ملخص: من الطبيعي أن يواجهنا الإحساس بالذنب بسبب شعورنا بالسعادة بينما يعاني آخرون؛ ويرجع ذلك إلى أسباب نفسية واجتماعية وثقافية مختلفة، ويمكن أن يؤثر هذا الشعور في طرائق تفكيرنا وتصرفاتنا؛ لكن يمكننا التعامل مع هذا الشعور والحفاظ على سعادتنا دون أن نتخلى عن تعاطفنا مع الآخرين في الوقت نفسه.
محتويات المقال
يبحث جميعنا عن السعادة، فقد ننتظرها في إجازة نحتاج إليها، أو علاقة عاطفية نتوق إليها، أو الأمان المادي وغيره من الأشياء، وعندما نصل أخيراً إلى ما تمنيناه، قد يتملكنا الشعور بالذنب إلى درجة تمنعنا من الاستمتاع بكل ما حققناه.
في الواقع، يشعر الكثيرون بالذنب، ليس فقط عند النجاح والإنجاز؛ لكن حتى عندما يستمتعون، سواء كان ذلك مع الأصدقاء أو بمفردهم أو في أثناء ممارسة هواياتهم أو حتى عند مشاهدة فيلم؛ وذلك لأنهم سعداء بينما يعاني غيرهم.
ويعد الشعور بالذنب عند السعادة ظاهرة شائعة تزايدت في الفترة الأخيرة؛ فنحن نعيش في عالم كبير ومعقد تُؤثر من خلاله العوامل الثقافية والاجتماعية والأحداث المتعاقبة والمتسارعة في طرائق تفكيرنا. لذلك؛ يستعرض هذا المقال أسباب هذا الشعور، وكيفية التعامل معه.
اقرأ أيضاً: لماذا يعجز بعض الأشخاص عن الشعور بالسعادة؟
لماذا قد نشعر بالذنب عندما نكون سعداء؟
يُمكن أن يُصبح الشعور بالذنب المرافق للسعادة مشكلة حقيقية تؤثر في طرائق تفكيرنا وتصرفاتنا، وحتى حالاتنا النفسية والجسدية. ويرجع هذا الشعور إلى عوامل متعددة:
- المعتقدات: قد تعتقد أنك لا تستحق السعادة بسبب أخطاء الماضي، أو تجارب الطفولة الصعبة، أو حتى لحصولك على ما هو أكثر من غيرك في أثناء نشأتك، أو ربما تلقيت تعليقاً سلبياً من شخص تحبه؛ حيث يمكن أن تعلق العبارات الصادمة والمؤذية بأذهاننا، خاصة عندما نتلقاها من أشخاص يحتلّون أهمية لدينا مثل والدينا؛ فالانطباعات والمفاهيم التي تعرضنا إليها في الصغر تشكل حجر الأساس لفكرنا ووعينا ونظراتنا عن أنفسنا والآخرين.
- التأثر بالأزمات العالمية: نعيش في عالم إيقاعه متسارع على نحو غير مسبوق؛ حيث تلاحقنا الأخبار والمعلومات عن الأزمات العالمية باستمرار. ويمكن أن تؤدي متابعة هذه الأحداث، سواء من خلال وسائل التواصل الاجتماعي أو التفاعل مع الآخرين، إلى المقارنة بين حيوات الأفراد؛ فعندما نشهد معاناة الآخرين، نشعر أن سعادتنا تُقلل من شأن هذه المعاناة، وأن فرحتنا غير مُستحقة في مثل هذه الظروف.
- التأثيرات الثقافية والاجتماعية: يؤمن بعض الثقافات بأن التضحية والمعاناة أفضل من السعادة، ويعزز العديد من المجتمعات مثل اليابان، ثقافة العمل الجاد والإنتاجية؛ بينما يُنظر إلى الكسل أو الاسترخاء على أنهما عيبان؛ وهذا قد يؤدي إلى اعتبار فترات الفراغ "مضيعة للوقت"؛ ما يُشعرنا بالذنب عند الاستمتاع بالراحة.
- الاختلافات بين الجنسين: تُشجّع النساء على التضحية وتقديم العطاء للآخرين، وتؤثر هذه التوقعات في إحساسهن بالذنب عند الاستمتاع بأوقاتهن، فيشعرن وكأنهن لا يفعلنه ما يجب عليهن فعله.
- الخوف من فقدان السعادة: يعتقد بعض الأفراد أن سعادتهم أمر عابر وأن التعبير عنها والاعتراف بفرحتهم قد يجذب أحداثاً سلبية أو سوء الحظ، فيخشون فقدانها ويفضلون عدم إظهار أي مظهر يدل على شعورهم بها.
