ملخص: لو استطاع فلاسفة العصور القديمة تذوق الشوكولاتة كما نعرفها اليوم، لما عقّدوا مفهوم السعادة، صحيح؟ يقول استشاري الصحة النفسية وليد هندي إن الشوكولاتة تقلل حدة التوتر، ويعتمد عليها بعض الناس في تحسين الحالة المزاجية، هذا بالإضافة إلى أنها تمنح العديد من الفوائد الفيزيولوجية الأخرى. فما سر الشوكولاتة؟ ولماذا ارتبطت بالسعادة في أذهاننا؟ إليك بعض الحقائق اللذيذة عنها.
محتويات المقال
لطالما تمتعت الشوكولاتة بسمعة مرموقة عبر التاريخ بصفتها غذاءً يعزز المزاج ويمنح شعوراً بالسعادة؛ لكن وعلى الرغم من التجارب السريرية العديدة، فإن الآليات الدقيقة التي يؤثر بها كل من الشوكولاتة والكاكاو في الحالة المزاجية والإدراك ليست مفهومة تماماً. قد يعتقد البعض أن الأمر يُعزى إلى مركباتها الكيميائية؛ في حين يعتقد البعض الآخر أن تأثيرها نفسي أكثر من كونه كيميائياً. دعونا في هذا المقال نوضح الأسباب التي تجعل الشوكولاتة مرتبطة بالسعادة في أدمغتنا.
اقرأ أيضاً: هذه الأغذية ترفع المعنويات
4 أسباب توضح لماذا يجعلنا تناول الشوكولاتة سعداء
في البداية، لنتفق أن الشوكولاتة تحسن المزاج، عند معظم الناس على الأقل، وهذا ما أكدته نتائج مراجعة علمية منشورة في دورية المراجعات النقدية في علوم الأغذية والتغذية (Critical Reviews in Food Science Nutrition) عام 2022؛ حيث وُجد أن تناول المنتجات الغنية بالكاكاو قد يحسن المزاج على المدى القصير. بالإضافة إلى ذلك، وُجد أن استهلاك الشوكولاتة الداكنة قد يرتبط بانخفاض احتمالية ظهور أعراض الاكتئاب عند البالغين، وفقاً لدراسة منشورة في دورية الاكتئاب والقلق (Depression and Anxiety) عام 2019.
لكن ومع ذلك، سبب تأثير الشوكولاتة في أمزجتنا ليس واضحاً تماماً، فقد يكون ناتجاً عن محتواها من المركبات الكيميائية أو نتيجة التجربة الحسية أو غيرها من الأسباب؛ وإليك أهمها.
اقرأ أيضاً: دليلك الشامل حول الأغذية المعززة لصحة الدماغ
1. تعزيز السيروتونين في الدماغ
السيروتونين ناقل عصبي يؤثّر في الحالة المزاجية للإنسان، ويُشتبه في أن نقصه يرتبط بأعراض اضطرابات المزاج. وقد وُجد أن التربتوفان؛ وهو حمض أميني، يسهم في زيادة تخليق السيروتونين في الدماغ وتنظيم الحالة المزاجية.
وعلى الرغم من أن الشوكولاتة تحتوي نسبة قليلة من التربتوفان، فإن الكربوهيدرات الموجودة في الشوكولاتة قد تزيد كمية التربتوفان التي تدخل إلى الدماغ، وكلما زادت كمية التربتوفان التي تعبر حاجز الدم في الدماغ، صنّع الجسم كمية أكبر من السيروتونين؛ ما يقلل أعراض الاكتئاب ويحسّن المزاج.
2. تحفيز إطلاق الدوبامين
تحفِّز الشوكولاتة إفراز الدوبامين في الدماغ؛ وهو ناقل عصبي مرتبط بالمتعة والمكافأة ويسهم في تخفيف التوتر. ويمكن القول إن الشوكولاتة تحتوي بالفعل بعض المركبات الكيميائية التي قد تعزز المزاج؛ مثل السكر الذي يحفز إطلاق الدوبامين والشعور بالمتعة والرضا، وفينيل إيثيل أمين (Phenylethylamine) الذي يحفّز مراكز المتعة في الدماغ ويرتبط بمشاعر الانجذاب والإثارة وتخفيف القلق، والثيوبرومين (Theobromine) الذي يساعد على تخفيف التوتر، وأنانداميد (Anandamide) الذي يساعد على تخفيف أعراض القلق، والسالسولينول (Salsolinol) الذي يحفِّز إنتاج الدوبامين.
إلا أن الجدير بالذكر هو إن غالبية هذه المركبات الكيميائية لا توجد سوى بكميات قليلة جداً في الشوكولاتة (باستثناء السكر)، وبعضها يُستقلب بسرعة كبيرة حتى قبل أن يؤثّر في الدماغ؛ لكن حتى لو لم يكن لهذه الكميات الصغيرة تأثير عميق في الدماغ في حال وجود كل منها على حدة، فإن الجمع فيما بينها مع ملمس قطعة الشوكولاتة وطعمها ورائحتها قد يسهم إلى حد ما في إثارة الشعور بالسعادة.
