابيات وسلبيات كل خيار، واجمع المعلومات المتعلقة بهذه الخيارات والتي قد تساعدك على تحديد المناسب أو الصحيح بالنسبة إليك؛ ويمكنك فعل ذلك بسؤال ذوي الخبرة والقراءة عن الموضوع.
اقرأ أيضاً: 4 نصائح نفسية لتتغلب على التردد في اتخاذ القرارات
4. اتبع طريقة مجرى النهر
وفقاً للكاتبة المختصة في قضايا الرفاهية والصحة النفسية، فيكتوريا ماكسويل (Victoria Maxwell)؛ عندما يسيطر عليك القلق من اتخاذ القرار الصحيح، عليك التوقف قليلاً: "ثم التفكير في موضوع المشكلة التي تثير هذه الأفكار أو السؤال الذي يشغل بالك. تخيل نفسك تجيب بنعم عن هذا السؤال المحير، ثم حاول بعد ذلك استشعار جسدك بالكامل وتحديد المنطقة التي تشعر فيها ببعض الراحة أو الخفة. حاول بعد ذلك أن تتخيل نفسك تجيب بالرفض عن هذا السؤال وتقول لا؛ الإجابة المناسبة هي التي ستثير المزيد من الاسترخاء والشعور القوي بالخفة".
بعد إجراء هذا التمرين ستشعر بسرعة بالسكينة والهدوء والاطمئنان وستجد دون شك الإجابة عن سؤالك. بعبارة أوضح: عليك أن تثق بمشاعرك وحدسك.
5. طبق نموذج اتخاذ القرار
تنصح المختصة النفسية، رزان طارق، باتباع نموذج لاتخاذ القرارات يتألف من جدول يتكون من 4 بنود؛ وهي:
- الأمور العاجلة؛ أي الأولويات.
- الأمور المهمة وغير العاجلة.
- الأمور غير المهمة والعاجلة.
- الأمور غير المهمة وغير العاجلة.
بتحديد البنود السابقة، غالباً ستجد الخيار أو القرار الأنسب إليك.