اقرأ أيضاً: الشيروفوبيا: ما الذي يجعل السعادة مخيفة؟ وما علامات ذلك؟
9 إرشادات فعالة لتتغلب على الشعور بالذنب المصاحب للسعادة
عندما لا تسمح لنفسك بالاستمتاع بمشاعر إيجابية، فإنك تنكر حق الوجود لجزء من نفسك، وتقصر تجربتك الحياتية على الجانب المؤلم منها، وتعزل نفسك عن جوانب الحياة الأخرى، لذلك؛ يُمكن أن نُواجه هذا الشعور من خلال اتباع مجموعة من الإرشادات العملية؛ أهمها:
- تعرّف إلى أسباب شعورك بالذنب عند سعادتك: الخطوة الأولى هي أن تدرك هذا الشعور وتعترف بِه، ثم تحدد الأسباب المؤدية إليه وتحاول معالجتها.
- حقق التوازن بين تعاطفك مع الآخرين وشعورك بالسعادة: لا يُمكن إنكار وجود معاناة في العالم؛ لكن في الوقت نفسه، يجب ألا نُغرق أنفسنا في البؤس ونهمل سعادة أنفسنا وأحبابنا، فالفرح في وسط الحزن ليس خيانة؛ بل مرونة.
- شارك مشاعرك: تعاطفك مع نفسك أمر ضروري، فلن يخفف شعورك بالذنب معاناة الآخرين، ناهيك بأنك تستحق أن تشعر بالسعادة وتحتفل بنجاحك، لذلك؛ لا تحاول أن تخفي سعادتك أو تُقلل من شأنها، وشارك فرحتك دون التباهي بِإنجازاتك، وأظهِر تقديرك لنجاحات الأصدقاء والزملاء. ويمكن أن تواجه الشعور بِالذنب من خلال التحدث إلى أصدقائك أو عائلتك؛ لمساعدتك على فهم مشاعرك والتكيف معها.
- غيّر رؤيتك لما يجري حولك: يمكن أن نحاول تغيير طرائق تفكيرنا وإدراك أن الآخرين يعانون بطرائق مختلفة، وسعادتنا لا تُقلل من شأن معاناتهم. ويمكن أن نُحوّل سعادتنا إلى شيء إيجابي، فمشاركة فرحتنا مع الآخرين يمكن أن تلهمهم وتحفزهم، وتساعدهم في التغلب على معاناتهم.
- قدم الدعم للآخرين: يمكن أن نُسهم في أعمال الخير من خلال التبرع للمُؤسسات الخيرية أو التطوع بأوقاتنا لإحداث فرق ومساعدة الآخرين على الوصول إلى السعادة؛ فتقديم العطاء للآخرين يقلل شعورنا بالذنب ويعزز قدرتنا على الشعور بالسعادة.
- مارس الامتنان: تذكر أن السعادة ليست شيئاً يجب أن تشعر بالذنب بسببه. يمكن أن نعبر عن امتناننا للأشياء الإيجابية في حيواتنا، حتى مع العلم بالتحديات التي يواجهها الآخرون. لذلك؛ قدّر اللحظات البسيطة، ولا تنتظر أن تصبح الحياة مثالية كي تسمح لنفسك باستحقاق السعادة.
- ضع توقعات واقعية: لا يُمكن أن نتوقع أن نصبح أشخاصاً متعاطفين وسعداء في الوقت نفسه بطريقة فورية؛ لكن يمكننا أن نواصل التعلم والنّمو، ونحاول أن نُصبح أشخاصاً أفضل في كل يوم.
- ركز على حاضرك: ينصح أستاذ علم النفس، محمد سالم القرني، بـ "غمر عقلك تماماً في اللحظة الحالية، دون اجترار الماضي أو التفكير في المستقبل"، وتركيز الوعي على ما تراه وتسمعه وتشعر به من حولك، فذلك سيسهم في تعزيز شعورك بالسعادة.
- اطلب المساعدة عند الحاجة: يُمكن أن تساعدك الاستعانة بمختص الصحة النفسية في معرفة أسباب شعورك بالذنب عند سعادتك ومعالجته، وإعادة برمجة أنماط التفكير السلبية، وتشجيعك على تقدير السعادة.
تذكر، في المرة القادمة التي تشعر فيها بالسعادة، حاول ألا تشعر بالذنب حيال ذلك؛ بل رحب بسعادتك كصديق طال انتظاره.
اقرأ أيضاً: 7 أفكار عملية لتستعيد شعورك بالسعادة بعد فقدانه