اقرأ أيضاً: كيف تسير جلسة تعليم أسلوب الأكل الواعي؟
3. الارتباط النفسي بالشوكولاتة والسعادة المتصوَّرة
في حين أن الشوكولاتة تحتوي مركبات قد تؤثّر في الحالة المزاجية، فإن الارتباطات النفسية والتوقعات المحيطة بها تؤدي دوراً مهماً في في فوائدها المتصوَّرة. بكلمات أخرى: العلاقة بين الشوكولاتة والسعادة متجذرة بعمق في العوامل الاجتماعية والنفسية؛ لأننا نتعلم منذ الطفولة ومع مرور الوقت ربط الشوكولاتة بالتجارب الإيجابية؛ مثل التجمعات العائلية والعطلات والاحتفالات وهدايا الحب؛ الأمر الذي يعزز ارتباطها بالسعادة. وبالطبع، تعمل وسائل الإعلام والمعايير الثقافية على تعزيز دور الشوكولاتة في تحسين المزاج؛ ما يؤثر في توقعاتنا وتجاربنا.
بالإضافة إلى ذلك، مجرد رؤية الشوكولاتة أو التفكير فيها (توقع المكافأة) أو شم رائحتها قد يؤدي إلى إحداث نشاط معزز للمزاج في الدماغ. يمكن القول إن توقع قدرة الشوكولاتة على تحسين الحالة المزاجية يشبه إلى حد ما تأثير ما يُسمى بـ "العلاج الوهمي"؛ حيث يشعر الناس بالسعادة بعد تناول الشوكولاتة لمجرد أنهم يتوقعون قدرتها على تحقيق ذلك.
اقرأ أيضاً: ما الأطعمة التي تحارب الخوف والقلق؟
4. تأثير الشوكولاتة في بكتيريا الأمعاء
تشير نتائج دراسة منشورة في مجلة الكيمياء الحيوية الغذائية (The Journal of Nutritional Biochemistry) عام 2022، إلى أن تناول الشوكولاتة الداكنة الغنية بالكاكاو (85% كاكاو على الأقل) يحسِّن الحالة المزاجية من خلال تغيير تركيبة ميكروبات الأمعاء؛ إذ يؤدي تناول هذا النوع من الشوكولاتة إلى ارتفاع ملحوظ في مستويات البكتيريا المفيدة (Blautia obeum) الذي يرتبط بانخفاض المشاعر السلبية. إذاً، تشير هذه النتائج إلى أن الشوكولاتة الداكنة تؤثّر في تنوع البكتيريا المعوية ووفرتها؛ ما يجعلها تحسِّن الحالات العاطفية السلبية عبر التأثير في محور الأمعاء والدماغ.
اقرأ أيضاً: تعرَّف إلى نبتة يابانية تعزّز صحتك الدماغية وتنمّي قدراتك المعرفية
ما أفضل أنواع الشوكولاتة للصحة النفسية؟
الشوكولاتة الداكنة، خصوصاً تلك التي تحتوي نسبة 70-85% من الكاكاو هي الأفضل للصحة؛ إذ وبالإضافة إلى أنها تؤثّر تأثيراً إيجابياً في تنوع ميكروبيوم الأمعاء وتحسن المزاج، فإنها قليلة المحتوى بالسكر وغنية بالمعادن الأساسية مثل الحديد والمغنيزيوم والزنك. تدعم هذه المعادن وظائف الجسم المختلفة، بدءاً من زيادة كفاءة نقل الأوكسجين (الحديد)، إلى تحسين وظيفة العضلات والأعصاب (المغنيزيوم)، وصولاً إلى تعزيز الاستجابة المناعية (الزنك).
فضلاً عن أن تناول الشوكولاتة الداكنة يرتبط بانخفاض مستويات هرمون التوتر (الكورتيزول)؛ ما يسهم في تخفيف التوتر وتحسين صحة القلب، علاوة على أنها تحتوي العديد من مضادات الأكسدة ومضادات الالتهابات التي تعزز الصحة وتقي من أمراض عدة.
اقرأ أيضاً: الامتناع عن تناول الحلوى قد يضر بصحتك النفسية، فإليك الحل
في المقابل، تحتوي الشوكولا البنية؛ التي ربما تكون ألذ طعماً أو لنقل أحلى طعماً، كميات قليلة من الكاكاو وكميات كبيرة من السكر والزبدة والحليب؛ لذلك فهي ذات محتوىً أعلى من السعرات الحرارية، وذات فوائد أقل.
لكن وعلى الرغم من فوائدها ومحتواها الأقل من السكر مقارنة بالأنواع الأخرى، فإن الشوكولاتة الداكنة غنية بالدهون؛ لذلك فإن الإفراط في تناولها قد يؤدي إلى زيادة الوزن وغيرها من المشكلات الصحية.
عموماً، لا توجد توصية صارمة بشأن الكمية التي يمكن تناولها من الشوكولاتة الداكنة لتحقيق الفوائد الصحية؛ لكن يمكنك تناول نحو 28 غراماً من الشوكولاتة يومياً أو بين الحين والآخر، ويُفضل أن تكون قليلة المعالجة؛ إذ إن محتواها من المواد الفعالة يختلف بناء على طرائق المعالجة.