متى كانت آخر مرة شعرت فيها بالاسترخاء؟ وهل تحرص على تخصيص وقت يومي من أجله؟ الحقيقة أنني طوال سنوات حياتي الأخيرة كنت أدفع نفسي في خضم الأحداث اليومية؛ أستيقظ كل صباح من أجل الدوران المستمر داخل عجلة الحياة دون توقف محاوِلة التوفيق بين كل شيء؛ العمل، وحياتي الشخصية والاجتماعية، والتزاماتي العائلية. كان دماغي في حالة تأهب قصوى طوال الوقت حتى لا تخرج الأمور عن السيطرة؛ ولكن هذا كله لم يساعدني وكنت أشعر بالضغط النفسي؛ ولهذا أطلب منك الآن ألا تقع في هذا الفخ حتى لا يبتلعك. حاول التوقف في أثناء يومك واحرص على الاسترخاء، وسأخبرك من خلال هذا المقال كيف تجد لحظات هادئة في يومك المزدحم.
محتويات المقال
ما هو فن الاسترخاء؟
تؤكد أستاذة علم النفس، سوزان ألبرز (Susan Albers)، إن معظم الأشخاص يجدون صعوبة بالغة في إيقاف عقولهم وذلك لأنهم يعيشون في حالة حركة مستمرة دون توقف؛ وهذا ما يمنعهم من الاسترخاء. وتضيف ألبرز إن الاسترخاء كان يُعامل منذ فترة طويلة على أنه ترف، وليس ضرورة؛ لكن هذا يجب أن يتوقف الآن.
ويمكن القول إن فن الاسترخاء هو مهارة تتطلب الممارسة المستمرة لكنها تستحق الجهد المبذول، وفن الاسترخاء لا يقتصر فقط على راحة البال أو الاستمتاع بالهوايات أو الاستلقاء على الأريكة؛ إنه عملية مقصودة تهدف إلى تقليل آثار التوتر والضغط النفسي عطفي عقلك وجسمك، ويمكن أن يساعدك الاسترخاء اليومي في التغلب على الإجهاد الطويل الأمد الذي قد يؤدي إلى حدوث العديد من المشكلات الصحية مثل الإصابة بأمراض القلب وارتفاع ضغط الدم.
اقرأ أيضاً: 5 تقنيات للزفير تساعدك على تهدئة أعصابك والاسترخاء
ماذا يحدث داخل جسمك وعقلك في أثناء الاسترخاء؟
نواجه جميعاً بعض الأحداث المرهقة على مدار حيواتنا اليومية؛ بداية من الازدحام المروري على سبيل المثال، ومروراً بضغط العمل والخوف من المستقبل. وبغض النظر عن السبب، فإن التوتر يغمر جسمك بالهرمونات التي تسبب تسارع دقات القلب وارتفاع ضغط الدم، وهذا ما يحدث داخل جسمك وعقلك إذا حاولت ممارسة الاسترخاء اليومي:
- انخفاض معدل ضربات القلب: يؤدي التوتر إلى تحفيز نشاط الجهاز العصبي الودي المسؤول عن وظائف الجسم في المواقف الخطرة وحالات الطوارئ؛ حيث يطلق سلسلة من ردود الفعل مثل زيادة معدل ضربات القلب وارتفاع ضغط الدم وإطلاق هرمونات التوتر؛ لكن الاسترخاء يتيح لجسمك فكرة توفير الطاقة. وحين تسترخي، يطلق الجهاز العصبي الودي الخاص بك هرموناً يسمى "الأسيتيل كولين" يبطئ معدل ضربات القلب.
- خفض ضغط الدم: يمكن أن تسبب هرمونات التوتر زيادة معدل ضربات القلب وضيق الأوعية الدموية؛ وهذا يرفع ضغط دمك مؤقتاً. وعادة ما يحدث العكس عندما تسترخي؛ ولهذا إذا كنت تعاني ارتفاع ضغط الدم، فقد تساعدك أساليب الاسترخاء اليومي مثل التأمل في التحكم بالتوتر وتقليل فرص الإصابة بأمراض القلب.
- تحسين عملية الهضم: يؤدي الإجهاد والضغط النفسي دوراً محورياً في العديد من مشكلات الجهاز الهضمي؛ مثل متلازمة القولون العصبي (Irritable bowel syndrome). علاوة على ذلك، فإن استجابة "القتال أو الهروب" التي تحدث نتيجة التوتر يمكن أن تؤدي إلى توقف عملية الهضم؛ ولهذا تجب عليك ممارسة الاسترخاء اليومي من أجل تخفيف الأعراض وتحسين وظائف جهازك الهضمي.
