ملخص: توجد علاقة وثيقة بين الصحة النفسية والجسدية، فالتوتر يمكن أن يُضعف مناعة المرء؛ ما قد يؤدي إلى بطء التئام الجروح. وتعد استراتيجيات التعامل مع التوتر أساسية للحد من أثره السلبي في الجسد، وفي هذا المقال أهم تلك الاستراتيجيات.
محتويات المقال
تعد العلاقة بين حالتنا النفسية وصحتنا الجسدية وثيقة وتظهر بأشكال مختلفة، فمن الإصابة بالقولون العصبي إلى معاناة الصداع وتساقط الشعر؛ جميعها ظواهر تؤكد هذه العلاقة؛ لكن ما لا يعرفه الكثيرون أنهم عندما يُصابون بالجروح فإن قدرات أجسامهم على التعافي تتأثر إلى حد كبير بمعدل توترهم في الفترة التي تلي الإصابة. وفي هذا المقال، سنتعرف بوضوح إلى الأسباب الكامنة وراء ذلك والإرشادات التي يمكن باتباعها الحد من توترنا.
كيف نفهم العلاقة بين حالتنا النفسية وصحتنا الجسدية؟
عندما تتمتع بحالة نفسية إيجابية، تزيد قدرتك على الحفاظ على استقرار صحتك وتقل احتمالية إصابتك بأمراض خطِرة؛ فالشعور بالسعادة والرضا النفسي يُقللان احتمالية الإصابة بنوبات القلب والسكتات الدماغية.
على النقيض من ذلك، يُفاقم سوء الحالة النفسية مخاطر الإصابة بالأمراض الجسدية؛ فهناك ارتباط قوي بين الاكتئاب وزيادة خطر الإصابة بالأمراض المزمنة؛ مثل السكري والربو والسرطان وأمراض القلب والأوعية الدموية والتهاب المفاصل، ويُلاحظ ارتفاع خطر الإصابة بأمراض القلب والجهاز التنفسي لدى الأشخاص الذين يعانون الفصام.
إلى جانب ذلك، تزيد مشكلات الصحة النفسية صعوبات التعامل مع الأمراض المزمنة؛ فمعدلات الوفيات بسبب السرطان وأمراض القلب أعلى بكثير بين الأشخاص الذين يعانون الاكتئاب أو غيره من الأمراض النفسية.
اقرأ أيضاً: 5 أنماط لشخصيات هي الأقوى في مواجهة التوتر: هل أنت منها؟
ويؤكد المعالج النفسي، أحمد هارون، إن الكثيرين يواجهون صعوبة في فهم علاقة حالاتهم النفسية بالأعراض الجسدية التي يعانونها؛ حيث يضطرون إلى زيارة عيادات مختلفة بحثاً عن علاج لهذه الأعراض؛ لكنهم لا يحصلون على تشخيص محدد. وبعد فترة طويلة من البحث وزيارة الأطباء، يتضح أن المشكلة الحقيقية ترجع إلى اضطرابات في الصحة النفسية.
يفسر هارون ذلك بالترابط الوثيق بين النفس والجسد؛ فعندما نتوتر، يمكن أن يعبر جسمنا عن هذا التوتر بأشكال مختلفة؛ مثل اضطرابات الجهاز الهضمي أو آلام الرأس أو اضطراب ضغط الدم أو السكر، أو مشكلات الشعر وغيرها من المشكلات الجسدية.
ويوضح هارون إن أكثر من نحو 60% من الاضطرابات العضوية يرتبط بالحالة النفسية؛ فمشكلات مثل الضغط والسكر وقرحة المعدة والبواسير والصداع والتهابات المفاصل والإسهال والإمساك ترتبط مباشرة بالتوتر والقلق.
ويضرب مثالاً مشهوراً لهذه الاضطرابات هو القولون العصبي، ويؤكد إنه ليس مرضاً؛ بل طريقة لوصف أعراض جسدية تُعزى إلى التوتر وعدم القدرة على التعبير عن الضغوط النفسية.