- انخفاض معدل التنفس: ما هي أول جملة يمكن أن تقولها لشخص يشعر بالذعر؟ غالباً ستكون: "خذ نفساً عميقاً"؛ وذلك لأن الشعور بالتوتر يعزز تسارع التنفس الذي يمكن أن يؤدي إلى انخفاض مستويات ثاني أكسيد الكربون في الدم؛ ما قد يُشعره بالدوار والضعف؛ ولكن الاسترخاء يبطئ معدل تنفسك.
- استرخاء العضلات: يتصلب جسمك عندما تشعر بالتهديد، وعادة لا يستطيع جسمك التفريق بين المخاوف المختلفة فرد فعله تجاه التهديد من أسد في الغابة أو الموعد النهائي في العمل عادة ما يكون نفسه؛ سوف تتصلب عضلاتك في الأحوال كافة. وحين يخف شعورك بالتوتر، سوف تعود إلى وضعها الطبيعي؛ لكن الضغط النفسي الطويل الأمد يمكن أن يؤدي إلى توتر العضلات طوال الوقت تقريباً؛ ولهذا عليك دوماً اللجوء إلى تجربة الاسترخاء اليومي.
بالإضافة إلى ذلك، هناك فوائد أخرى لممارسة الاسترخاء يومياً؛ تشمل:
- تعزيز الحالة المزاجية وتخفيف حدة المشاعر السلبية.
- تحسين التركيز والحفاظ على مستوى الإنتاجية.
- الحفاظ على صحة الجهاز المناعي.
- الشعور بالهدوء والثقة في النفس.
- تحسين جودة النوم.
- القدرة على التفكير بطريقة أكثر وضوحاً.
تعرف إلى تقنيات الاسترخاء المختلفة
ترتكز تقنيات الاسترخاء على التركيز والوعي؛ فأنت تركز انتباهك على شيء يهدئك ويزيد من وعي جسمك. لا تهم التقنية التي تستخدمها؛ ما يهم هو أن تجد طرائقَ تناسبك للاسترخاء حتى تشعر بالهدوء، وإليك أهم تقنياته:
- التنفس العميق: يعد التنفس العميق أسلوباً بسيطاً ولكنه قوي للاسترخاء، فحين تتنفس بعمق، تفصل عقلك بلطف عن تشتيت الأفكار والأحاسيس. ويمكن القول إن هذه التقنية من السهل تعلمها، وتُمكن ممارستها في أي مكان تقريباً، هذا بالإضافة إلى أن التنفس العميق هو حجر الزاوية في العديد من ممارسات الاسترخاء الأخرى أيضًاً، ويمكن دمجه مع مختلف التقنيات مثل التأمل والامتنان، وإليكم كيفية ممارسة تقنية التنفس العميق:
- اجلس بطريقة مريحة وظهرك مستقيم، ضع إحدى يديك على صدرك والأخرى على بطنك، تنفس من خلال فمك، وادفع أكبر قدر ممكن من الهواء للخارج في أثناء انقباض عضلات البطن. استمر في الشهيق من خلال أنفك والزفير من خلال فمك، وحاول أن تستنشق كمية كافية بحيث يرتفع الجزء السفلي من بطنك وينخفض، وعدّ ببطء في أثناء الزفير.
- التصور أو التخيل الموجه: تقنية استرخاء مريحة وبسيطة يمكن أن تساعدك على تقليل حدة التوتر بسرعة وسهولة؛ إنها تشبه إلى حد كبير الانغماس في أحلام اليقظة ولكن بصورة أكثر وعياً، ومع الممارسة، يمكن أن تساعدك هذه التقنية على الوصول تعزيز الرؤية الإيجابية لنفسك. وهذه هي طريقة ممارسة تقنية التصور الموجه:
- أغمض عينيك ثم تخيل مكانك المريح؛ اختر المكان الأكثر هدوءاً بالنسبة إليك، سواء كان شاطئاً، أو مكاناً مفضلاً يذكرك بالطفولة، أو حديقة واسعة. حاول الاستغراق في تخيل كل ما تراه وتسمعه وتتذوقه وتشم رائحته وتشعر به؛ حيث يعمل التصور بطريقة أفضل إذا دمجت أكبر عدد ممكن من التفاصيل الحسية، تمكنك الاستعانة بالموسيقا، وعندما تكون مستعداً افتح عينيك ببطء وعد إلى الحاضر.