اقرأ أيضاً: دراسة حديثة: الأخطاء النحوية في أثناء الحديث تؤدي إلى التوتر، فكيف نصححها للآخرين بذكاء؟
ما الذي يحدث في أدمغتنا عندما نتوتر؟
عندما نواجه أمراً مرهقاً يصيبنا بالتوتر، يُصدر ما تحت المهاد (جزء صغير من الدماغ) إشارة للقتال أو الهروب، لتنشيط المحور الوطائي النخامي الكظري (HPA) والجهاز العصبي اللاإرادي وأنظمة الأيض والمناعة والقلب والأوعية الدموية؛ ما يؤدي إلى إفراز هرمونات الأدرينالين والنورأدرينالين التي تسبب زيادة ضغط الدم وتسارع دقات القلب.
تزداد مشكلة التوتر عندما لا تُوقف هذه الأنظمة عملها بعد زوال مُسبب الضغط أو عندما تصبح هذه الأنظمة مُستنفِدة؛ أي تُرهق أجهزة الجسم بسبب ارتفاع مستويات هرمون الكورتيزول؛ ما يُضعف جهاز المناعة ويعوق قدرة الجسم على إنتاج السيتوكينات (Cytokines)؛ وهي بروتينات تؤدي دوراً مؤثراً في تعافي الجروح. ويمكن لأجسامنا التكيف والتعافي من التوتر القصير الأمد؛ لكن إذا استمر الضغط، تضعف قدرة الجسم على مقاومة السموم ومراقبة الالتهاب؛ وهي عوامل ضرورية للشفاء.
اقرأ أيضاً: تعاني من التوتر؟ هذه الوظائف هي الأنسب لك
دراسات علمية ترصد العلاقة بين التوتر وتأخر تعافي الجروح
أظهرت دراسة نشرتها دورية لانسيت (Lancet)، وجود علاقة بين التوتر المزمن وشفاء الجروح، فقد توصلت نتائج الدراسة التي استهدفت مقدِّمات الرعاية الصحية اللواتي يعانين التوتر، إلى أن أجسامهن استغرفت وقتاً أطول بنسبة 24% لشفاء جروحهن.
وفي دراسة أخرى نشرتها دورية الطب النفسي الجسدي (Psychosomatic Medicine)، تَبين أن جروح الطلاب المشاركين شُفيت بمعدل أبطأ بنحو 40% في المتوسط خلال فترة الامتحانات مقارنة بفترة العطلة. وفي السياق نفسه، كشفت دراسة نشرتها دورية جاما للطب النفسي (JAMA Psychiatry)، أن النساء اللواتي يعانين مستويات توتر أعلى كان لديهن مستويات أقل على نحو ملحوظ من السيتوكينات.
وعلى الرغم من وجود عوامل أخرى قد تؤثر في شفاء الجروح، تُؤكد الدراسات السابقة الصلة الوثيقة بين التوتر وضعف قدرة الجسم على التعافي. وتزداد خطورة التوتر والضغط النفسي عند الحاجة إلى إجراء عملية جراحية؛ حيث يزداد الاكتئاب والقلق والألم؛ ما يُؤدي إلى تفاقم التوتر بصفة ملحوظة. فقد أظهرت دراسات عديدة أن مستويات القلق والاكتئاب قبل الجراحة تؤثر سلباً في نتائج الجراحة وقد تعوق عملية شفاء الجروح، علاوة على أن بطء التئام الجروح أو الجروح المزمنة التي لم تُعالَج بأسلوب صحيح يفاقم المشكلة؛ ما يزيد خطر الإصابة بالالتهابات ويُطيل فترة البقاء في المستشفى ويؤدي إلى ارتفاع مستويات الضغط النفسي والتوتر والدخول في حلقة مفرغة.