- اليقظة الذهنية: تتضمن هذه التقنية التركيز على تنفسك، وتوجيه انتباه عقلك إلى اللحظة الحالية دون الانجراف إلى الندم على الماضي أو الخوف من المستقبل، وقد حظيت اليقظة الذهنية بشعبية متزايدة في السنوات الأخيرة؛ وذلك لأنها مفيدة جداً للأشخاص الذين يعانون القلق والاكتئاب. وفي هذا السياق، يوضح المعالج النفسي منصور العسيري إن اليقظة الذهنية لا تعني عدم الإحساس بالمشاعر السلبية ولكنها ترتكز على عدم السماح لتلك المشاعر بالسيطرة عليك، ومن أجل ممارسة هذه التقنية:
- ابحث عن مكان هادئ بعيداً عن مصادر التشتت. اجلس على كرسي مريح وظهرك مستقيم، ثم أغمض عينيك وابحث عن نقطة التركيز مثل تنفسك، حاول التفكير في أثناء هذا الوقت في الإحساس بتدفق الهواء إلى أنفك وخروجه من فمك أو بطنك، أو يمكنك التركيز على كلمة ذات معنى تكررها طوال فترة الاسترخاء. لا تقلق بشأن تشتيت الأفكار التي تدور في ذهنك أو بشأن مدى نجاحك، وإذا اقتحمت الأفكار جلسة الاسترخاء الخاصة بك، فلا تقاومها، فقط أعِد انتباهك بلطف إلى النقطة التي تركز عليها، دون إصدار أحكام.
- استرخاء العضلات التدريجي: هو عملية مكونة من خطوتين يحدث خلالها شد مجموعات العضلات المختلفة في الجسم وإرخاؤها بطريقة منهجية، ويمنحك ذلك معرفة واضحة بالفرق بين استرخاء العضلات وتوترها؛ ومن ثم ستكون أكثر وعياً بتغيراتك الجسدية وتتعلم كيفية الوصول إلى الاسترخاء التام في أجزاء مختلفة من جسمك، وذلك عبر اتباع الطريقة التالية:
خذ بضع دقائق للاستنشاق والزفير ببطء وعمق، وعندما تكون مستعداً، حول انتباهك إلى قدمك اليمنى، خذ لحظة للتركيز على ما تشعر به، ثم شد عضلات قدمك اليمنى مع الضغط عليها بقوة قدر الإمكان. عدّ إلى الرقم عشرة ثم حاول إرخاء عضلات قدمك. ابقَ في حالة الاسترخاء هذه للحظة، وتنفس بعمق وببطء، ثم افعل الأمر نفسه مع القدم اليسرى، ويمكنك في المرات القادمة تطبيق هذه الطريقة على أجزاء أخرى من جسمك.
اقرأ أيضاً: هل تعاني من التوتر والقلق؟ إليك تمارين لتنظيم التنفس ستخفف عنك
كيف تجد لحظات هادئة في يومك لممارسة الاسترخاء؟
يجب عليك تخصيص وقت في يومك من أجل ممارسة فن الاسترخاء، وذلك على غرار مهام العمل والاجتماعات والالتزامات العائلية. وكما هي الحال مع أي مهارة أخرى؛ كلما خصصت الوقت للاسترخاء، أصبح الأمر أسهل وزادت الفوائد التي تجنيها منه، وإليك كيفية تخصيص لحظات هادئة في يومك المزدحم من أجل الاسترخاء:
- ابدأ يومك مبكراً بممارسة الامتنان أو اليقظة الذهنية: يعد الصباح وقتاً رائعاً لممارسة تقنيات الاسترخاء؛ إذ غالباً ما يكون الصباح مزدحماً ومليئاً بالمهام اليومية الخاصة بالعمل؛ ولهذا فإن قضاء بعض الوقت في التركيز على الاسترخاء قبل بدء مهام اليوم يمكن أن يساعدك على تقليل الشعور بالتوتر والقلق والاستمتاع بيومك والإحساس بالإنجاز بدلاً من الإرهاق، ومن أهم التقنيات التي يمكن اللجوء إليها صباحاً ممارسة الامتنان أو اليقظة الذهنية.
- خذ استراحة في منتصف النهار: أنت لا تعرف أبداً ما قد يحمله لك يومك؛ لذا كن مستعداً للتغلب على أي تحدٍ من خلال ممارسة الاسترخاء في منتصف النهار؛ وذلك من خلال تخصيص وقت في النهار من أجل إعادة التركيز وشحن طاقتك لباقي اليوم. وتعد تقنية التنفس العميق من أهم وسائل الاسترخاء التي تُمكنها المساعدة في تقليل التوتر أو تخفيف حدة المشاعر السلبية الأخرى التي قد تظهر خلال اليوم كما يمكنها أيضاً تهدئة عقلك للحفاظ على مستوى إنتاجيتك في العمل.
- اختم يومك مع تقنية التصور الموجه: مثلما يساعدك الاسترخاء الصباحي على التركيز وأداء المهام؛ فإن الاسترخاء قبل النوم يسمح لك بالتحول بطريقة طبيعية من النشاط إلى الراحة، ويمكن القول إن الطريقة التي تقضي بها وقتك قبل النوم يمكن أن تؤثر تأثيراً كبيراً في جودة نومك؛ ولهذا فإن هذا الوقت يعد مناسباً من أجل ممارسة فن الاسترخاء. في البداية، ابتعد تماماً عن الشاشات قبل النوم، وخذ حماماً دافئاً واستمع إلى الموسيقا إلى جانب ممارسة تقنية التصور الموجه.