10 إرشادات فعالة تحد من توترك
نعيش اليوم حياة إيقاعها سريع؛ ما يجعلنا أكثر عرضة إلى الإصابة بالتوتر؛ لذا من الضروري التعرف إلى إرشادات عملية تساعدنا على الحد منه؛ وأهمها:
- اعرف نوع توترك: من المُهم التعرف إلى نوع التوتر الذي تعانيه للتعامل معه على نحو صحي وفعال. فبعض أنواع التوتر مفيدة ومحفزة، وتُعرف بـ "الإجهاد المفيد" أو "التوتر الإيجابي" (Eustress) الذي يساعدنا على تجديد طاقاتنا ويعزز صحة القلب والأوعية الدموية ويحسّن قدرة الجسم على التحمل ويشحذ الوظائف الإدراكية ويحفّز الابتكار والإبداع. على الجانب الآخر، يُعرف الضيق (Distress) بـ "التوتر الضار" الذي يعرقل التوازن النفسي والجسدي، ويُؤدي إلى مشكلات صحية متنوعة.
- تجنب العادات السيئة: تزداد خطورة الضغط النفسي عندما نتبع طرائقَ غير صحية للتعامل معه؛ فالتدخين وسوء التغذية وقلة النوم كلها مشكلات تُفاقم من مستويات التوتر وتُضعف قدرة الجسم على الشفاء؛ لكن يمكن لاتباع العادات الصحية واستراتيجيات التكيف في حيواتنا عندما نعاني التوتر أن يساعد على منعه من التفاقم.
- مارس الرياضة: تقلل ممارسة التمارين الرياضية، بالأخص اليوغا والمشي والرقص، هرمونات التوتر، وتحسّن مزاجك.
- جرب التنفس العميق: يساعد هذا النوع من التنفس على تهدئة الجسم والعقل، ويمكنك استخدام قاعدة 3-3-3 بأن تأخذ شهيقاً مدة 3 ثوانٍ، ثم تحبسه مدة 3 ثوانٍ، ثم تزفر مدة 3 ثوانٍ. ويتميز هذا التمرين بإمكانية ممارسته في أي وقت ومكان، حتى على مكتبك أو في موقف مرهق لخفض مستويات التوتر لديك بسرعة.
- التزم بنظام غذائي صحي: يزوّد الغذاء الصحي الجسم بالطاقة والعناصر المغذية لمقاومة التوتر، ويُنصح باتباع حمية البحر الأبيض المتوسط التي تعتمد على الإكثار من الخضروات والفواكه والدهون الصحية والحبوب الكاملة، إلى جانب الحد قدر المُستطاع من اللحوم المُصنعة والسكريات المضافة.
- أعد النظر في أفكارك: توقف عن الأفكار السلبية التي تُفاقم التوتر؛ مثل جلد الذات أو إلقاء اللوم على الآخرين وتوقع الأسوأ دائماً وتضخيم الأمور. بدلاً من ذلك، قيّم الأفكار السلبية بعقلانية وحاول تغيير طريقة تفكيرك بممارسة الحديث الإيجابي مع النفس وتشجيعها والتفكير في الأشياء التي تُشعرك بالامتنان لوجودها.
- استرخِ: يمكن أن تقلل ممارسات مثل الاستماع إلى الموسيقا المفضلة ومشاهدة شيء مضحك وقراءة كتاب معدل التوتر.
- اكتشف تأثير تمرين المسح الجسدي (Body scan): يتضمن هذا التمرين مسحاً ذهنياً لجسمك من الرأس إلى أخمص القدمين وملاحظة المناطق التي تشعر فيها بالضيق أو الانزعاج ثم إرخاء عضلاتك لتعزيز الراحة؛ إذ سيساعدك ذلك على إعادة تركيز الانتباه وتقليل التوتر النفسي.
- دوّن ما برأسك: تسهم كتابة أفكارك ومشاعرك في تخفيف الضغط النفسي الذي تعاني منه.
- احصل على الدعم الاجتماعي: تختلف مصادر هذا الدعم من شخص إلى آخر؛ وأهمها مشاركة ما يزعجك بالتحدث إلى الأصدقاء أو العائلة أو شريك الحياة، وكذلك اللجوء إلى استشارة المختص النفسي عند الحاجة.
اقرأ أيضا: دراسة حديثة: راقب العصافير 30 دقيقة أسبوعياً لتخفيض التوتر وتحسين مزاجك